"أُطلق عليه مجدد شباب جماعة الإخوان كما عرف بقدرته الفائقة على الحوار واحتواء الطرف الآخر من معارضي الجماعة".. هكذا يمكن وصف الأستاذ عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، والتي حلت ذكرى مولده قبل أيام وتحديدًا في 4 نوفمبر الجاري، فكان الهدوء والثقة يعكسان جانبا من شخصيته الصلبة  التي لا تلين، وتواجه الأعاصير بابتسامة واثقة، وتتصدى للأزمات بأحسن الكلم وتمسك بزمام نفسها، ولا تضطرها العواصف ولا غدر الناس أن تنال من هدوئها ولا سلامة منطقها.

واستطاع التلمساني أن يلمّ شعث جماعة الإخوان المسلمين؛ في فترة وصف بالدقيقة عقب خروج أعضائها من السجن في فترة حكم السادات، حيث كانت شخصيته  الرفيقة الدقيقة تجذب الناس إلى الجماعة، وكانت أخلاقه السمحة عنوانا لها، فأقبل الناس عليها وعاد ما كان لها من قوة وتأثير.

لمزيد من التفاصيل.. اقرأ: الأستاذ عمر التلمساني.. المرشد الرباني

نشأته
عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني (4 نوفمبر 1904  في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة وأطلق عليه بالتلمساني نسبة إلى أصوله من ولاية تلمسان الجزائرية.
نشأ في بيت واسع الثراء، فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر، جاء إلى القاهرة، واشتغل بالتجارة، وفتح الله عليه بالمال الوفير، فلجأ إلى القرآن يعتصم به، وتدثر بالانطواء على نفسه يزكيها بجهد صامت، واجتهاد كبير.

نشأ عمر التلمساني في أسرة كريمة تتمسك بالدين والخلق، وكان جده سلفي النزعة، طبع العديد من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نفقته الخاصة. تلقى عمر دراسته الابتدائية في إحدى مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم تلقى تعليمه الثانوي في المدرسة الإلهامية الثانوية بالحلمية، وكانت أسرته قد انتقلت إلى القاهرة بعد وفاة جده.
وحصل جده  على الباشوية من السلطان عبد الحميد.

انضمامه للإخوان
انضم عمر التلمساني لجماعة الإخوان المسلمين علي يد مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا في عام 1933 بعد أن دعاه لحضور دروسه اثنان من الإخوان هما "عزت محمد حسن" وكان معاون سلخانة بشبين القناطر، والآخر "محمد عبد العال"، وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر "أبي زعبل".

ويذكر التلمساني في مذكراته أنه رشح نفسه مرتين لمجلس النواب، لكي يصدع بكلمة الحق والدعوة الإسلامية في أعلى هيئة تشريعية في البلاد لكنه لم يوفق، ومنذ هذه اللحظة بدأت مسيرة التلمساني في جماعة الإخوان، وشاهد بداياتها وصعودها وكبواتها والمحن التي ألمّت بها، والضربات التي وجهت للقضاء عليها أو وقف مسيرتها أو احتوائها.

ولم يكن هو بعيدا عن ذلك كليةً، حيث كان عضوا في مكتب إرشاد الجماعة، وتعرض للاعتقال في الفترة الملكية إذ قبض عليه بعد استشهاد الإمام حسن البنا سنة (1369هـ= 1949م) مع الآلاف من أعضاء الجماعة.

ثم كانت الأحداث الدامية في سنة (1374هـ=1954م) حيث نكلت حكومة جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان، وألقت بالآلاف منهم في السجون، وعقدت لهم المحاكمات العسكرية ، وكان من نصيب التلمساني أن حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، ثم أعيد اعتقاله فور انتهاء المدة سنة (1389هـ = 1969م) حتى أفرج عنه عام (1391هـ= 1971م)، وبعد 10 سنوات من الإفراج عنه اعتقل مرة أخرى في أحداث سبتمبر الشهيرة سنة (1401هـ= 1981م) في عهد الرئيس السادات.

وشاهد أيضًا: فيديو نادر.. وصية الأستاذ عمر التلمساني إلى الإخوان المسلمين

مؤلفاته
وفي غمرة قيادته لجماعة الإخوان والأعباء الملقاة على عاتقه لم ينس أنه صاحب قلم، وكان من ثمرة ذلك عدة كتب كان يعتبرها -لتواضعه- خواطر جمعت في كتب، وليس فيها ما يستحق إلحاقه بالمؤلفات، وهذه الكتب هي:

1- قال الناس ولم أقل عن حكم عبد الناصر. آراء المعارضين في جمال عبد الناصر وحكمه: دار الأنصار – القاهرة – 1400 هـ، 347 صفحة.
2- الملهم الموهوب حسن البنا أستاذ الجيل: دار التوزيع والنشر الإسلامية – القاهرة – 1404 هـ، 158 صفحة.
3- الإسلام ونظرته السامية للمرأة: دار الوفاء – المنصورة، 54 صفحة.
4- أيام مع السادات: دار الاعتصام – القاهرة - 1404هـ، 144 صفحة.
5- ذكريات لا مذكرات: دار الاعتصام – القاهرة – بدون تاريخ، 285 صفحة.
6- شهيد المحراب، عمر بن الخطاب: دار الأنصار – القاهرة – 1397هـ، 384 صفحة.
7- الخروج من المأزق الإسلامي الراهن: دار الوفاء – المنصورة – مصر – 1400هـ.
8- الحكومة الدينية: دار الاعتصام – القاهرة.
9- الإسلام والحياة: دار التوزيع والنشر الإسلامية – القاهرة – 1412هـ.

واقرأ أيضًا: آخر ما كتبه الأستاذ عمر التلمساني

وفاته
ظلت سماحته وسلامة نفسه وحياؤه الشديد ورغبته في الإصلاح هي مفتاح شخصيته، وكان يلوذ بالنفس الطويل، والصبر الجميل ويحاول بالإقناع المتكرر أن يبلغ هدفه، وكان يركز اهتمامه على ما يجمع ويقرب الصفوف، وكان يتجنب في حديثه كل عبارة أو كلمة يرى أنها تخدش المشاعر أو تؤذي السمع، وأصدق ما قيل عنه ما وصفه به الشيخ محمد الغزالي بأنه كان "ملكا كريما في إهاب بشر أرهقته السنون".
واختاره الله إلى جواره يوم الأربعاء 13 من رمضان المبارك عام 1406هـ 22/5/1986م حيث توفي بالمستشفي بعد معاناة مع المرض عن عمر يناهز 82 عامًا، ثم صُلِّي عليه بجامع "عمر مكرم" بالقاهرة، وكان تشييعه في موكب مهيب شارك فيه أكثر من ربع مليون نسمة – وقيل نصف مليون – من جماهير الشعب المصري فضلاً عن الوفود التى قدمت من خارج مصر.