أثار إصرار حركة النهضة التونسية الإسلامية على ترشيح مرشح إسلامي لانتخابات الرئاسة التونسية تساؤلات وانتقادات، خصوصًا من الغيورين على الحركة الإسلامية، وينظرون إلى التجربة المصرية التي تحالف ضدها الانقلابيون مع الصهاينة والغرب لإسقاطها.

وطالب سياسيون وكتاب ونشطاء عرب حركة النهضة بعدم ترشيح مرشح إسلامي ودعم المرشح اليساري (الرئيس السابق) المرزوقي والالتفاف حوله، بدلاً من تفتيت الأصوات، بما يسمح بفوز مرشح علماني.

الرافضون لترشيح مرشح إسلامي هو عبد الفتاح مورو استندوا إلى المخاوف التالية:

1-    أن الأجواء العالمية المعادية للإسلام - ومن ثم التيار الإسلامي - غير مواتية ما بين ترامب الأمريكي وجونسون البريطاني والحكومات اليمينية المتطرفة في أوروبا، وكلهم سيعيدون التواطؤ مع الانقلابيين في تونس والدولة العميقة من أجل إسقاط التجربة الإسلامية.

2-    أن تونس لها خصوصية تشبه تركيا، من زاوية أن بها نسبة من المغتربين وأعداء الدين والعلمانيين؛ الذين سيحرّضون ضد أي مرشح إسلامي أو رئيس بنكهة إسلامية ويثيرون له المشاكل.

3-    أن دولاً خليجية معادية للربيع العربي، خصوصًا الإمارات، ستنتهزها فرصة لمحاولة إثبات فشل التجربة الإسلامية عبر التدخل المالي ونشر الفوضى لإسقاط الرئيس الإسلامي لو فاز، ناهيك عن السعي لإسقاطه في الانتخابات.

4-    أن التجربة المصرية جعلت أصواتًا إسلامية عديدة تميل إلى تفضيل عدم ترشيح الحركات الإسلامية مرشحًا للرئاسة والاكتفاء بوجود قوي على الساحة السياسية في البرلمان والحكومة، باعتبار أن الترشح للرئاسة يثير الشقاق مع القوى السياسية الليبرالية والعلمانية الأخرى، ومن ثم تفضيل ترشيح مرشح غير إسلامي، ولكنه يمد يده للتعاون مع الإسلاميين.

لماذا تصر النهضة على مرشح إسلامي؟

بالمقابل أبدى المرحبون بترشيح مرشح إسلامي في تونس تبريرات مقنعة، منها:

1-    ترشيح عبد الفتاح مورو بالذات وليس الغنوشي أو غيره مقصود، وله أسبابه، فالرجل ليس مشهورًا بالتطرف في تونس، بل إنه الوحيد الذي سار في جنازة الرئيس الراحل السبسي، برغم علمانية الأخير وعدائه للإسلام، ومشهور بأنه منفتح ويحب الموسيقى والغناء، وله نكهة مختلفة لدى القوى التونسية المختلفة تجعلهم يقبلون به.

2-    حالة تونس تختلف عن مصر، فالجيش التونسي وعى درس مصر، ولذلك قبل بمعادلة الصراع الحالية، وبالمثل حركة النهضة التونسية لا ينظر لها بنفس النظرة العدائية التي ينظر بها قادة الجيش والعلمانيون واليساريون للإخوان في مصر، والتي دفعتهم لتأييد المجازر ضد الإخوان.

3-    ترشيح النهضة التونسية لعبد الفتاح مورو مبنيٌّ على ثقة بنجاحه، فهو شخصية ذات قبول واسع وقد يكون مناورة سياسية من النهضة ستنتهي بصفقة توافقية، إذا طالب الغنوشي باقتسام السلطة، أي يكون رئيس الوزراء من الإسلاميين.

4-    عملية ترشيح شخصية إسلاميةٍ للرئاسة قرار مهم في ذاته، فقد آن الأوان للإسلاميين الذين يخوضون السياسة أن يقتحموها بقوة وثقة في الذات، ولا ينظرون للانتكاسة التي حصلت في مصر بفعل الانقلاب العسكري بدافع القلق والخوف، كون تجربة تونس مختلفة من جوانب كثيرة.

هل يقلب فوز الإسلاميين المعادلة؟

هناك رسالة ضمنية بعث بها الانقلابيون في مصر والدولة العميقة والغرب والأنظمة القمعية في الخليج التي دعمت الانقلاب وثورة مصر المضادة؛ مفادها أنه لا يجب أن يكون هناك رئيس إسلامي وإلا انتقلت العدوى لباقي الدول العربية، وهو ما دفعهم لوأد الربيع العربي لمنع امتداده للخليج.

هناك رسالة ضمنية أخرى سعى الغرب لإرسالها من وراء وقوفه ودعمه بقوة لانقلاب السيسي والجيش في مصر ورفضه تولي رئيس إسلامي رئاسة أي دولة عربية، تتلخص في أن وجود رئيس منتخب مباشرة من الشعب وليس بموافقة أمريكية وصهيونية، معناه خسارة الغرب نفوذه في العالم العربي الذي بناه على معادلة: دعم الانقلابيين والديكتاتوريين مقابل تقديمهم خدمات للغرب، سواء في صورة التنازل عن سيادة بلادهم والسماح للغرب بالتدخل في شئونهم، والأهم ضمان عدم عداء الدول العربية للدولة الصهيونية ومحاربتها والتطبيع معها، وكلها أمور يصعب تحقيقها لو فاز رئيس إسلامي.

الانقلاب الحقيقي هنا في موازين الغرب سيكون هو فوز رئيس إسلامي في تونس واستمرار حكمه، فهذا سيؤدي من جهة لإنهاء المخاوف من التجربة المصرية وسيشجع على تكرار نزول الإسلاميين في انتخابات الرئاسة وكسر الحصار الذي سعى آخرون لفرضه عليهم وسعيهم لجعل النموذج المصري فزاعة لمن يرغب في ذلك.

وهو ما سيكون مكاسب كبير للحركة الإسلامية يجعل تجربة تونس رائدة في الرئاسة كما كانت رائدة في الربيع العربي.

الرئيس السادس الإسلامي

يصوت التونسيون يوم 15 سبتمبر المقبل لاختيار الرئيس السادس في تاريخ بلادهم في الانتخابات الرئاسية الثانية بعد ثورة 2011، في انتخابات مبكرة، فرضتها وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، قبل نهاية ولايته الرئاسية بأشهر.

ويتوقع أن تنحصر المنافسة بين مرشح العسكر وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورئيس البرلمان مرشح الإسلاميين عبد الفتاح مورو، وكذلك نبيل القروي رئيس حزب "قلب تونس"، ورئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، ورئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، والمنصف المرزوقي الرئيس السابق.

ومرشح العسكر "عبد الكريم الزبيدي" مدعوم من حركة "نداء تونس"، الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي أعلن في بيان، مساندته لهذا "الوجه السياسي الصاعد؛ نظرا لما يحوزه من خصال الكفاءة والتجربة والنزاهة والوفاء لنهج الزعيم الراحل الباجي قايد السبسي.

علاوة على تحمله المسؤوليات في مختلف درجاتها في دولة الاستقلال، وتحمّله أمانة وزارة الدفاع في المرحلة الأولى والثانية للانتقال الديمقراطي بكل اقتدار"، وفق تعبير البيان، كما أنه مدعوم بصفة غير معلنة من اتحاد الشغل، أكبر المنظمات النقابية في تونس.

وصعد اسم الزبيدي خلال الأسابيع الماضية، بعد بروزه في آخر مراحل حكم الرئيس الباجي قايد السبسي؛ حيث ظهر بجانبه في المستشفى العسكري مكان خضوعه للعلاج، كما كان آخر شخصية قابلها قبل وفاته في 25 يوليو الماضي، قبل أن يشرف على مراسم جنازته.

بالمقابل تعد هذه المرة الأولى التي تقدم فيها حركة النهضة مرشحًا للرئاسة عقب ثورة 2011 التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي؛ حيث صوت مجلس شورى حركة النهضة بأغلبية 98 صوتا لصالح ترشيح عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية.

ومورو من مؤسسي حركة النهضة، إلى جانب رئيس الحركة راشد الغنوشي، وهو من الشخصيات السياسية التي تعرف باعتدال مواقفها، وأصبح رئيس البرلمان بالنيابة، إثر وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، وبعدما خلفه محمد الناصر موقتا والذي كان رئيسا للبرلمان.

ووجه مورو انتقادات لحزبه وطالب بإصلاحات داخلية لتكون النهضة قريبة للتونسيين، وطالب أن تنأى بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين.

ايضا يوسف الشاهد مرشح قوي أيضا في الانتخابات الرئاسية؛ نظرا لأنه يمتلك شعبية في الشارع التونسي، لا سيما منذ توليه منصب رئيس الحكومة بعدما جاء عقب فترة الحبيب الصيد، لكن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون قوية وصعبة.