في يوم العيد يظهر المسلمون الفرح والسرور، ويتمتعون بالمباحات والطيبات، ويتبادلون التهاني والزيارات، ويشكرون الله تعالى على نعمه الكثيرة، وعلى أداء الشعائر العظام من صيام وقيام وحج، وطواف، وذبح الهدي والأضاحي، والتكبير والصلاة، وشكر على نعمة الصيام.
 
وقد شهد ميدان رابعة الصمود نموذجا راقيا لكل ذلك فقد كان الميدان يمتلئ بالصائمين والقائمين والركع السجود، فترى هذا تاليا للقرآن، وهذه باكية من خشية الرحمن، وٱخر يجوب ليرطب وجه الصائمين، وثالث قائم على تجهيز الخيام، وأخريات يغنين فرحا بقرب العيد فقمن بتجهيز الكعك والبسكويت.
 
وانشق فجر يوم العيد، وأعلنت التكبيرات، وزحف الناس من كل حدب وصوب، واصطف الجميع خلف الإمام حتى ضاق المكان، فكانت جماعات متتالية، وبعد أن ختم الإمام خرج الجميع سعداء يهنئ كل من يقابله يعرفه أو لا يعرفه، قابله من قبل أم لم يقابله، فالجو لم يشهده من قبل، فلا انتهاك للحرمات، ولا خوف ولا قلق, القلوب ترفرف في معية الله، والوجوه الطيبة تبتسم لكل من تقابله، وانطلاقات المسرات بالأغاني والبهجة، حتى إنك إذا سألت أحدا عن شعوره، قال: لم أشاهد بعيني مثل هذا من قبل.
 
إنه يوم عيد في الميدان، لم يرغب الكثيرون في مغادرة هذا اليوم، وحزن من لم يحضره في الميدان، ووقت أن كان البعض يزحف في المنازل إلى الراحة كان الميدان يزدهر بوجوه الأطفال السعداء، والآباء والأمهات اللاتي حرصن على قضاء هذا اليوم في جو الميدان.
 
إنه يوم العيد، والذي كان يخبئ خلفه يوم عيد إخر لارتقاء الشهداء.
 
* الإخوان والعيد
 
ويحرص الإخوان على إدخال السرور على الفقراء يوم العيد، فيسعون لشراء الملابس الجديدة لأطفالهم، وتوفير المأكل والمشرب لهم.
 
ومن ضمن هذه الجوانب الجانب الخدمي الذي قدَّمه الإخوان للمجتمع وفقرائه؛ انطلاقًا من دعوتهم التي تدعو إلى التعارف والتكامل والتكافل بين أفراد المجتمع؛ حتى لا يبيت أحد شبعان وجاره جائع لا يجد ما يسد حاجته، ولذلك كانوا حريصين على إدخال السرور على الفقراء بقدر المستطاع، فكان الأخ يقتطع من قوته وقوت أبنائه ليطعم الفقراء أو يكسوهم، وخاصة في الأعياد التي كان ينظر الفقير فيها للغني؛ فلا يفرح بالعيد، فعمل الإخوان بوسائل عدة على إدخال السرور عليهم، سواء كان بإطعامهم أم كسوتهم أم تنظيم رحلات ترفيهية.
 
ففي عيد الأضحى كان الإخوان يقومون بجمع الأضاحي وتوزيعها على الفقراء الموجودين في بلادهم، خاصة أن البلاد كانت واقعة تحت الاحتلال، وكان معظمها من الفقراء.
 
ففي "أسوان" قام الإخوان بمشروع لسد حاجات الفقراء، حتى بلغ جملة ما أنفقوه في هذا المشروع نهاية عام 1941م حوالي 71 جنيهًا، كما قامت "شعبة المنيا" بإطعام مائتين من فقراء المدينة.
 
وبالرغم من تعرض الإخوان للضربات والمحن فإنهم عادوا في السبعينيات ليكونوا أول من أقاموا صلاة العيد في الخلاء؛ حيث انطلق العمل الطلابي في كل مكان يعيد مظاهر الحياة الإسلامية مرة أخرى، فانتشرت صلاة العيد في الخلاء، كما انتشرت الدروس الدينية، وعاد الحجاب مرة أخرى، وصارت بعد ذلك سنة مألوفة لدى الجميع يحرصون عليها، في المساجد الكبرى كمسجد مصطفى محمود والشيخ الغزالي ومسجد عمرو بن العاص، والدكتور القرضاوي حيث حرص الطلاب على إقامة خطبة العيد.
 
