ليست هذه العبارة كلمات تُكتب؛ لكنها أنوار تشرق، يألفها ويسعد بها من عاش يحمل هذا الحق.

قال أحد الصحابة، وهو يشير بأصابعه إلى جبل أحد: "إني لأجد ريح الجنة"، إنها نور يضيء للمسلمين، خاصةً من يقدمون على الجهاد ويرزقون الشهادة، تجد على وجوههم فرحة وعلى شفاههم بسمة، وهي تأكيد لقوله تعالى في سورة (آل عمران) ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)﴾.

إن العقلاء في هذه الأمة يوقنون أن الدفاع عن فلسطين والوقوف في وجه العتاة من المخربين والمجرمين وسفاكي الدماء؛ لهو وقوف للدفاع عن أشرف بقعة وأغلى بقعة، وإنهم حين يفعلون ذلك إنما يريدون أن يحفظوا الأمة كلها، فوجود اليهود في فلسطين كالسرطان الخبيث يجعل الطريق مفتوحًا إلى مكة والمدينة ليحققوا أطماعهم، وليصلوا إلى أغراضهم من الانتقام من أهل الحجاز الذين حاسبوا الخونة في بني قريظة وغيرها، والطريق أيضًا يصبح مفتوحًا إلى مصر لمحاولاتهم الخبيثة، وعيونهم على سيناء وغيرها، فهم أسوأ استعمار.

إن هذه الوقفة القوية من العقلاء في هذه الأمة، والتي يصرون عليها، ويرونها الحل الوحيد لسلامة أوطانهم وحقيقة استقلالهم وصميم وحدتهم، فدفاعهم عن فلسطين واستشهادهم في سبيل الحفاظ عليها مهما دفعوا من رخيص وغالٍ، إنما هو دفاع عن صميم كيانهم وعن وجودهم، فضلاً عن الاعتبارات الدينية والخلقية والاقتصادية الأخرى.

والعرب عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة، فهم لا يجاملون أهل فلسطين، ولكنهم يحافظون على وجودهم. ومن لم يفقه هذه الحقائق، ويقول بإمكانية الحياة مع الثعابين والحيات والعقارب فهو مسكين وأعمى لا يرى ما أمامه وما تحت قدميه من أخطار.

إن هناك ملايين من شباب العرب والمسلمين في كل مكان يتضرعون في سجودهم، ويسألون الله أن يرزقهم الشهادة، وأن يكرمهم بالجهاد في سبيله.

وسيعلم الظالمون اليوم أو غدًا حين تلتقي القلوب المؤمنة بالخونة والخائنين، وحين تهتف هذه النفوس المتشوقة للقاء الله.. هبي ريح الجنة.

سيعلمون لمن العاقبة؟ العاقبة للمتقين ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)﴾ (الشعراء).

يقول الإمام البنا رحمه الله: "ليس لهذا العدوان الذي اجتمعنا اليوم من أجل التفكير في وسائل رفعه عن أرض العروبة والإسلام نظير في تاريخ البشرية كلها".

فلم يحدث أن تآمرت طائفة من الناس على وطن أمة من الأمم فاحتلته بالخديعة، ثم اقتطعت منه ما شاءت بالإرهاب، ثم سخرت أمم المادة والشهوات لتحكم لها بما أرادت بشراء الذمم واحتكار الضمائر والمساومة على الأصوات، ثم زعمت أنها ستقيم دولة وتنشئ حكومة لتعيش بين هذه المجموعة الضخمة من الأمم رغم أنفها.

هذه قصة من الظلم والجور لم تشهد الدنيا لها نظيرًا؛ ولكنها الليالي من الزمان حبالى، التي تحدث عنها الشاعر الغابر.

إن الإسلام الكريم وهو هديه مكة المكرمة وهدية الوحي فرض على كل مسلم أن يكون جنديًّا للحق، يذود عنه بنفسه وماله ودمه وروحه ولا يتردد في ذلك أبدًا.

