القرضاوي: دعوة البنا كانت فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع
محمد قطب: الإخوان المسلمون فتح رباني واستجابة صحيحة للأحداث العالمية
محمد عمارة: "الإخوان" عدسة مجمعة لما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي وما تبدد من محاولات الإصلاح
طارق البشري: ظهور الإخوان نوع من الاستمرار التاريخي والصراع ضد الاستعمار
لم تكن دعوة "الإخوان المسلمين" منذ ظهورها إلا فريضة أوجبها الدين وضرورة حتمها الواقع، وفتحًا ربانيًا، واستجابةً صحيحةً للأحداث العالمية، كما مثلت ريادة الأمام الشيهد "حسن البنا" لهذا الإحياء الإسلامي الحلقة المعاصرة في سلسلة الإحياء الإسلامي الحديث.
هذا ما يؤكده المؤرخون لسيرة جماعة "الإخوان المسلمين"، مشددين على أن الجماعة لم تنشأ من فراغ، ولم تكن تعبيرًا عن انقطاع في مسيرة الأمة بقدر ما كانت تواصلاً، واتصالاً؛ مصداقًا لحديث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
ويضيف المؤرخون: إن دعوة الإخوان تُعتبر العدسة المجمعة لما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي، ولكل ما تبدد من محاولات الإصلاح في مسيرة الأمة على مدى عقود، مشددين على أن ولادة جماعة الإخوان جاءت طبيعية لا عُسر فيها ولا ابتسار، إذ خرجت من بين فرث الاحتلال الأجنبي، ودم الاستبداد.
ويشددون على أن عظمة الفكرة الإخوانية هي في كونها استمرارًا، وتواصلاً لتيار الفكر الإسلامي التجديدي على مدى التاريخ، وأنها استمرار لمسيرة أمة هدها الجمود، وفت في عضدها الركون لما تركه الأقدمون.
والأمر هكذا، فهذه سطور نقلبها سويًا من تاريخ هذه الجماعة العظيمة، وذلك عبر التناول التالي:
• أولاً: في منهج التأريخ لجماعة الإخوان المسلمين.
• ثانيًا: الظروف الثقافية والفكرية.
• ثالثًا: الظروف الاجتماعية.
• رابعًا: الظروف السياسية.
• خامسًا: الظروف الاقتصادية.
• مقدمة:
كان واقع الحال في مصر، وفيما حولها من الوطن العربي، والإسلامي ينادي بوجوب دعوة جديدة سماها الإمام الشهيد "حسن البنا" في "رسالة بين الأمس واليوم: دعوة البعث والإنقاذ" (حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد، رسالة بين الأمس واليوم، الإسكندرية: دار الدعوة، 1990م، ص 159)، وكما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي": " كانت دعوة الإمام "حسن البنا" فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع (د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، القاهرة: مكتبة وهبة، 1999، ص 18)
الدكتور "محمود أبو السعود": أيديولوجية الإخوان المسلمين واقع المجتمع المصري قبل ظهور الإخوان فيقول:
1- وطن باهت اقتطع من أصله بعد أن قطع الحلفاء المنتصرون أوصال الخلافة العثمانية، وبعد أن أطاح "أتاتورك" بالخلافة، وأعلن العلمانية، حينئذ طبق الإنجليز معاهدة سايكس- بيكو السرية التي عقدت في موسكو عام 1915م، وأصبحت مصر داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووجدت نفسها منعزلة عن دول العالم الإسلامي، وفي عنقها قيد ثقيل من الاستعمار الذي شجع النعرة الوطنية.
2- شعب مؤمن بالله .. ثم بالإسلام: عقيدة راسخة، لكنه جاهل، الأغلبية الساحقة فيه لا تقرأ، ولا تكتب.
3- مستعمر قوي لئيم ذو دهاء، ومكر شديد، درس أحوال البلاد عن كثب، ومكن لنفسه على أيدي بعض الحكام، كون منهم طبقة من (المستوزرين) ومهد لتطامن الحكم غيلة عن طريقين:
الأول: الاستعمار الفكري حيث عمل على تنحية الشريعة الإسلامية من قانون القضاء، وحصرها في الأحوال الشخصية، وفصل المدارس المدنية عن المدارس الدينية.
الثاني: الاستعمار المادي حيث وجه اقتصاد البلاد إلى إنتاج المادة الخام التي تنتجها الأرض الزراعية.
