أعلن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، مساء أمس السبت، عن تعديل حكومي شمل حقائب مهمة، وهي: العدل، والداخلية، والصحة، والفلاحة، والصناعة، والطاقة، والتنمية، والتكوين المهني والتشغيل، وأملاك الدولة، والثقافة، والرياضة؛ أي ما يقارب نصف التركيبة الحكومية التي تضم جملة 28 وزيراً، وذلك بعد أقل من 5 أشهر من نيلها ثقة البرلمان.

ورغم أن المشيشي أشار، في الندوة الصحفية التي عقدها بقصر الحكومة في القصبة (العاصمة)، إلى أن التعديل الحكومي يهدف إلى الترفيع في نجاعة الوزارات ومزيد إحكام تطبيق سياسة الحكومة وتنفيذ خططها، وأنه يأتي بعد عملية تقييم للعمل الحكومي ومستوى التنسيق داخله، وأنه استمع فيه لمختلف الآراء، ورغم أن الرئيس التونسي قيس سعيد قال عقب لقاء جمعه بالمشيشي قبل إعلان أسماء الوزراء المقترحين، حيث دعا، حسب بيان للرئاسة، إلى عدم الخضوع لأي شكل من أشكال المقايضة، فإن معلومات مؤكدة تفيد بأن الحزام السياسي للحكومة كان حاضراً في قائمة الوزراء المقترحين.

بطلب من الحزام السياسي

جاء التحوير الوزاري الأخير بطلب من الحزام السياسي للحكومة، وكان زعيم حركة النهضة رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي قد تحدث عن ضرورة إجراء تغيير سياسي، وأكد ضرورة القيام بتعديل وزاري؛ لرفع كفاءة الحكومة وتحسين الأداء، وأشار إلى أن أداء بعض الوزراء متواضع، علاوة على مطالبة حزب قلب تونس، وهو أيضاً من الحزام السياسي، إجراء تغيير بل كان حريصاً عليه، وقد أكد رئيس كتلة قلب تونس بالبرلمان أسامة الخليفي مراراً ضرورة إجراء تغيير وزاري، وعلّق، مساء السبت، قائلاً: حزب قلب تونس يبارك التحوير الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي على فريقه الحكومي.

وتابع: سيصبح رئيس الحكومة عقب هذا التحوير رئيساً فعلياً لفريقه الحكومي وفق صلاحياته الدستورية دون أي منازع؛ وهو يعني ما يقول، فالوزراء الذين تم الاستغناء عنهم محسوبون على الرئيس التونسي قيس سعيّد؛ بما يعني أن المشيشي نزع عنه رداء الرئيس الذي كان بمثابة السوار الإلكتروني الذي يوضع في أيدي المحكوم عليهم دون أن يكونوا في السجن التقليدي في المنظومة القضائية المعاصرة.

روح الدستور

الناشط السياسي المقرب من حركة النهضة نصر الدين السويلمي وصف التحوير الوزاري بأنه يمثل روح الدستور، وقال في تدوينة له على موقعه بـ"فيسبوك": هكذا نكون أقرب إلى روح الدستور، وأبعد ما نكون عن الانقلاب الناعم الذي خططت له بعض الكتل النيابية الثانوية تحت لافتة حكومة الرئيس التي أسقطها انزلاقها في عمليات تضارب المصالح (يعني حكومة المشيشي).

وأردف: بعد سقوط حكومة الفخفاخ حاول سعيّد اعتماد خطة وزير أول (في النظام الرئاسي، في حين أن تونس نظام برلماني معدل)، ثم إبقاء الحكومة تحت هيمنته، لكن الرئيس عندما لمس نزوعاً للاستقلالية من قبل المشيشي وفق الدستور ضغط باتجاه فكرة التناصف حين حاول تركيز حزمة من الوزراء التابعين له في وزارات حساسة يحتاجها مشروعه (اللجان الشعبية كما كانت في ليبيا).

وتابع: ولكن بشكل هادئ، تمكن المشيشي مع الحزام البرلماني الذي يدعمه (حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة، كتلة الإصلاح) من خوض معركة القوة الناعمة ضد الانقلاب البارد وأعاد الأمور إلى نصابها.

وأشار إلى أن النهضة وقلب تونس وتحيا تونس وكتلة الإصلاح كانوا في قلب المفاوضات لإنتاج تحوير واسع، ويبدو أنه تم الإعداد له بعناية ليمر تحت قبة البرلمان بدون مشكلات، ومن ثم الانطلاق في العمل على قاعدة الدستور.

وزراء النهضة وقلب تونس

بعض المصادر الإعلامية في تونس تحدثت عن وزراء اقترحتهم النهضة، وآخرين اقترحهم حزب قلب تونس، فالوزراء الذين اقترحتهم النهضة وفق "الشارع المغاربي" هم: يوسف الزواغي، وزير العدل وهو المدير العام الحالي للديوانة، ورشحته النهضة في مناسبتين سابقتين لحقيبة الداخلية، وعبداللطيف الميساوي، وزير أملاك الدولة والشئون العقارية، وهو قاض ووال سابق (محافظ)، ورُشح لنفس الحقيبة في حكومة الحبيب الجملي (رشحته النهضة)، وشهاب بن أحمد، وزير الشئون المحلية والبيئة، وهو مدير عام حالي لمركز النهوض بالصادرات، وقبلها كان رئيس مدير عام شركة السكك الحديدية، ووزير نقل سابق في حكومة المهدي جمعة، ومنهم أسامة الخريجي، مرشح لحقيبة الفلاحة التي غادرها بحلول حكومة المشيشي وعُين بعدها مستشاراً في ديوان المشيشي، ورضا بن مصباح، وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، سفير سابق ببروكسل، وكان مرشح النهضة لرئاسة الحكومة في الانتخابات الداخلية التي تمت في شورى النهضة، والتقاه رئيس الحركة راشد الغنوشي وقتها في 3 مناسبات.

 

أما حزب "قلب تونس"، وفق المصدر المذكور، فقد رشّح: سفيان بن تونس، وزير الطاقة والمناجم المقترح، وهو عضو في الحملة الانتخابية الرئاسية لنبيل القروي، وهو من القيادات المؤسسة للحزب، وزكريا بلخوجة، وزير الرياضة المقترح، وهو مستشار حالي لرئيس الحكومة.

عودة إلى الدستور

وبقطع النظر عن مدى دقة الإحالة الأخيرة، فإن رئيس الحكومة تخلص بالفعل من الوزراء المفروضين من قصر الرئاسة، لا سيما وأن بعضهم تعلقت به قضايا فساد وتضارب مصالح مثل وزير البيئة السابق، ورئيس الحكومة السابق، علاوة على أن المشيشي أصبح أقرب إلى روح  الدستور، ورئيس حكومة فعلياً، أبعد ما يكون عن كونه مجرد سلطة تنفيذية مسؤولة أمام سلطة تنفيذية تتلقى منها الأوامر ومسؤولة أمامها وليس أمام البرلمان كما ينص دستور الثورة.