وأرض فلسطين المباركة قد روى ثراها بدماء عشرات الآلاف من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن بيت المقدس ومسجد الصخرة، وإن فلسطين كلها وأرض الإسلام جميعًا لا يجوز أن تُدنس بكافر ولا مشرك ولا محتال ولا مخادع، وإن القدس الآن تتعرَّض فعلاً للهدم والانهيار، وإن ثالث الحرمين وثاني المسجدين وأولى القبلتين، سيسأل الله عز وجل كل مسلم ومسلمة عنه، ماذا قدَّمتم لأرض الشهداء؟ وماذا فعلتم من أجلها؟ سيسألهم فردًا فردًا؛ فهل أحضرنا الإجابة في هذا الموقف، قال تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)﴾ (مريم).

ونحن نؤمن ونوقن بأن آجالنا محدودة وأيامنا معدودة ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾ (لأعراف).

أيها المسلمون.. تحركوا وارفعوا راية الإسلام وقدِّموا شيئًا يثبت أنكم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا تناموا بل استيقظوا، لا تنشغلوا بالفانية، بل انشغلوا بالباقية، لقد شاهدنا في حياتنا الأدباء يتحدثون عن فلسطين والشعراء لا ينامون الليل حقيقة، يقول أحدهم رحمه الله في وقفة يتأمل فيها الواقع المحزن، ويدعو إلى اليقظة والدفاع عن الأمة:

                مالي وللنجم يرعاني وأرعاه

                                أمسى كلانا يخاف الغمض جـفناه

                لي فيك يا ليل آهات أرددها

                                أواه لو أجدت المحزون أواه

                لا تحسبني محبًّا يشتكي وصبًا

                                أهون بما في سبيل الـحب ألـقاه

                أني تذكرت والذكرى مؤرقة

                                مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه

                ويح العروبة كان الكون مسرحها

                                فأصبحت تتوارى في زواياه

                أني اتجهت للإسلام في بلد

                                تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

                كم صرفتنا يد كنا نصرفها

                                وبات يحكمنا شعبًا ملكناه

                هل تطلبون من المختار معجزة

                                يكفيه شعب من الأجداث أحياه

                يا من رأى عمر تكوه بردته

                                والزيت أدم له والكوخ مأواه

                يهتز كسرى على كرسيه فرقًا

                                من بأسه وملوك الروم تخشاه

دمعات.. ودمعات.. نذرفها على هذه الأمة التي نامت ولا تريد أن تستيقظ، بل قطرات من دم.. لكن كل هذا الآن لا يكفي، فلا بد من صحوة إسلامية عالمية كل هذا الآن لا يكفي، فلا بد من صحوة إسلامية عالمية تسير والقرآن في يمينها، والسنة المطهرة في شمالها، وعمل السلف الصالح هو نور عيونها، وأول ما تفعله هو إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، لا بد من عزمة صادقة؛ لأن الحديث يقول: "ما ترك قوم الجهاد إلا ذُلُّوا"، ولن يعودوا إلى عزة الإسلام إلا برفع هذه الحقائق والإيمان بها، ثم تطبيقها.

يقول الفضيل بن عياض رضي الله عنه لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه، وقد كان الأول يؤثر الجهاد ولا يرى أن هناك من العبادات ما هو أفضل منه، وكان الأخير يميل إلى التعبد في الحرم، فكتب الفضيل إليه معاتبًا يقول:

                يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

                                لعلمت أنك بالعبادة تلعب

                من كان يخضب خده بدموعه

                                فنحورنا بدمائنا تتخضب

                أو كان يتعب خيله في باطل

                                فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

                ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

                                رهج السنابك والغبار الأطيب

اللهم أيقظ أمتنا، وردها إلى دينها وإسلامها ردًّا جميلاً، اللهم اجعلنا هداة مهتدين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------
من تراث عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين الشيخ محمد عبد الله الخطيب