4- نظام حكم ظالم حيث فُرض ملك على شعبه، وصيغ دستور يحد من سلطة الحكومة المصرية، وسيادتها، ويعامل الأجنبي بقانون يختلف عن القانون الذي يسري على المواطنين.
5- طبقة حاكمة استصفاها الملك، ورضي عنها المستعمر، غالبيتها من سلالة ألبانية أو تركية، ورثت عن آبائها، وأجدادها القريبين مساحات واسعة من الأرض الزراعية التي أممتها الدولة في عهد "محمد على" الكبير، ووزعها "إسماعيل" على أقربائه وأصفيائه.( د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، 1999، ص 21)
في هذا الجو الغائم ولدت دعوة الإخوان المسلمين أحوج ما تكون مصر – والوطن العربي، والإسلامي الكبير– إليها؛ لتكون دعوة البعث والإنقاذ، كما عبر عنها الإمام "حسن البنا" مؤسس الجماعة.
ويشير "محمد شوقي زكي" إلى ما يسميه "تضاريس الحقل"، وهي البيئة التي نشأت فيها جماعة الإخوان المسلمين، فيقول: كان ظهور الجماعة في وقت كان الاستعمار البريطاني يجثم على صدر مصر، وكانت الأحزاب في وادٍ، والشعب في واد آخر. أما القصر فكان دائمًا يسير حسب أهواء المندوب السامي البريطاني.( محمد شوقي زكي، الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، القاهرة: دار الأنصار، ط2، و ص1980، ص من مقدمة الناشر).
وفي هذه الدراسة نحاول أن نرصد الظروف الثقافية، والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي أدت إلى نشأة الإخوان المسلمين، محاولين إثبات أنها خرجت من رحم كل تلك الظروف، فولدت ولادة طبيعية لا عسر فيها ولا ابتسار، فخرجت من بين فرث الاحتلال الأجنبي، ودم الاستبداد السياسي لبنًا سائغًا للعاملين لدين الله، والرافعين رايته.
• أولاً: في منهج التأريخ لجماعة الإخوان المسلمين:
لم تكن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين حدثًا مفارقًا لطبيعة تلك المرحلة من مراحل التاريخ المصري في العصر الحديث.
كما أنها لم تكن حدثًا مباينًا للظروف السياسية، والثقافية والاجتماعية التي مَرَّ بها المجتمع المصري في تلك الفترة، بل كانت هذه النشأة على موعد مع القدر الإلهي الذي أنشأها على عينه، فإن الله إذا أراد شيئًا، هيأ له الأسباب، فكانت دعوة في أوانها كما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي" ( د . يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، ص 12)
وكما يرى المستشار "طارق البشري" في كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945م- 1952م" فإن ظهور الحركة الإسلامية أواخر العشرينيات هو نوع من الاستمرارية التاريخية، وأن هذه الفترة – ما قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين- هي فترة توجه إسلامي عام، وإن صراع الإخوان ضد التغريب، وضد الوافد عمومًا هو جزء من الصراع الحضاري الذي يتضمن في جوهره الصراع ضد الاستعمار.
ومن أجل الاستقلال والتحرر، يقول المستشار "طارق البشري": "إننا اليوم أكثر قدرةً على إدراك مدى التدمير الذي يلحقه تدفق موجات التغريب على هويتنا، وشعورنا الجماعي، وروح الانتماء فينا؛ مما من شأنه أن يسند قضية الاستقلال والتحرر بأعظم الخلل". ( طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945- 1952،، القاهرة: دار الشروق، ص 41 -42)
ولقد ظل الاتجاه الإسلامي يسود مسرح الحياة الفكرية، والسياسية في مصر، وبلا منازع منذ الفتح الإسلامي؛ حتى مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث خلفت وراءها بذور الفكر القومي الذي أخذ صورة قومية نافست الاتجاه الإسلامي.
وفي مجال التأريخ للحركة السياسية المصرية في أوائل القرن العشرين يخطئ كل من التيارين العلماني والإسلامي في البحث عن تفسير لظهور الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، فالجديد والطارئ هو الذي يبحث في وجوده، أو حضوره عن تفسير، أو تبرير.
أما الأصيل، والموروث، فوجوده هو الشيء العادي الذي لا يستغرب، وغيابه وانقطاعه هو الأمر الذي يبحث له عن تفسير أو تعليل.
