بقلم: حسين الخطيب

بعد جهاد طويل، انتصر الشعب، تحقق النصر لأصحاب الحق المستمسكين بحقهم، المؤمنين به وبأنفسهم، على كل ظالم مستكبر، عدو الحياة عدو الحقوق، بعد جهاد طويل، شأنه شأن المعارك الكبرى، طال انتظار المخلصين له، وكثرت على أبوابه أشلاء الشهداء، وزادت التضحيات عن الحصر والتخيل. 

الحمد لله رب العالمين، انتصر الحق فى أفغانستان، انتصر الشعب الأفغانى، انتصر أصحاب الأرض، وانهزمت الجيوش التى لا تقهر، وثبت لكل ذى عقل أن إرادة الشعوب ستتحقق - وإن طال الزمن، ولكن الظالمين لا يتعلمون، ولا يتورعون، ولا يستسلمون، والصراع باق ما بقي الناس. 

لن يخبروك أنها إرادة الشعب الأفغانى، لن يخبروك أنها تضحياته، وطول صبره وجهاده وإصراره، وفداحة الثمن الذى بذله ليصل إلى هذه اللحظة، إصراره على رفض الأجنبى الدخيل، إصراره على أن يحيا حرة على أرضه، إصراره على أن يجاهد، إصراره على استكمال الطريق، والحصول على حريته وتقرير مصيره.

لن يخبرك الغزاة الظالمون المستكبرون، الذين جاءوا إلى هذه البلاد مدججين بالسلاح والأكاذيب، لن يخبرك هؤلاء بالحقائق لأنهم الحريصون على تشويه كل جميل، وعلى قلب كل الحقائق، الحريصون على تصوير إرادة الشعوب الحرة على أنها أعمال تخريب وإرهاب، تقوم به فئة شاذة منبوذة. الحريصون على تسويق أنفسهم وحضارتهم على أنهم متحضرون رحماء أصحاب حقوق وقيم، بلغوا من الرقى والرحمة؛ ما جعلهم يودون لغيرهم أن يشاركهم فيه، ويضحون من أجل ذلك. 

 لن يخبروك، لأنهم لا يريدون لأصحاب الحق فى أى مكان أن يأملوا، أن يؤمنوا بانتصار حقهم وإرادتهم، لا يريدون للشعوب أن تدرك قوتها، وأن تعلم مدى ضعف الظالمين مهما بلغت قوة جيوشهم، ومهما بلغت قدراتهم فى شتى المجالات، ومهما اشتد إجرامهم، ومهما طال زمان المقاومة، ومهما كان ضعف المظلومين. 

لن يخبروك أن الشعب كله فى أفغانستان يرفض المحتل، ويرفض من يتعاون معه، ومن يتهاون فى ذلك، الشعب يرفض الذل ومن يسوق له، يرفض الخضوع ومن يبيعه، يرفض الرضا بالأمر الواقع، ويسعى ويسعد بكل من يعينه على بلوغ مراده من الكرامة والحرية. فليس الأمر أمر طالبان أو غيرها، بل إرادة أمة تقف فى خندق المقاومة، وتتطلع للحرية.

لن يخبروك أن كل متعاون مع عدو شعبه، قد أصابه الرعب وقرر الفرار، فهم لا يأمنون إلا تحت حراب العدو، ولا يطيب لهم مقام إلا خائنين، وقد جعلوا رزقهم أن يكونوا خناجر غدر لأمتهم، فأنى يأمنون! لن يخبروك أن قوتهم على الأرض لم تصنع للخائنين وجودا، ولم تصنع لهم دولة، ولم تمد فى عمر نظامهم إلا أيامًا معدودات!

لن يخبروك حتى لا تزداد خسائرهم، لن يخبروك حتى لا تعى ولا تفهم حقيقة المعادلة، وهى أن الحرية فريضة، والسعى إليها واجب، والطريق إليها - مهما صعب وشق - فإنه مضمون النجاح.

ولن يخبرك غيرهم لأنهم - للأسف الشديد لا يعرفون من الأحداث إلا ما يتلى عليهم، ولا يتابعون إلا أخبارًا صنعت بمعرفة أعدائهم، ولا يطالعون من التحليلات إلا ما تسمح به وسائل إعلام الشيطان، لن يخبروك لأن تكرار الأكاذيب يوحى بصدقها، ويخدع العوام بأنها الحق.

لن يخبرك أحد أن بأس الظالم المعتدى إلى اندحار وهزيمة، وأن أقوى الجيوش لا تملك تغيير عقيدة فرد واحد، فما بالك بأمة بأكملها، لن يخبرك أحد أن ما حدث فى افغانستان هو مصداق قوله تعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة. ثم يغلبون) 

ولن يخبروك أنها حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، فلن يهدأ أصحاب الباطل ولن يستسلموا، ولكنها جولة، ومن بعدها جولات، سيلتفون كما تلتف الأفاعى، وسينفقون أموالهم ليصدوا عن الحق من جديد، بثوب جديد، ولغة جديدة، وأسلوب جديد. سينفقون أموالهم وجيوشهم من غير العسكريين- ربما - ليشوهوا صورة النصر، ويشوهوا المنتصرين.

لن يخبروك أن من حق الشعب الأفغانى أن يحكم بلاده كما يرغب، وأن يحيا حياته وفق ما يؤمن، ولن يخبروك ان هذا الحق المعترف به دوليا وقانونيا قد عاد لأصحابه. ولن يخبروك أنهم طوال كل هذه السنوات كانوا غزاة معتدين، يقتلون النساء والأطفال، ويستبيحون بلدًا وأهله ومقدراته، بغير ما سند من قانون أو شرع طبعًا.      

لن يخبروك بشيء من هذا، فانتبه، انتبه لما يلقى فى عقلك، ولا تردد ما أعد وصيغ فى مطابخ الطغاة، ولا تصدق كاذبا، ولا تأمن لعدو، (واقرأ باسم ربك الذى خلق).. (اقرأ وربك الأكرم)