تنتهي أمس 16 أكتوبر 2019، مدة 25 عامًا من تأجير الأردن منطقتي "الباقورة" و"الغمر" الواقعتين داخل الحدود الأردنية، للكيان الصهيوني بموجب اتفاق "وادي عربة" 1994، وسط محاولات صهيونية لتمديد التأجير ودعوات شعبية وحزبية ورسمية باستعادة هذه الأراضي ورفض تمديد التأجير.

و"الباقورة" منطقة حدودية أردنية تقع شرق نهر الأردن في محافظة إربد (شمال)، تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 6 آلاف دونم، أما "الغمر" فهي منطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة (جنوب) وتبلغ مساحتها حوالي 4 كيلومترات مربعة.

وقرر الأردن 21 أكتوبر 2018 إلغاء تمديد ملحقي منطقتي "الباقورة" و"الغمر" الأردنيتين المؤجرتين لدولة الاحتلال لمدة 25 عامًا، بموجب اتفاقية السلام.

وبالتزامن مع حلول موعد تخلي الاحتلال عن المناطق الأردنية المحتلة في منطقتي "الباقورة" و"الغمر"، بدأت صحف الاحتلال تروج لقبول الأردن تمديد استئجار الأراضي المحتلة عاما آخر، برغم النفي الأردني الرسمي.

وتتخوف المعارضة الأردنية من ضغوط صهيونية وأمريكية على المملكة تدفعها إلى التعامل مع المنطقتين المحتلين بنوع من الليونة بما يبقيهما في يد الاحتلال، أو أن ينالا مصير تيران وصنافير اللتين تنازل عنهما قائد الانقلاب للسعودية، وقال خبراء عسكريون إنه تنازل لدولة الاحتلال لا السعودية باعتبار أن الكيان الصهيوني يسيطر على المنطقة عسكريًّا بالفعل بعد انسحاب الجيش المصري.

هل هي حيلة صهيونية أم موافقة أردنية؟

بحسب ما ذكره التلفزيون الصهيوني (القناة 13) والإذاعة وصحيفة "معاريف"، هناك مفاوضات سرية وزيارات متبادلة، تُجرى حاليًّا مع الأردن بأن تمديد التأجيل ومزاعم أن الأردن قد يوافق على "حيلة" جديدة لاستمرار تأجير أراضي الباقورة والغمر.

ويبرر الصهاينة موافقة الأردن على تمديد تأجير المنطقة بدعاوى أن الانسحاب الآن معناه تدمير الموسم الزراعي للمغتصبين الصهاينة الذين يحتلون المنطقة، ولذلك يريدون التأجيل موسمًا زراعيًا آخر بين 5 و7 أشهر، قبل أن يستعيد الأردن سيادته على تلك المنطقة.

وقد نفت الخارجية الأردنية صحة ما نشرته وسائل الإعلام، وأكدت أن قرار المملكة الذي اتُخذ بتاريخ 12/10/2018 بإنهاء العمل بالملحقين الخاصين بالباقورة والغمر "نهائي وقطعي".

وقالت إنه بانتهاء النظامين الخاصين بتاريخ 10/11/2019 - حسب ما نصت عليه اتفاقية سلام وادي عربة - لن يكون هناك أي تجديد أو تمديد، وأن الجانب الصهيوني طلب التشاور وفقًا لما نصت عليه المعاهدة، حول الإنهاء ولم تكن حول التجديد، وللانتقال من المرحلة السابقة والترتيبات السابقة إلى المرحلة المقبلة.

ونصت اتفاقية "وادي عربة" على أن تؤجر المملكة الأردنية الهاشمية كلاًّ من منطقتي الغمر في جنوبي البحر الميت والباقورة الواقعة في منطقة بيسان، للكيان الصهيوني مدة 25 عامًا، على أن تمدد هذه الفترة بصورة تلقائية في حال لم يطلب الأردن إلغاءها قبل انتهاء المدة بعام.

وطلب الأردن العام الماضي (2018) - أي قبل انقضاء فترة التأجير بعام كامل - نيته عدم تمديد تأجير هاتين المنطقتين للكيان الصهيوني وماطل الكيان الصهيوني بدعاوى أن هاتين المنطقتين مصدر أرزاق المغتصبين والتخلي عنهما يضيع الموسم الزراعي.

وكتب ملك الأردن العام الماضي تغريدة على حسابه بموقع "تويتر"، أكد فيها أنه لا تمديد، وأن "قرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام".

https://twitter.com/KingAbdullahII/status/1053951170899836928

كما هدد البرلمان الأردني بإلغاء معاهدة "وادي عربة" الموقعة بين عمان وتل أبيب، أو على أقل تقدير إعادة النظر بالاتفاقية الموقعة في العام 1994، حال رفض الكيان الصهيوني تسلميهما للأردن أو تراجعت الحكومة عن استعادتهما.

