سارت الحياة بعد 6 سنوات إلى الأفضل، وكأن الدكتور طارق الغندور، الشهيد رقم (88) الذي يموت داخل سجون الانقلاب إما بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي حيًّا بيننا، يرزق، كما أخبرنا بذلك المصطفى، فالرجل الذي كان في طليعة شهداء القتل الطبي بسجون عبدالفتاح السيسي كان واحدًا من أشهر الأطباء بالعالم.

اعتقلوه بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين، وسط فرحة الفسدة مؤيدي الانقلاب من زملائه بكلية الطب جامعة عين شمس، وعِوضا عن ذلك سرقوا كل أمواله وممتلكاته، وصادروا المستشفى الخاص التي كان يملكها، فكان شعاره: "عمر الظلم ما أخّر بكره.. وعمر السجن ما غيّر فكرة". وبعد مرور سنة على وفاته في السجن، أصدر قضاة الانقلاب السيسي حكماً ببراءته!

https://www.facebook.com/sakr15/videos/762267387171844


حياة الدكتور الغندور مجددا يمكنك أن تراها في صور أسرة الدكتور طارق من خلال حسابات زوجته وأبيها العلامة في الاقتصاد الإسلامي د. حسين شحاتة أو من خلال حسابات أبنائه وقد شب الأطفال ليصبحوا كبارا. وفي ذكرى وفاته في 12 نوفمبر، تذكره د.علي المشد وكيف كان الراحل الكريم نبراسا على الأخلاق والخير.
وقال المشد في منشور شاركه العشرات عبر حساباتهم "طارق الغندور.. ابتسامة تسع الكون! أخي وأستاذي الدكتور طارق الغندور.. تحية من عند الله مباركة طيبة، وبعد.. أكتب إليك، اليوم، وقد مر عام على صعود روحك الطاهرة إلى باريها، متمنياً على الله أن تكون قد استرحت، وأن الرفيق الأعلى الذي طالما حدثتنا عنه، وحببتنا فيه، وشوقتنا إلى لقائه، قد أكرم وفادتك، ولقيك راضياً غير غضبان، وأستحيى أن يعذب شيبتك التي شابت في العبادة والقرآن، وإرشاد الناس إلى الخير، وحداء أرواحهم إلى كتابك، فلم ألق أحداً في حياتي تلميذاً للقرآن مثلما كنت".


وأضاف "أريد أن أحكي عن هذه الروح التي لم ألق لها مثيلاً في دنيا الناس" أكتب إليك لأستشيرك، ماذا أقول للناس عنك في ذكرى رحيلك؟ هل أحدثهم عن بكائي يومها، حتى شرقت بالدمع، وأنا الذي لا أبكي بسهولة؟ عن صدمتي إذ علمت بوفاتك سجيناً مظلوماً، مريضاً نازفاً مهملاً، وأنت الذي لم تهمل مريضاً أتاك في أي من عياداتك التي كانت قبلة للمرضى والمستغيثين؟ أم أحدثهم عن بكائي، الآن، وأنا أكتب هذه السطور، لاستعادتي الشعور المؤلم بأنني لن أراك ثانية في دنيا الناس؟؟ وقد كانت رؤياك مما يبعث السرور والرضا لكل من يلقاك، وتطالعه ابتسامتك الحلوة الدائمة؟

تجريدة أمنية
أم أحدثهم عن تفاصيل حبسك الظالم، واعتداء التجريدة الأمنية على حرمة بيتك، واستيلائهم على أموال وممتلكات لك، ثم الحكم الجائر بالحبس خمس سنوات، لم يتركك الله تكمل منهم واحدة، فاختارك إلى جواره، ولما ينتصف عقدك السادس من العمر؟

هل أحدثهم عن الطبيب الكبير، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية الطب جامعة عين شمس، المميز بعلمه، ممارساً وباحثاً، مدرساً وطبيباً وجراحاً؟ وهل يجهلك جاهل؟ بل هل يعرفك حقاً من يظن أنه يفعل؟ أما أنا، فأحسبني أعرفك حقاً، وإنني لأريد أن أتحدث عنك، فهلا سمحت لي؟

أريد أن أحكي عن هذه الروح التي لم ألق لها مثيلاً في دنيا الناس، الروح التي تشعر بعد دقائق من التعامل معها أنك تعرفها منذ زمن طويل، وأن لا كلفة بينكما، وأنك أمام قلب صبي، ونفس لا تشيب، نفس تألف وتؤلف، ووجه لا تفارقه الابتسامة الحلوة العذبة، وإن كنت لم أره يوماً مستجمعاً ضاحكاً قط، فلا يمكن أن ترى "لهواته"، وإنما كان يضحك في تبسم، وتتسع ابتسامته حتى تغمرك، وتشمل الكون من حولك.

رجل القرآن

كما أريد أن أحكي عن رجل القرآن، الذي حببني فيه، ورغبني في حفظه، والذي علمنا "كيف تحفظ القرآن فلا تنساه، وإن حاولت!" والذي كان يتهجد بالناس في العشر الأواخر، فيضرب في ثلاثة أجزاء في الليلة الواحدة، لا تمسك عليه خطأ وحيدًا. وتشعر وأنت معه أن القرآن لا يفارقه، فهو "معجون" به –إن جاز التعبير- وقّاف عنده، مستن بسنته، متخلق إلى درجة كبيرة بأخلاقه.