* المحن لا تمنع الفرحة
 
رغم السجون والمحن التي مر بها الإخوان فإنهم حرصوا على أن تظهر شعائر دينهم الإسلامي حتى ولو تحت السياط، يقول الدكتور محمود عزت: كنت في سجن "طره" عنبر الإيراد الذي كان مغلقًا علينا، وأنيسنا فيه العسل والخبز والأرز واليمك (الخضار الطري)، فإذا جاء العيد كنا نقوم بعمل تورتة، ونقدمها هدية للزنازين، وكنا نصنع التورتة من الأرز والعسل والخبز المحروق، فكنا نكبس الأرز في الطبق، ثم نقلبه على طبق آخر، ونزينه بالعسل، ثم نكتب عليه بالخبز المحروق "تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير"، وهو ابتكار أدخل الفرحة على الإخوان في يوم العيد، وكان طعمها جميلاً، بفضل العاطفة المصاحبة لهذا العمل.
 
    أما المرحلة الثالثة؛ عندما سمحوا لنا بالزيارات آخر الحبسة، وفي هذه المرحلة كان اهتمامنا الأكبر بالإخوة المتزوجين؛ حيث كنا نعد الهدايا لأولادهم وأسرهم، وندخل الفرحة عليهم يوم العيد الذي يقضون جزءًا منه معنا، وفي بعض الأوقات كانت إدارة السجن تسمح لنا بدخول الورش، فكنا نعمل فيها الفوانيس وحامل المصحف لنقدمه للأسر وقت الزيارة يوم العيد.
 
  وليس ذلك فحسب فكنا نأتي بالمناديل، ونرسم عليها، وكان فارس الحلبة في هذا المجال الأخ الكريم علي نويتو، فكان يرسم لنا تحفًا لا يزال بعضها موجودة لدى الإخوان.
 
    وقبل الخروج بوقت بسيط سمحوا لنا أن نجلس مع الأهالي ونسلم عليهم، فكنا نعد لهم بعض الأناشيد والمسرحيات الطريفة، وبعد دخولنا الزنازين كنا نكمل برنامجنا الترفيهي من أناشيد ومسرحيات، وكان الدكتور محمد بديع منشد السجن يتحفنا ببعض بين الحين والآخر، بالإضافة للأخ سعد سرور عليه رحمة الله.
 
ويذكر الأستاذ أحمد أبو شادي: ومن القصائد التي ألقيت في ذلك اليوم قصيدة من شعر المحنة للأخ الكريم الأستاذ عبد العزيز جمعة من إخوان شبين الكوم جاء فيها:
 
صباح العيد يا قوم          صباح الأجر والمغنم 
 
طريق الحق محفوف       بأشواك كما نعلم 
 
وكل الناس ذو حس        وذو قلب به يرحم 
 
 فإن أحزن فلي عذري      وإن أصبر فذا أكرم
 
* تفاعل شعبي لإحيائها
 
لقد كانت صرخة الأستاذ حسن البنا في الناس بالاعتناء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يتجاهلها الناس، لها صدى عظيم في نفوس الناس.
 
وشهدت المساجد عادات إسلامية كانت قد ماتت، في مقدمتها الاعتكاف، وعقد القران، وعقيقة المولود، وصلاة العيدين خارج المساجد، وكان أعظم مظاهر النهضة في الحي انتشار الزي الإسلامي.
 
وقد بلغ عدد المصلين في آخر صلاة عيد قبل اعتقالات سبتمبر 1981 حوالي 200 ألف مصل في ميدان عابدين بالقاهرة وكانت هناك بالقاهرة تجمعات للصلاة في أحياء أخرى، كذلك حذت كل المحافظات حذو القاهرة.
 
أما الإسكندرية فكان اجتماعها الرئيسي في الإستاد الرياضي.
 
وهكذا خرجت الجموع الإسلامية من الأحياء متوجهة إلى مكان الصلاة هاتفة "الله أكبر ... الله أكبر" وأصبح الناس يعيشون طوال العام انتظارا ليوم صلاة العيد وما فيه من شهود الخير وعزة الإسلام.