تأملت حالي وحال كثيرين ممن زُجَّ بهم في سجون الظالمين، وتطلعت روحي لترى الفجر القادم باسمًا ومبشرًا، يبعث الأمل في نفوس الصادقين، وينشر النور في دروب العاملين المجاهدين، وسبحت بفكري في مستقبل آتٍ لا محالة، فكل آتٍ قريب فأمسكت بقلمي، وجاوبتني خواطري، فكتبت للأعزاء الأحرار الكرام في كل مكان كلمات تثبيت وأمل وللظالمين الطغاة، حروف تذكير بوعيد وعاقبة ظلم للعباد والبلاد.

كتبت: بعد خمسين عامًا مَنْ يسكن مبناهم؟! بعد خمسين عامًا أين ذهبت قواهم؟! أين أنت وأين هم؟! أنت في بحبوحة ونعيم مقيم إن شاء الله وعدًا صادقًا من رب العالمين.. ذهب الحبس والألم، وتبدَّد الإحساس بالتغييب والفراق، وتلاشى السجن والسجان، وبقى الجزاء والعطاء والنعيم والرمضات والجنات والدرجات العالية "فالأسير حقًّا من أسره هواه، والمحبوس من حبسته شهوته"، وكل حال يزول ودوام الحال من المحال.. نعم، إنه طعام دون طعام، وشراب دون شراب، وفراش دون فراش، وغدًا في ميزان الحق أنت الرابح الفائز.

وهم أين هم؟ لزمهم العار، وعلاهم الخزي والهوان دنيا وآخرة، فلا تبتئس يا عزيز ولا تحزن يا كريم، فكيف نحزن والله معنا؟

رأيناها منقوشةً على أحد جدران سجونهم، كتبها مظلوم في ليل حالك، يرى في الآخرة وعد الصدق.

إلى ديان يوم الدين نمضي

                وعند الله تجتمع الخصوم

نعم، نمضي إلى من إليه المرجع والمآب، ونقف جميعًا الضحية والجلاد.. البريء والسجان.. الداعية والطاغية.. لنا من الله وعد ولهم من الله وعيد.

أقف أنا وأنت يا من حرمتني النظر في وجه أولادي.. يا من أبعدتني عن زوجتي وعشيرتي.. يا من حُلت بيني وبين أمي المريضة التي انفطر قلبها حزنًا لفراقي.

أقف أنا وأنت يا من سلبتني أعز ما يملك إنسان سلبتني حريتي، أترى الله يغفل عما تعمل؟ أبدًا أبدًا ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 42) أتراه سبحانه ينسى؟ كلا، كلا ﴿لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى﴾ (طه: من الآية 52).

الويل لك ثم الويل لك، يا من سجنت العباد، وأفسدت البلاد، يا من حاربت الشرفاء والأحرار، وتركت المفسدين طلقاء.

الخزي لك والذل لك، يا من ظننت يومًا أتقهر عزمنا، وتوقف زحفنا، فالداعية الصادق لا السجن يحده ولا العذاب يرهبه، والأفكار أقوى من القيود.

وقديمًا قالها مجاهد سبقنا في درب العاملين مقسمًا موقنًا :

تالله لا الطغيان يهزم دعوة

                يومًا وفي التاريخ بَرُّ يميني

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي

                بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة

                أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي بيد ربي

                وربي حافظي ومعيني

سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي

                وأموت مبتسمًا ليحيا ديني

غدًا غدًا.. ستخرج جحافلنا تدك صروح باطلهم، غدًا غدًا.. ينتصر الله لنا من ظالمهم، غدًا تشرق شمس الحرية الغالية على ربوع بلادي، تبدد الظلمات ويصل شعاعها لقلوب المحرومين منها زمنًا طويلاً، سندق بابها واثقين من وعد الله لنا بالفتح والتمكين وللحرية الحمراء باب بكل يد مُدرجة يُدق.

فهيا أخي الحبيب ورفيق دربي ندق وندق الباب، هيا لنسجل اسمنا في سجل الخالدين، وسحقًا سحقًا لكل متخاذل جبان، وبعدًا بعدًا للظلم والطغيان.

هيا نردِّد معًا :

يا أمتي صبرًا فليلك كاد يُسفر عن صباح

لابد للكابوس أن ينزاح عنا أو يُزاح

والليل إن اشتدَّ ظلمته نقول: الفجر لاح

والفجر إن يبزغ فلا نوم وحي على الكفاح

فلا نوم وحي على الكفاح