يقول الناس: ما أنتم أيها الإخوان المسلمون..؟! إننا لم نفهمكم بعد، فأفهِمونا أنفسكم، وضعوا لنفسكم عنوانًا نعرفكم به.. كما تُعرف الهيئات بالعناوين.. هل أنتم طريقة صوفية؟ أم أنتم جمعية خيرية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسي؟ كونوا واحدًا من هذه الأسماء والمسمَّيات لنعرفكم بأسمائكم وصفتكم.

فقولوا لهؤلاء المتسائلين:

نحن دعوةُ القرآن الحق الشاملة الجامعة.. طريقة صوفية نقية؛ لإصلاح النفوس، وتطهير الأرواح، وجمع القلوب على الله العلي الكبير.. وجمعية خيرية نافعة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتواسي المكروب، وتبر بالسائل والمحروم، وتصلح بين المتخاصمين.. ومؤسسة اجتماعية قائمة، تحارب الجهل والفقر والمرض والرذيلة في أية صورة من الصور.. وحزب سياسي نظيف، يجمع الكلمة، ويبرأُ من الغرض، ويحدد الغاية، ويحسن القيادة والتوجيه.

وقد يقولون بعد هذا كله: ما زلتم غامضين..!! فأجيبوهم: لأنه ليس في يدكم مفتاح النور الذي تبصروننا على ضوئه، نحن الإسلام أيها الناس.. فمن فهمه على وجه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه، فافهموا الإسلام أو قولوا عنا بعد ذلك ما تريدون.

الطريق من هنا

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا﴾ (الأحزاب: 39).

الأمة الإسلامية تحمل رسالة الله لعباده، وتحرس أمانته في أرضه؛ أمانة المثل العليا والأخلاق الكريمة، والأوضاع السليمة التي تقوم على العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.

وقد أخذ الله العهد والموثق على هذه الأمة التي اجتباها- وما جعل عليها في الدين من حرج، وجعلها أمة وسطًا، هي خير أمة أخرجت للناس- أن تبلغ رسالة الله لعباد الله، وألا تقصر في هذا التبليغ بحالٍ من الأحوال، وأن تحفظ هذه الأمانة القدسية، وتحميها من كل اعتداء، وأن تبذل في سبيل هذا التبليغ وهذه الحماية كل ما تملك من أنفس وأرواح ودماء وأموال، وافترض عليها الجهاد بذلك كله في سبيل الله.. متى تُعرَّض رسالة الله وأماناته التي بين يدي هذه الأمة لبغي الباغين وعدوان المعتدين.. ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ﴾ (التوبة: 111)، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (الحجرات: 15).

وحين وجَّه الله عباده المؤمنين برسالته الحافظين لحدوده هذا التوجيه الرباني الكريم القويم غشَّاهم السكينة، وألقى في قلوبهم الطمأنينة، وجلَّلهم برداء الإيمان، وثبَّتهم بهداية اليقين، فلم يرهبوا أحدًا، ولم يخافوا شيئًا، ولم يقصروا في واجب، ولم يحسبوا حسابًا لقلة أو كثرة أو عدد أو عدة، وحسبهم أنهم آمنوا أصدق الإيمان بأن الله سينصرُهم، وأنه إن نصرَهم فلا غالبَ لهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173).

في هذا الطريق سارت هذه الأمة شوطًا بعيدًا، آمنت برسالة الله وأمانته، واجتهدت في التبليغ عُذرًا أو نُذرًا، وامتشَقَت الحسامَ؛ حمايةً للعدل والرحمة والحق من أن تضيع في جلبة الظالمين وضوضاء المعتدين، وحقَّق الله لها وعده، فنصرها نصرًا مؤزرًا.

اليوم وقد ران على قلوب الناس ما كانوا يكسبون من إثم وفساد وبغي وعناد، وضلت الإنسانية كلها سواءَ السبيل، وتألبت قوى الشر على ما بقي في الأرض من بقية الخير، وتقمَّص إبليس عصابات الصهيونية الشريرة، ومن ورائها اليهودية العالمية الفاجرة، ومعها دول الكفر وأمم الاستعمار الظالمة المعتدية الباغية.. الآن علينا- نحن المسلمين- في كل أقطار الأرض أن ندرك خُطانا، وأن نعدل خط مسيرنا، وأن نبدأ الطريق التي سلكها أسلافنا من جديد، نكفُر بهذه النظم جميعًا، ونتنكَّر لهذه الأوضاع جميعًا، ونقاطع هذه الضلالات كلها، ونؤمِن بالله ربًّا قويًّا قديرًا جبارًا قهارًا، لا يُعجزه شيء؛ لأن بيده ملكوتُ كل شيء: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس: 82) .

ونؤمن برسالة الله التي بين أيدينا نظامًا اجتماعيًّا ربانيًّا، لا عِوج فيه ولا أَمْتًا، ونتجمَّع من حول هذه الرسالة من أقصى المحيط إلى أقصى المحيط، من إندونيسيا المسلمة إلى الدار البيضاء المسلمة كذلك، ونعلن الجهاد لله وللحق وللعدل وللإحسان على هذا البغي الذي عمَّ وطمَّ، وجاوز التقديرات والحدود، واكتوينا بناره وجحيمه، وسيصلى العالم كله عن قريب- ما لم تتغير الحال- لهيب جمراته وحميمه، فإن انتصرنا عشنا سعداء، وإن قضينا قضينا شهداءَ كرماء: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ (التوبة: 52)، ولابد من النصر ما دمنا صادقين: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ (الحج: 40).