هل تستخدمها المملكة كورقة تفاوضية في صفقة القرن؟

حين اقتربت مدة الإيجار من الانتهاء، أصدرت كتلة الإصلاح النیابیة - المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمین في الأردن - بیانًا، حذرت فيه الحكومة من عدم إنهاء الاتفاقية، مشیرة إلى أن الخيار الوحيد، هو استعادتها.

وعبرت كتلة الإصلاح النیابیة عن رفضها موقف الحكومة الرسمي من أراضي منطقتي الباقورة والغمر، بشأن التعامل مع القوى الشعبیة والحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني ومع الجهود النیابیة بخصوص الباقورة والغمر، "الذي یتسم بالضبابیة والغموض، والذي یعبر عن ضعف واضح في اتخاذ القرار".

وتبع هذا تقدم عدد من النواب الأردنيين بمذكرة نيابية تطالب حكومة بلادهم بعدم تجديد تأجير أراضي الباقورة والغمر الأردنيتين لـلكيان الصهيوني، وجاء في المذكرة التي أعدها 60 نائبًا: "نحن النواب الموقعين نؤكد قرار مجلس النواب إلغاء الاتفاق بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الاحتلال حول تأجير أراضي الباقورة والغمر".

قصة احتلال "الباقورة" و"الغمر" الأردنيتين

"الباقورة" هي أرض أردنية خالصة، تبلغ مساحتها ستة آلاف دونم، احتلها الكيان الصهيوني عام 1950، من دون ضجيج، إذ بقي الأردن صامتًا على ذلك الاحتلال، الذي لا تعرف تفاصيله، بلا ذكر أو مطالبة صريحة باستعادة أراضيه، حتى أفاق الأردنيون عام 1994 على أن أجزاءً من بلادهم محتلة، وأن معاهدة "وادي عربة" ستعيدها.

وهي بلدة أردنيّة حدوديّة، تقع شرق نهر الأردن، ضمن لواء الأغوار الشماليّة التابع لمحافظة إربد، تبلغ مساحتها الإجماليّة حوالي 6000 دونم، وعندما جرى تعيين الحدود بين شرق الأردن وفلسطين إبّان الانتداب البريطاني، جرى اعتبار نهر الأردن حدًّا فاصلًا بين القطرين، ونهر اليرموك فاصلاً بين الأردن وسوريا.

وأصبحت الباقورة - وفقًا لهذه الحدود - جزءًا من الأردن، إلا أن الاحتلال الصهيوني فرض سيطرته على المنطقة الواقعة على الجانب الأردني عند ملتقى نهر اليرموك ونهر الأردن غرب الباقورة عام 1950، ومنذ ذلك الوقت، احتل الكيان الصهيوني هذه البقعة، لكنها ظلت محط نزاع مع الأردن.

وفي عام 1994، اتفق الجانبان الأردني والصهيوني في معاهدة السلام المعروفة باسم "معاهدة وادي عربة” على استرداد الأردن لجزء من الباقورة بمساحة تقارب 850 دونم فقط، وبات الصهاينة يطلقون عليها اسم "نهاريم"، أي أنه بموجب معاهدة وادي عربة، أعاد الاحتلال الصهيوني إلى السيادة الأردنيّة، نصًّا وتطبيقًا، ما مساحته 850 دونمًا من الأرض المحتلة، ويقضي العقد بتأجير الصهاينة المساحة المتبقية، من دون أن تنصّ الاتفاقية على مدّة الإيجار أو البدل المالي.

أما منطقة الغمر، فتقع قرب طريق البحر الميت القديم داخل الأراضي الأردنية، بمساحة 4000 دونم (1500 دونم بحسب روايات أخرى)، وجميعها مناطق زراعية خصبة.

وعلى الرغم من أنّ مدّة الإيجار غير واردة في المعاهدة، لكنّ تصريحات المسئولين الأردنيين والصهاينة، الذين كانوا طرفًا في المفاوضات، تكشف المدّة.

فرئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي، الذي وقع المعاهدة، أكد في تصريحات صحفية متعاقبة أنّ مدة إيجار الباقورة هي 25 عامًا، وهو ما أكده أيضًا رئيس الموساد الأسبق إفرايم هاليفي، في مذكراته التي نشرها تحت عنوان "رجل في الظلال".

ويدّعي "هاليفي" - في كتابه - أنه هو الشخص الذي فاوض الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، حول مدة إيجار الباقورة، والتي كادت أن تطيح باتفاقية السلام، نتيجة إصرار الكيان على التمسّك بها، ويكشف في الكتاب نفسه، مدى تفريط الطرف الأردني بالباقورة، حين انتزع في لقاء مع الملك الراحل إيجارًا لمدة 25 عامًا، فيما يشبه مزادًا علنيًا بدأ بخمس سنوات وانتهى بما انتهى إليه.

وبهذا الصدد، يذكر "منذر حدادين"، عضو الوفد الأردني المفاوض، في مذكرات له، كيف أقنع رئيس الوزراء الصهيوني - آنذاك - إسحق رابين الملك الراحل حسين بتأجير هذه الأراضي للكيان الصهيوني، حيث عرض رابين فكرة الإيجار على الملك حسين، قائلًا: "جلالتك، لم لا تؤجرنا الأرض لبعض الوقت؟". فردّ الملك: "فكرة الإيجار ليست مطروحة على الطاولة، لكن إلى متى تريدون البقاء فيها؟"، أجاب رابين: "فلنقل 25 عامًا، تجدد برضا الطرفين"، فرد الملك "يبدو ذلك معقولًا".