يُخطئ كثير من رموز التيار العلماني في كتابتهم للتاريخ السياسي المصري أوائل القرن العشرين عندما يبحثون عن أسباب تفسر ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وربما كان هذا الخطأ مرده سيادة نوع من التحيز تجاه المختلف في التوجه الفكري والسياسي؛ حتى إن كثيرًا منهم يرى ظهور الجماعة مجرد رد فعل لغلبة تيار التغريب.
ويُخطئ التيار الإسلامي حينما يود أن يضفي على نشأة جماعة الإخوان هالة أسطورية تخصم من رصيدها، ولا تضيف، فعظمة الفكرة الإخوانية هي في كونها استمرار، وتواصل لتيار الفكر الإسلامي التجديدي على مدى التاريخ الإسلامي، فهي استمرار لمسيرة أمة هدها الجمود، وإغلاق باب الاجتهاد وفت في عضدها الركون لما تركه الأقدمون.
ويظن كثير ممن تصدوا للكتابة التاريخية عن تلك الفترة, أو ما يمكن تسميته إرهاصات نشأة الإخوان المسلمين- خاصةً من بعض دعاة الإخوان ورموزهم– أنه كلما كانت نشأة جماعة الإخوان المسلمين نشأة مفارقة، أو مباينة للظروف الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كلما أضفت على التاريخ الإخواني هالة من القداسة، أو ظلال نزعة أسطورية.
وهذا المنهج في التأريخ لحركة بحجم الإخوان المسلمين، ربما قد يفيد في الحشد والتعبئة، وجمع الأنصار على الفكرة العامة، غير أنه لا يُفيد في إثارة وعي الأفراد، وشحذ هممهم بما يبقى، لا بما تخفت حدته مع مرور الوقت، وهذا التدافع بين منهجي العقل، والعاطفة، ففي المنهج الثاني تستطيع العاطفة إشعال جذوة الحماسة، خاصةً في الشباب، إلا أنه لا يمكن استمرار تلك الجذوة مشتعلة إلا بنور الفكر، وأشعة إعمال العقل، وهكذا دائمًا تملك نظرات العقول القدرة على إلجام نزوات العواطف.
ولعل هذا المعلم في التأريخ للحركة الإسلامية- وعلى رأسها الإخوان المسلمين- من أهم معالم تأريخ الحركة السياسية في مصر منذ مجيء الحملة الفرنسية ( 1798م- 1801م)، فلا بد من تحديد أي الأفكار الأصيل الذي لا يحتاج وجوده إلى تبرير، أو تفسير، وأي الأفكار طارئ لابد من معرفة أسباب ظهوره أو كيفيات بزوغه.
والذي يقرره الباحث بيقين أن الحركة الإسلامية – وعلى رأسها الإخوان المسلمين – لم تظهر أبدًا كرد فعل على سيادة التيار العلماني، كما يؤرخ كثير من العلمانيين عمدًا، وعن سوء قصد بدافع من التحيز الفكري، أو كما يكتب كثير من الإسلاميين خطأ، وعن حسن نية بدافع من إضفاء هالات أسطورية تخصم من رصيد حركة بحجم الإخوان المسلمين، ولا تضيف؟
إن جماعة الإخوان المسلمين لم تنشأ في مصر من فراغ، ولم تكن تعبيرًا عن انقطاع في مسيرة الأمة الإسلامية، بقدر ما كانت تواصلاً، واتصالاً؛ مصداقًا لحديث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
ومن ثم فدعوة الإخوان هي العدسة المجمعة لكل ما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي، ولكل ما تبدد من محاولات الإصلاح في مسيرة الأمة على مدى العقود التي سبقت ظهورها بلورة لكل ما سبقها من جهود في الإصلاح، والدفاع عن الذات الحضارية "ذاتية الأمة وهويتها".
وكانت الفترة التي سبقت ظهور جماعة الإخوان المسلمين تحمل من الإرهاصات الشيء الكثير؛ أن مسيرة الإصلاح في الأمة حان وقت قطافها بوجود جماعة تحمل السلام، وتحوطه من جميع جوانبه، نعم كانت حالة الأمة قد وصلت درجة من السوء والانحطاط لم تعهدها من قبل، وربما ذكرتها بأوقات هجمة التتار على العالم الإسلامي، وسقوط بغداد تحت سنابك خيل التتار لكن مشاعل الهدى في الأمة لم تسقط بل ظلت، وإن خفتت حدتها فهذه الأمة تمرض ولا تموت، بل ربما تشيخ لكن تملك داخلها عناصر بعث الحيوية، وتظل قوافل المجددين تترى على مسيرة الأمة، فتحيي ما اندرس من معالم النبوة، وتجدد ما بلي من أركان الإسلام، مصداقًا لحديث الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها".
وقد يكون هذا التجديد بأن يظهر عالم مجدد يجمع الأمة حوله ويحيي في نفوسها معالم الإيمان، وقد يكون التجديد على شكل مدرسة فكرية، وتربوية تُعيد معالم النهضة في أمة الإسلام.
المعلم الثاني: من أهم معالم التأريخ للحركة الإسلامية- وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين- والتأريخ للحركة السياسية في مصر منذ مجيء الحملة الفرنسية (1798م- 1801م) هو أن جماعة الإخوان المسلمين إنما هي امتداد لعدة تيارات إسلامية، ووطنية سبقتها، فكانت قمة بلورة هذه التيارات في جماعة الإخوان، على صعيد الفكر، أو على صعيد الحركة، أو على صعيد التنظيم، أما أهم هذه التيارات فهي:
الأول: تيار الجامعة الإسلامية.
الثاني: تيار الحزب الوطني كما عبر عنه "مصطفى كامل"، و"محمد فريد" و"عبد العزيز جاويش".
الثالث: التيار التجديدي كما عبر عنه "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" و"رشيد رضا"، وبعض شيوخ الأزهر.
لقد حملت دعوة الإخوان المسلمين في طياتها حصيلة الإرهاصات المتناثرة في كل هذه التيارات السابقة، ثم لم تعد هذه الإرهاصات جزءًا من هذه التيارات الفكرية، بقدر ما جرى انتزاعها من هذه الحركات جميعًا، وإعادة تكيفها بمنهج آخر ثم صبها في بوتقة الفكرة الإسلامية الجامعة لكل ما عداها من أفكار الإصلاح، والمانعة لكل دخن الأفكار، والتصورات المشوبة بلحظتها التاريخية ولم تملك مفارقتها.
بل إن الأستاذ "محمد قطب" يتكلم عن جماعة الإخوان المسلمين فيقول: "كانت هذه الإشراقة في قلب "حسن البنا" فتحًا ربانيًا، وكانت في الوقت ذاته هي الاستجابة الصحيحة للأحداث القائمة في العالم الإسلامي، وفي مصر منذ أكثر من قرن من الزمان". (- محمد قطب، واقعنا المعاصر، جدة: مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر، 1986ص 405) على أن جذور هذه العوامل ترجع إلى فترات سابقة اصطدم فيها أصحاب الفكر الإسلامي بالتيارات الفكرية الوافدة والمضادة.
وعندما يتكلم الدكتور "محمد عمارة" عن مشروع النهضة الذي قدمه الإمام الشهيد "حسن البنا" يقول: إن أبوة، وإمامة، وريادة "حسن البنا" لهذا الإحياء الإسلامي المعاصر إنما تمثل الحلقة المعاصرة في سلسلة الإحياء الإسلامي الحديث، إنها مرحلة متميزة في "الكم" و "الكيف" ولكنها امتداد متطور لمرحلة "النشأة" و"التبلور" التي تمثلت في " الجامعة الإسلامية التي ارتاد ميدانها، ورفع أعلامها "جمال الدين الأفغاني" ( 1254-1314 هـ= 1838-1897م ) والتي كان الإمام "محمد عبده" ( 1266 - 1323 هـ = 1849- 1905م ) مهندس تجديدها الفكري، كما مثل الشيخ "محمد رشيد رضا" ( 1282- 1354هـ = 1865-1935م) الامتداد الذي أسلم أمانتها إلى "حسن البنا" الذي انتقل بها إلى هذا "الكيف" المعاصر الذي تعيش فيه. (- د. محمد عمارة، خمسون عامًا على استشهاد حسن البنا، مشروع إسلامي للنهضة الحضارية، المجتمع (الكويت) العدد، 1337، 23شوال 1419هـ، 9 فبراير 1999، ص 22).
لقد نشأ الإمام الشهيد "حسن البنا" في وقت ضعف فيه التيار الإصلاحي، فدرس عوامل ضعفه، واستفاد من نواحي قوته، فأخذ أسلوب "جمال الدين الأفغاني" في العمل السياسي، ومن أسلوب "محمد عبده" في الاهتمام بالتربية.
