منذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد، في يونيو2017، بدأ سعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي والذراع الأمني لبن سلمان، ببناء نظام سجون سرية عبر "رئاسة أمن الدولة"، وهو جهاز أمني تم تشكيله ليتولى الأمور الأمنية الخاصة بولي العهد من اعتقال وتحقيق وتعذيب وسجن، بعيداً عن إدارات السجون التابعة لوزارة الداخلية.
ولم يترك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذكرى الثانية لاعتقالات الدعاة إلى الله تمر بسلام، فلا يزال عشرات العلماء والدعاة والمفكرين والنشطاء والناشطات يتعرضون للتعذيب والتنكيل دون جريرة أو جناية، منذ اعتقالهم في التاسع من سبتمبر 2017م. وبحسب منظمات حقوقية، فإن هذه الاعتقالات جرت دون أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، وهي طريقة تشبه عمليات الاختطاف، ويمنع المعتقل من التواصل مع ذويه أو توكيل محامٍ لمتابعة قضيته. ولم تكشف السلطات السعودية حتى اليوم عن هوية معظم المعتقلين، ولا عن عددهم، وكل ما يتعلق بأوضاعهم داخل السجون، لكن مغردين سعوديين ومنظمات حقوقية تكفلوا بتلك المهمة، وتابعوا في كل مراحل الاعتقالات نشر معلومات وأسماء المعتقلين، وما تعرضوا له من اعتداءات وتعذيب، ومحاكمات وصلت إلى حد المطالبة بالإعدام.
ويعد الشيخ سلمان الدويش أبرز المختفين قسرياً في البلاد حتى الآن، وسط شكوك حول تعرضه للقتل بعد سلسلة من عمليات التعذيب على يد الأمنيين التابعين لولي العهد. وكان الدويش، وهو أحد المحسوبين على ولي العهد السابق محمد بن نايف، قد اعتُقل في إبريل 2016 عقب سلسلة تغريدات حذر فيها الملك سلمان بن عبد العزيز من منح الثقة لابنه محمد، ووصفه بالمراهق والمدلل. ونقل الدويش بعد اعتقاله إلى السجون السعودية الرسمية. لكن مع وصول محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد، أصدرت السلطات أمراً بالإفراج عنه وإخراجه من السجن، وتسلمته رئاسة أمن الدولة، التي قامت بتعذيبه داخل سجونها السرية ما أدى لانقطاع أخباره، وسط حديث حساب "معتقلي الرأي" أنه تعرض للقتل.
واعتقلت رئاسة أمن الدولة، في مارس 2018، الصحفي والكاتب السعودي المعارض تركي الجاسر، وهو أحد أبرز مفكري "تيار الصحوة"، والذي يعد أكبر تيار ديني في البلاد، وذلك بعد اكتشاف السلطات إدارة الجاسر لحساب وهمي في موقع "تويتر" تحت اسم "كشكول". وذكرت صحيفة "ميرور" أن هناك موظفاً تابعاً للنظام السعودي في مكتب موقع "تويتر" في دبي قام بتسريب بياناته إلى السلطات ما أدى إلى اعتقاله. ونقل الجاسر فوراً إلى معتقل سري، وتعرض هناك إلى عمليات تعذيب أدت إلى مقتله، وفق ما يقول الناشط والمعارض السعودي عمر بن عبد العزيز الزهراني.
https://www.youtube.com/watch?v=LaFECJmNQTg

أرقام بالآلاف
وقال حساب "معتقلي الرأي" في تغريدة على صفحته في "تويتر": "إن القائمة تضم من عُرفت أسماؤهم حتى اللحظة من معتقلي الرأي، منذ سبتمبر 2017 وحتى تاريخ اليوم، والمقدرة بـ110 معتقلين". وفي سبتمبر 2018، كشفت مصادر حقوقية سعودية أن عدد معتقلي الرأي بالمملكة ناهز ثلاثة آلاف معتقل، منذ سبتمبر 2017، من تخصّصات شرعية وقانونية وقضاة وإعلاميين وغيرهم. كما ذكر "معتقلي الرأي"، العام الماضي، أن "عدد معتقلي الرأي في المملكة وصل إلى 2613، أي بعد سنة من الحملة، وتعرّض عدد من معتقلي سبتمبر للتعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق ساعات من الأذرع والسحل بساحات السجن".
ويستهدف ولي العهد السعودي من هذه الاعتقالات الجائرة القضاء على النشاط الدعوي والحقوقي في البلاد بهدف تعزيز قبضته الأمنية، لفرض وتسويق رؤيته الجديدة على المجتمع والتي تقوم على الانفتاح المفرط والمخالف لتعاليم الإسلام من جهة وتقاليد المجتمع من جهة أخرى. وتعزّز المحاكمات السريّة التي أجرتها السلطات السعودية لعدد من المعتقلين، على غرار الشيخ العودة الذي طالبت النيابة العامة بقتله "تعزيراً"، الشكوك حول نيّة بن سلمان إعدام عدد من المعتقلين خلال الأشهر المقبلة، تمهيداً لتنصيب نفسه حاكماً جديداً للبلاد، وتخويفا للمعارضين للدور السعودي المتواطئ مع الكيان الصهيوني والذي يقوم بدور العراب في تمرير صفقة القرن الأمريكية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لحساب العدو الصهيوني.

