(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35).. (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَأمِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران: 195).. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَأمَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1).

تلك آيات الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، تفاجئ الإنسانية بهذه الحقيقة التي غابت عنها طويلا؛ حقيقة إنصاف المرأة المظلومة، وتقرير المساواة بينها وبين شقيقها الرجل، وتحديد الوظائف الاجتماعية لكل من الشقيقين في المجتمع في ظل هذه المساواة، وفي حدود الفطرة التي فطر الله عليها كلا منهما، والتكوين الطبيعي لكل منهما كذلك، من غير أن يكون في ذلك انتقاص لحق، أو طغيان من جانب على جانب، وتقع هذه المفاجأة في وقت كانت النظرة الشاملة فيه إلى المرأة حتى من أعاظم الفلاسفة وأكابر الحكماء وأئمة المصلحين أنها مخلوق دون الرجل، حتى قال بعضهم: "إنها كائن لا روح له".

تسود هذه الفكرة أذهان الناس ومجتمعاتهم، ويكون لها أثرها العملى في كل أقطار الأرض وأجناسها من عرب أو عجم؛ فيجىء النبى الأمى بكتابه الكريم؛ ليقول للناس جميعًا: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195]، (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء: 1]، "والنساء شقائق الرجال" مسند الإمام أحمد، ويقرر للمرأة الأهلية الكاملة في تصرفاتها متى بلغت الرشد؛ فليس لأحد أن يجبرها على ما تكره، ولا أن يكرهها على ما لا تريد، ولا أن يتصرف بغير إذنها فيما تملك، ولا أن يمنعها هذا التصرف إن أرادته، ويضفى عليها من معانى الرعاية والتكريم في كل أدوار حياتها ما هي جديرة به مستحقة له.

فهي في دور البنوة موضع الحنو والعناية، وفي دور الزوجية مستقر العطف والمحبة، وفي دور الأمومة معنى التبجيل والتعظيم والطاعة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتى؟، قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أبوك، قال: ثم مَن؟ قال: الأقرب فالأقرب".

ويقول الذين لا يعلمون: إنه ضيَّق عليها الخناق، ومنعها الاختلاط، وحبسها في المقاصير، وضرب عليها الحجاب، وحرم عليها التبرج، وفي ذلك عنتٌ ما بعده عنت، وإرهاق ليس وراءه إرهاق، ويقول الراسخون في العلم: على رسلكم أيها المغالون، وماذا جنت المرأة من الاختلاط بالأجانب، والتسكع في الشوارع، والغلو في الزينة، والإسراف في التبرج إلا الكساد والبوار والعار؟ وهل من الخير أن تغيروا خلق الله وهو على ذلك جبلها، مكانها البيت، ومملكتها الأسرة، ورعيتها البنون والبنات ووظيفتها الأمومة "والجنة تحت أقدام الأمهات".

ويقولون: قد ظلمها فأعطاها نصف الرجل في الميراث، وجعل (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء: 11]، وجعل شهادتها نصف شهادة، ولا تتم الشهادة كاملة إلا باثنتين؛ فأين هذا من العدل والإنصاف، واعتبار النساء شقائق الرجال؟

ويقول المنصفون البرآء من الهوى والغاية: لو جاء القرآن بغير هذا لتعدى وظلم؛ فإن المرأة في كفالة رجل كائنة ما كانت، والرجل مطالب بالإنفاق على الزوجة والبنات والأخوات كائنًا من كان؛ فهو في حاجة إلى هذه الزيادة، وليست هي في حاجة حتى إلى هذا النصف، ولكنه حق القرابة يرعاه الإسلام.

ومن حيث الشهادة فإن المرأة في رقة عاطفتها ورقة شعورها وحسها، وسرعة تأثرها بما تسمع وترى غير بعيد أن تتصور الأمور على غير وجهها في غمرة التأثر وفيض الشعور والوجدان، والقرآن حريص على الحق أن يظل حقًا لا تغيره شهادة الشاهدين، ولا ينال منه خطأ المتأثرين؛ فضم إلى الواحدة ثانية؛ أن تضل إحداهما أى شيء نفسى بفعل التأثر السريع، فتذكر إحداهما الأخرى؛ فماذا في هذا من التجنى والانتقاص ومخالفة العدالة والإنصاف؟

ويقولون: ولم لا تسمحون للمرأة بمزاولة شئون الحياة العامة من وظائف وزراعة وتجارة وصناعة وأعمال مختلفة؟ ولم لا تسمحون لها كذلك بمزاولة حقوقها السياسية كما يزاولها الرجال؛ لتكون ناخبة ومنتخبة، وعضوًا في الشيوخ أو النواب؟

ونقول لهؤلاء: كفى مرحًا يا قوم والحياة جادة بكم، وفروا هذا أولاً للرجال الذين أضر بهم التعطل والكساد، وأساءوا استخدام حقوقهم؛ فأضروا بأنفسهم وبغيرهم، ثم فكروا بعد ذلك في النساء، وسترون أن الخير كل الخير في أن تعدلوا عن هذا الكلام، وتأخذوا في حزم وحماسة بأحكام الإسلام، وكلها الخير والطمأنينة والسعادة والسلام.

أيها المسلمون الصائمون القائمون والأخوات المسلمات الصائمات القائمات.. لا تخدعنكم الدعوات الطائشة عن لب الحق في صميم قرآنكم الكريم، وإرشاد نبيكم العظيم صلى الله عليه وسلم في قضية المرأة، وهي قضية المجتمع الأولى صلاحه أو فساده، ولكن عليكم بما جاء به الكتاب، واقرءوا سورة النور وما اشتملت عليه الأحزاب، وفي ذلك فصل الخطاب (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ) (الأحزاب: 4).
-----------
المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الأولى – العدد 83 – 11 رمضان 1365هـ / 8 أغسطس 1946م