وحملت دعوة الإخوان المسلمين جل أفكار التيار الإصلاحي، ونفس غايته؛ ومن ثم فالجماعة امتداد لهذا التيار، أو كما يقول المستشار "طارق البشري": والحق أن جماعة الإخوان هي امتداد لتيار الفكر الموروث. (- طارق البشري، الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 – 1970 بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية 1987، ص 34) وهذه الفكرة نفسها – الإخوان امتداد لحركات الإصلاح الإسلامي– يرددها "ريتشارد هرير دكجميان" في كتابه: "الأصولية في العالم العربي" – مع ملاحظة أن كامل مشروع "دكمجيان" بناه على فكرة الدورات الحضارية التي تتمثل فترات إغفاء ثم انبعاث. (- ريتشارد هرير دكمجيان، الأصولية في العالم العربي، ترجمة وتعليق عبد الوارث سعيد، المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر ط 2 1989، ص 28)
يقول "ريتشارد دكمجيان": وفي منتصف الثلاثينيات حلت محل حركة "رشيد رضا" المعتدلة حركة الإخوان المسلمين الأصولية(الراديكالية) –( يتحفظ الباحث على استخدام كل من مصطلحات المعتدلة والأصولية والراديكالية إذ إن لها دلالات في لغة المؤلف لا يمكن قبولها على الأرضية الإسلامية ") بقيادة "حسن البنا"، وفي هذه الفترة التي شهدت الأزمات الحادة الناتجة عن الاضطراب السياسي، وعجز القيادة، والصراع الاقتصادي والاجتماعي، والاستعمار الأوربي بدا البحث عن بديل إسلامي نضالي أمرًا لا مفر منه. (ريتشارد هرير دكمجيان، الأصولية في العالم العربي، مرجع سابق، ص 42").
المعلم الثالث: من معالم التأريخ للحركة السياسية في مصر أوائل القرن العشرين، والتأريخ لجماعة الإخوان المسلمين أن شكل الجماعة التي أسسها الإمام "حسن البنا" من حيث الفكر، وقواعد التنظيم، وأصول الحركة هي أفضل استجابة لظروف المرحلة الثقافية، والاجتماعية والسياسية التي واكبت نشأة الإخوان، وأفضل استجابةً للتحديات التي فرضتها كل تلك الظروف مجتمعة.
ففي بحثه القيم عن: الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، وبعد أن يرصد الأستاذ المستشار "طارق البشري" ظروف العالم الإسلامي، والمجتمع المصري في تلك الفترة – قبل ظهور جماعة الإخوان - يقول: " في هذه الظروف، واستجابة لها ظهر الشيخ "حسن البنا" بحركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م، لقد سبقت جمعية الشبان المسلمين (1927م) ظهور الإخوان، وقام عديد من رجالات الدعوة الإسلامية بدورهم من قبل، ولكن "حسن البنا" وجماعته كانا هما: الاستجابة الأكثر وضوحًا، والأكثر تبلورًا لمتطلبات الحركة الإسلامية في ذلك الوقت (طارق البشري، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، في: د. عبد الله النفيسي ( تحرير وتقديم ) الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1989، ص 167)
لقد تسلم الأستاذ الإمام "حسن البنا" راية التجديد ممن سبقه من مصلحين، ودعاة وأضاف إلى معالم حركة الإصلاح ما ميز دعوة الإخوان عن بقية دعوات الإصلاح، إلا أنها كانت " اللبنة" التي أكمل الله بها صرح الفكر، والعمل الإسلامي، يقول: المستشار "طارق البشري": لقد أرسى الأفغاني فكرة الإسلام المجاهد، وأضاف "محمد عبده" فكرة التجديد في الفقه، والتفسير، وتابع: "محمد رشيد رضا" الربط بين التجديد والسلفية والتفاعل مع السياسات الوطنية، وأضاف "حسن البنا" شمولية الإسلام والترابط الوثيق بين العقيدة والشريعة والسياسة، وبين الفكر والتنظيم الحركي، ومزج بين فكريات فقه الأزهر، ووجدانيات الصوفية، ووطنيات الحزب الوطني.
طارق البشري، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، مرجع سابق، ص 168)
ويقول الدكتور "يوسف القرضاوي": كان الناس في حاجة إلى دعوة تجدد العقول بالمعرفة الواعية، وتجدد القلوب بالإيمان الدافق، وتجدد الحياة بالالتزام الصادق، وتقف بالمرصاد للأفكار الهدامة، والدعوات المنحرفة، والهيئات المضللة التي تغزو العقول بالشبهات، وتغزو النفوس بالشهوات. - (د . يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق، ص 11).