وتعود بداية انتقال ملكية أرض الباقورة إلى الصهاينة، بحسب زعمهم، إلى عام 1928 حين منحت الحكومة الأردنية عام 1928 عقد امتياز على كامل المساحة إلى الصهيوني بنحاس روتنبرغ؛ لإقامة مشروع توليد كهرباء فلسطين، في مقابل حُدد حينها بثلاثة جنيهات فلسطينية لكل دونم.

وقد اشترط عقد الامتياز (المحفوظ في دائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد، شمالي الأردن، حتى الآن)، عدم تنازل صاحب الامتياز عن هذه الأرض أو بيعها لأي جهة، على أن تعود ملكيّة أيّ مساحة تزيد على حاجة المشروع إلى الحكومة الأردنيّة، وأن تعود ملكيّة الأرض للحكومة الأردنيّة حال انتقال ملكيتها لأيّ جهة أخرى.

غير أن روتنبرغ تعمّد - وهو صهيوني متحمس شارك في تأسيس عصابات "الهاغانا" - بيع الأراضي التي حصل على حقّ استغلالها ضمن عقد الامتياز إلى "الوكالة اليهوديّة" التي باعتها إلى شخصيّات صهيونية لتصبح أملاكًا خاصة بهم، وهو البيع الذي أقر به المفاوض الأردني عندما أجّر الباقورة للصهاينة، من دون أن يطالب بتطبيق عقد الامتياز الذي يحصّن الأراضي الأردنيّة من البيع.

وقد أصر الأردن رسميًّا على أنّه حقق نصرًا عندما أعاد أراضي الباقورة، حتى المؤجّرة منه للطرف الصهيوني إلى سيادته، في اتفاقية السلام الصهيونية الأردنية، لكنّ تلك السيادة تظهر مشوّهة كما ينظمها الملحق الأول، في القسم الثاني (ب) من معاهدة "وادي عربة".

إذ ينص الملحق على اعتراف الكيان بأن المنطقة تقع تحت السيادة الأردنيّة، "وفيها حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيليًّا"، كما تفرض على الأردن عدم تطبيق تشريعاته الجمركيّة أو المتعلّقة بالهجرة على مستعملي الأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين عبروا الكيان الصهيوني إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض، على الرغم من اعترافها بالسيادة الأردنية.

"السيادة المنقوصة"

كان شهر أكتوبر 2018 الموعد النهائي لإبلاغ السلطات الصهيونية بعدم رغبة الجانب الأردني في تجديد الاتفاقية حول أراضي الغمر، وتأخر الموقف الأردني الرسمي حتى أصدر الملك أمرًا بإنهاء التأجير رسميا خشية تصاعد الغضب الشعبي والنيابي.

ويزيد غضب الشارع أن هذه المناطق المؤجرة مناطق صالحة للزراعة والصناعة، في وقت يطالب فيه الأردنيون بالتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، باستعادة المنطقتين وانتهاء السطو الصهيوني على الأرض والمياه الجوفية في حوض الديسي.

ففي منطقة "الغُمُر"، استولى مغتصبون على أراض زراعية ومياه جوفية أردنية منذ عقود، بخرقهم حدود هدنة عام 1967 وعلى امتداد 128 كم من الحدود طولا، وبمساحة كلية تصل إلى 387.4 كم 2، وذلك بزعم التصدي للفدائيين الذين يستهدفون المغتصبين في وادي عربة، بينما "الباقورة" تعترف حكومة الأردن في اتفاقية وادي عربة أن بها ممتلكات صهيونية.

وسبق أن عول مراقبون على أن تستغل حكومة الأردن مسألة تمديد التأجير ضمن صفقات المكاسب والخسارة في صفقة القرن التي يجري طبخها؛ بحيث يستفيد الأردن من الصفقة مقابل تمديده تأجير الأراضي المتنازع عليها، وهو ما ظهر ضمنًا في التغاضي الأمريكي الصهيوني عن إعادة طرح فكرة الصفقة بشأن ضم حوالي 20% من أراضي الضفة الغربية إلى الأردن لتكوين دولة الأردن الكبير، وتحميل الأردن مسئولية حل مشكلة فلسطين على حساب دولته.

ولكن تصاعد التصريحات الصهيونية بضم غور الأردن ومنطقة البحر الميت أغضب الملك والشعب؛ ما دفع الجميع للإصرار علي رفض تمديد الاستئجار، ومع هذا لا يزال نواب يتخوفون من حيل صهيونية وضغوط أمريكية على الملك للتمديد ولو عاما واحدا بحجة إنهاء الوجود الصهيوني ما يفتح الباب لتجديد التمديد عامًا بعد آخر.