أما ما كنت أحبه، خصوصًا لملاقاته هواي، فقد كان ثقافتك العربية، وغرامك بالشعر والأدب واللغة، وذكاءك اللغوي الحاد، الذي لم يكن يترك كلمة تقال دون رد "حارق"، يراعي نظيرها، في قدرة عالية على "القافية" كما نسميها في العامية المصرية، يجلس المرء معك، فكأنه بين دفتي كتاب من كتب التراث، اجتمع فيه نوادر العرب، مع الحكم، والقصص والأمثال، تتلوها في استرسال لا يعرف التلجلج، ولا يعرف معه جليسك السأم.

وكنا نختلف كثيرًا! فهل تذكر خلافاتنا؟ كنت تسمح لنا أن نختلف معك، ونجادلك، خصوصًا أنا وأخي محمد عفان، وكنا نحتد ونلج في الخلاف، وبيننا وبينك نحو عشرين عامًا، من رآنا قال عنا أقرانًا، ثم نكتشف أنك تستخدم آراءنا بحججنا في كلامك، وقد اقتنعت بها، فإذا سألناك عن هذا داهشين قلت بابتسامتك الحلوة: إنما أتعلم منكما!

قتلوك يا أستاذنا. قتلوا ابتسامة كانت تسع الكون كله !
وعن رجل القرآن كتب علي الغندور  "رحمة الله على الدكتور طارق الغندور حامل القرآن بالقراءات العشر صاحب الدعوة التي أنفق في سبيلها النفيس والغالي صاحب القوافل الطبية للفقراء والمساكين".

أحكي عن شهيد
وارتقى الدكتور طارق الغندور يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2014 شهيدا- داخل المعتقل، بعد تدهور حالته الصحية بشكل كبير ، وقد تم حرمانه من العلاج وتعنتت إدارة سجن "شبين الكوم" في نقله لمستشفى معهد الكبد في شبين الكوم يتلقى فيها العناية التي تناسب ظرفه الصحي كمريض بالكبد، إلا بعد أن ساءت حالته الصحية بشكل كبير. فظل ينزف 6 ساعات دون أن يتمكن الفريق الطبي بالمستشفى من انقاذه، الأمر الذي أدى لاستشهاده رحمه الله.

واعتقل الشهيد من منزله يوم 18 ديسمبر 2013 ووجهت له تهمة الانتماء لجماعة إرهابية!

محبوب الجنائيين
وأحيا الدكتور طارق الغندور زنزانة 2 بسجن مدينة نصر، وقال عنه رفيقه إن الجنائيين كانوا يحبون الدكتور طارق حبا شديدا ويلجأون إليه فى كل شيء ويستشيرونه فى كل أمورهم، وكان هو يحسن إليهم فى كل شيء ويأتى إليهم بالاطعمة المختلفة والحلويات حتى إنه ذات مرة فاجأ أحد الجنائيين وكان نبطشى الحجز (مسئول الحجز) فى يوم ميلاده بتورتاية جميلة أهله أحضروها مخصوص فى الزيارة لرضا الشهير بأبو الغضب المحبوس بتهمة السرقة ومش عارف أقولكم كان شعور رضا ازاى لما الدكتور طارق قال الناس: النهاردة يوم ميلاد رضا واحنا نقوله كل سنة وانت طيب ودى هدية منى له، لذلك كان رضا بيحلف بحياة الدكتور طارق وكان رضا يصحى الفجر ويصحى الناس الفجر بالعافية.
وأرد ضباط القسم مرة تكدير الدكتور طارق فنقلوه لأسوأ زنزانة في القسم ومشهورة بعنبر الكفار لأن فيها عددا كبيرا جدا وفيها كبار الجنائيين وتدخل فيها متشوفش حد من دخان البانجو والحشيش والسجاير دخل قعد فيها 3 أيام وعمل فيها تغيير محترم، أول ما دخل الجنائيين وسّعوله وقعدوه على المصطبة وجمعهم وبدأ يحكي لهم قصص الأنبياء وقالهم ويوزع هدايا للمستمعين جيدا.
يقول محمد عبدالحفيظ: "يوم ترحيل الدكتور طارق لسجن أبو زعبل المساجين فى القسم كلهم كانوا زعلانين جدا وفيه منهم اللى عيط على فراق الدكتور طارق، أنا قعدت بعده فى القسم حوالى أسبوع قبل ما أترحل لأبو زعبل كل واحد فى الزنزانة الدكتور طارق هاديه بحاجة واحد يقولك المرتبة دى غالية عليا قوى علشان الدكتور مدهالى والتانى معاه لبس والتالت معاه برفان وكله يقعد يحكى ذكرياته مع الدكتور طارق ويقولوا احنا حبينا الاخوان علشان الدكتور طارق الغندور".

كلمة أ.د. طارق الغندور لدعم الطلبة المعتقلين
 

في حماك ربنا بصوت الشهيد

أحياء في الذاكرة مع أسرة د.طارق الغندور