يا رؤساء الدول الإسلامية..

ويا زعماء الشعوب الإسلامية..

إياكم أعني، وإليكم أوجه القول.

بين اليأس والأمل

﴿وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية 87 ).

لا أتصور مؤمنًا بالله وبالقرآن يجد اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، مهما أَظلمت أمامه الخطوب، واشتدت عليه وطأة الحوادث، ووقعت في طريقه العقبات.

إن القرآن ليضع اليأس في مرتبة الكفر، ويقرن القنوط بالضلال، قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ﴾ (الحجر: 56)، وإن القرآن ليقرِّرُه ناموسًا كونيًا لا يتبدل، ونظامًا ربانيًا لا يتغيَّر.. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

إن الأيام دولٌ بين الناس، وإن القويَّ لن يستمرَّ على قوته أبد الدهر، والضعيف لن يدوم عليه ضعفه مدى الحياة، ولكنَّها أدوار وأطوار تعترض الأمم والشعوب، كما تعترض الآحاد والأفراد.. ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140).

وإن حكمة الله في ذلك أن يبلوَ المؤمنين، ويختبر الصادقين، ويَمِيز الخبيثَ من الطيبِ؛ فيجعل الخبيثَ بعضَه على بعضٍ، فيركُمَه جميعًا، فيجعلَه في جهنَّم، ويؤجر الصادقين الثابتين نصرًا وتأييدًا في الدنيا، ومثوبةً ومغفرةً في الآخرة.. ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمد: 31) ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 142) ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حتى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214).

وأقرب ما يكون هذا النصر إذا اشتد الضيق، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر.. ﴿حتى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110).

ولم تختلف هذه القاعدة الربانية في الأمم السابقة، فكم من أمةٍ ضعيفةٍ نهضت بعد قعودٍ، وتحركت بعد خمودٍ، وكم من أمةٍ بطِرتْ معيشتَها، وكفرت بأنعُم الله، فزالت من الوجود، وأذاقها الله لباسَ الجوعِ والخوفِ بما كانوا يصنعون.

﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا* فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ (الإسراء: 4- 6)، ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 4- 6).

وإن القرآن ليمدَّ هؤلاء الصابِرينَ الآمِلين- الذين لا يجدُ اليأسُ إلى قلوبهم سبيلاً- بمعينٍ من القوة لا تفيض إلا من رحمة الله وقدرته، تتحطَّم أمامَها قوى المخلوقين، وتعجَز عن إِضعافِها والنيلِ منها محاولةُ العالَمين، وما يعلم جنود ربك إلا هو.. ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 175)، ﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: 23).

وقد لا يخطر ببال هؤلاء المؤمنين الصابرين أنهم سيصلون إلى الغاية بمثل هذا اليُسر، أو تتحقق لهم الآمال بهذه السهولة، ولكن الله العليَ يُدني منهم ما بعُد، ويهوِّن عليهم ما صعُب، ويوافيهم بالنصر من حيث لا يحتسبون.. ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ* وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾ (الحشر: 2- 3)، ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ (الأحزاب: 25- 26).

فيا أيها المؤمنون بهذا الكتاب الكريم:

أيليقُ بكم أن يقول قائل: ماذا نصنع ونحن ضعاف وخصومنا أقوياء؟!

أوَيَجمل بأحد منكم أن يتخلَّف وفي صدره هذا الأمل الواسع، ومن ورائه هذا التأييد الشامل عن وصف الجهاد؟! اللهم لا.

من دستورنا

إن (الإخوان المسلمين) يرون الناس بالنسبة إليهم قسمين:

قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين الله وكتابه، وآمن ببعثة رسوله وما جاء به، وهؤلاء تربطنا بهم أقدس الروابط؛ رابطة العقيدة، وهي عندنا أقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض، فهؤلاء هم قومنا الأقربون، الذين نحن إليهم، ونعمل في سبيلهم، ونذود عن حماهم، ونفتديهم بالنفس والمال في أي أرض كانوا، ومن أية سلالة انحدروا.

وقوم ليسوا كذلك، لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط، فهؤلاء نسالِمهم ما سالَمونا، ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانَهم عنا، ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطةً، هي رابطة الدعوة.. علينا أن ندعوَهم إلى ما نحن عليه؛ لأنه خير للإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدَّد لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عدوان المعتدين..

أما إذا أردت ذلك من كتاب الله:

1- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية10).

2- ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ﴾ (الممتحنة: 8- 9).

وحدة..

والأمة الإسلامية أمة واحدة؛ لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان، لا يتم إلا بها، ولا يتحقق إلا بوجودها، ولا يمنع ذلك حرية الرأي وبذل النصح من الصغير والكبير، وللصغير والكبير كذلك؛ وهو المعبَّر عنه في عُرف الإسلام ببذل النصحية، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم"، وقال: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم.. فقد تودّع منها!!"، وفي رواية: "وبطن الأرض خيرٌ لهم من ظاهرها"، وقال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله".