قال موقع "ميدل إيست آي" إن تفاقم أزمة الديون يقود مصر نحو الهاوية، مشيرا إلى قول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مؤتمر استثمار دولي إن مصر بحاجة إلى 200 إلى 300 مليار دولار للتنمية.

وفي ذلك الوقت، بدا الأمر مبالغا فيه، بالنظر إلى أن حجم الاقتصاد المصري في عام 2015 بلغ 332 مليار دولار.

ومضى الوقت سريعا حتى نوفمبر 2019، عندما تفاخر "السيسي" بأن الدولة استثمرت 200 مليار دولار في مشاريع على مدى الأعوام الـ 5 السابقة، لكنه تجاهل حقيقة أن النظام اتبع سياسة النمو القائم على الديون والاستثمار المكثف في مشاريع البنية التحتية الضخمة ذات الفوائد الاقتصادية المشكوك فيها، ما وضع الأسس لأزمة اقتصادية عميقة لم تتكشف بعد.

وتكمن جذور الأزمة في الاقتصاد السياسي للنظام، الذي أنتج شكلا جديدا من رأسمالية الدولة العسكرية يعتمد على تخصيص الأموال العامة لإثراء النخب العسكرية بينما يتم فرض التقشف القاسي على العامة، بدلا من التركيز على تطوير تنافسية دائمة، وهي ميزة لا توجد سوى في القطاع الخاص.

ولم يتسبب ذلك في أداء مخيب للآمال للقطاع الخاص فقط، ولكن أدى أيضا إلى ارتفاع مستويات الفقر، وانخفاض مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وضعف الطلب في السوق المحلية.

ويقترن ذلك بقاعدة ضريبية ضعيفة وتقلص في الإيرادات الحكومية، ما يعني أن الطريقة الوحيدة لتراكم رأس مال الدولة العسكرية هي من خلال المزيد من القروض.

ويفتح ذلك الطريق نحو أزمة ديون عميقة ستظهر في حالة حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي.

وقد تؤدي هذه الأزمة إلى التخلف عن سداد الديون، وانهيار العملة، والتضخم المفرط، وهي المتطلبات الأساسية لاضطراب اجتماعي شامل.

وأصدر البنك الدولي في نوفمبر الماضي تقريرا يتوقع فيه أن تصل نسبة الدين العام لمصر إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 96% بنهاية العام المالي 2020/2021، ارتفاعا من 90% في الشهر السابق. وهذه زيادة كبيرة عن نسبة الـ 87% عام 2013 عندما تولى الجيش السلطة.

وخلال الفترة نفسها، ارتفع مستوى الدين الخارجي من 16% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى 39% في عام 2019، ليصل إلى مستوى تاريخي بلغ 123.5 مليار دولار في يونيو الماضي.

وفي مايو الماضي، أصدرت مصر سندات أجنبية بقيمة 5 مليارات دولار، وهو أكبر إصدار في تاريخ البلاد، تلاه إصدار آخر لسندات بقيمة 3.75 مليار دولار هذا الشهر.

وقد تسبب هذا الارتفاع السريع في مستوى الديون في ضغوط كبيرة على ميزانية الدولة.

وفي عام 2020 والربع الأول من 2021، تم تخصيص ثلث النفقات لتغطية سداد القروض والفوائد، حيث تم دفع نحو 556 مليار جنيه مصري، أو ما يعادل 35 مليار دولار.

ضغوط الميزانية

ويتفاقم هذا الضغط على الميزانية بسبب انخفاض الإيرادات الحكومية وضعف القاعدة الضريبية، فضلا عن ضعف أداء القطاع الخاص، ما يضع ضغوطا إضافية على المالية الحكومية.

ويعد الاقتراض هو الخيار الوحيد الممكن ليس فقط لتغطية العجز الحكومي، ولكن أيضا لمواصلة حملة الاستثمار الضخمة للنظام.

وانخفضت الإيرادات الحكومية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 22% في عام 2013 إلى 19% في عام 2020.