حملة توعية
ومع الذكرى الثانية، أطلق حساب "معتقلي الرأي" حملة للتوعية بالقضية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا تغريدة تحمل اسم "سنتان على اعتقالات سبتمبر"، تزامناً مع مرور عامين على الحملة والملاحقات التي استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وناشطات حقوقيات.
وشملت حملة اعتقالات ولي العهد السعودي وقتها المئات من رموز تيار الصحوة الإسلامية من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحفيين وشعراء وروائيين ومفكرين. وبدأت الحملة باعتقال الداعيتين سلمان العودة وعوض القرني، لتنطلق بعدها حملة الاعتقالات المسعورة لتشمل رموزاً إسلامية بارزة؛ مثل الأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والشيخ سفر الحوالي، والدكتور علي العمري، والدكتور ناصر العمر فضلاً عن ناشطين وناشطات ليبراليين.
وكتب عبدالله نجل الشيخ سلمان العودة،: "قبيل سنتين من الآن بدأت واحدة من أسوأ فترات القمع والاعتقالات التعسفية في تاريخ البلاد". ويضيف العودة في تغريدته: "والدي اعتُقِل في مثل هذا اليوم، ولأشهر طويلة دون اتصال، عانى فيها ظروفاً صعبة بسبب سلوكيات تعذيبية: منها الحرمان من النوم والعلاج!". بينما كتب أيمن العمودي في تغريدة عبر حسابه في "تويتر": "الشيخ سلمان العودة ما أعظم أنواع الحرية؟ هو ألا تسمح لأحد أن يقتحم دواخلك دون إرادتك، قد يهيمن على جسدك ولكن تظل الروح طليقة ويظل الفكر عصياً على التركيع لغير الله".
لم تقف القائمة عند الدعاة الإسلاميين فحسب، بل شملت المفكرين والاقتصاديين الذين لم يتحدثوا بما يرضي السلطة؛ مثل عصام الزامل وعبد الله المالكي، وجميل فارسي، ومصطفى الحسن الذي أفرج عنه لاحقاً بسبب تدهور حالته الصحية وإصابته بالسرطان. ويضاف إلى الأسماء السابقة علي أبو الحسن، والمنشد الإسلامي ربيع حافظ، والروائي فواز الغسلان، والصحفيان خالد العلكمي وفهد السنيدي، ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية أحمد الصويان، والدكتور يوسف المهوس، عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة حوطة سدير.
https://www.youtube.com/watch?v=zXXe-aA9Yt0

ولا تزال السجون مشرعة
ولاتزال سجون ابن سلمان مشرعة للعلماء والدعاة إلى الله ، فقد كشف حساب معتقلي الرأي في تغريدة على تويتر يوم 10 سبتمبر الجاري، أنه تأكد من خبر اعتقال الشيخ عمر المقبل الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة القصيم، على خلفية مقطع له انتشر قبل أيام يبدي فيه رأيه بما تمارسه هيئة الترفيه. وكان الداعية المقبل قد انتقد هيئة الترفيه ونشاطاتها في السعودية، إذ قال في خطبة قبل بضعة أيام إن تلك النشاطات تسلخ المجتمع عن هويته، في إشارة إلى حفلات الغناء والرقص التي شهدتها المملكة في الفترة الأخيرة. وقال حساب معتقلي الرأي، المعني بالمعتقلين في السجون السعودية، إنه مع اعتقال عمر المقبل "نستذكر اعتقال إمام الحرم المكي صالح آل طالب، الذي اعتقل أيضا على خلفية أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر في إحدى خطبه".
https://www.youtube.com/watch?v=BBUinAT9gKo