وهذه النسبة منخفضة بالفعل وفقا للمعايير الإقليمية، حيث وصلت البلدان المجاورة، مثل المغرب وتونس، إلى 27.5% و25% على التوالي.

في الوقت نفسه، فإن نظام الضرائب الضعيف في مصر مليء بالإعفاءات الممنوحة للشركات الكبرى، العسكرية والمدنية على حد سواء، ما يعود بالفائدة على النخبة، كما أنه يضعف الإيرادات الضريبية، التي وصلت بحسب وزارة المالية إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، أي أقل من المتوسط ​​الأفريقي البالغ 16.5% في 2018، مع وصول المغرب وتونس المجاورتين إلى 28% و32% في ذلك العام.

ومما يفاقم المشكلة، ضعف أداء الاقتصاد المصري من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك أداء القطاع الخاص.

وبلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2015 إلى 2019 نحو 4.8%، ولا يزال أقل من متوسط ​​الأعوام الـ 5 الأخيرة من عهد المخلوع مبارك.

وفيما يتعلق بأداء القطاع الخاص غير النفطي، فخلال 54 شهرا نما فقط لمدة 6 أشهر فقط يناير 2020، ويمكن أن يُعزى هذا الأداء السيئ جزئيا إلى انخفاض الاستهلاك المحلي، ما يعكس ضعف الطلب المحلي وسط تزايد الفقر، والذي لم يتوازن مع زيادة الصادرات.

وبين عامي 2015 و2018، انخفض المستوى الإجمالي للاستهلاك بنسبة 9.7%، بينما ارتفع مستوى الصادرات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف، من 17% إلى 17.5%.

وفي عام 2019، شكلت الصادرات غير النفطية 48% من إجمالي الصادرات.

ومن المتوقع أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي أكثر، ليصل إلى 3.5% في عام 2020 و2.3% في عام 2021 وسط جائحة "كوفيد-19".

مشاريع "السيسي" الضخمة

ومن ثم، فإن مصدر النمو الاقتصادي في مصر يكمن في التدفق الهائل لرأس المال الخاص بالبنية التحتية والإنشاءات.

وفي عام 2019، العام الذي شهد أعلى معدل نمو منذ اغتصاب "السيسي" السلطة، كان أكبر مساهم هو قطاع البناء، الذي نما بنسبة تقدر بـ 8.9%، مدعوما بمشاريع "السيسي" الضخمة.

لكن عائدات معظم هذه المشاريع مشكوك فيها في أحسن الأحوال.

على سبيل المثال، أدت توسعة قناة السويس، التي كلفت 8 مليارات دولار لإكمالها في عام 2015، إلى زيادة إيرادات القناة بنسبة 4.7% فقط على مدى 5 أعوام، لتصل إلى 27 مليار دولار خلال تلك الفترة، وهي بعيدة كل البعد عن العائد السنوي البالغ 100 مليار دولار الذي روج له النظام في بداية المشروع.

ومع وجود قطاع خاص ضعيف، ونظام ضريبي تنازلي، وإصرار النظام على مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي يجري تمويلها بالديون، فقد زرع "السيسي" بذور الانهيار المالي لمصر.

ولا خيار أمام النظام الآن سوى الاستمرار في الاقتراض ومحاولة خفض الإنفاق الحكومي من خلال إجراءات تقشف متزايدة من شأنها أن تزيد الفقر وتزيد التضخم وتضعف الطلب المحلي. وهذا بدوره سيدفع النظام إلى الاقتراض أكثر لتلبية احتياجاته التمويلية.

وتتفاقم هذه الدورة من خلال المشاريع الاستثمارية ذات العوائد المنخفضة التي لا تؤدي إلا إلى إثراء النخب العسكرية.

وإذا نضبت مصادر الائتمان، وهو أمر محتمل وسط التغيرات في الاقتصاد العالمي، فسوف تواجه مصر احتمال الإفلاس، وستصل الاضطرابات الاجتماعية المصاحبة، والتضخم المفرط، وانخفاض قيمة العملة، إلى مستويات تاريخية، وستكون التكاليف البشرية هائلة لمصر والمنطقة.