شعبان عبد الرحمن

الوثائق السويسرية التي انفرد بنشرها موقع "عربي21" يوم الأحد الماضي 29  أغسطس، وتؤكد براءة جماعة "الإخوان المسلمين" من تهم زعزعة الأمن الأوروبي، تضع مصداقية السياسة والإعلام الأوروبي على المحك، خاصة أن الآلة الإعلامية الأوروبية توسعت في الحديث عما يسمى "خطة الإخوان لغزو أوروبا"، وهي الخطة المزعومة التي أحدثت توترا في أوروبا تحسبا لذلك الغزو الإخواني المزعوم، وتسبّبت في حالة من الغليان المجتمعي صاحبه تزايد الكراهية ضد المسلمين، ما أدى إلى وقوع العديد من الحوادث السلبية ضدهم في الشوارع والمتاجر والأماكن العامة.

وتحوّلت تلك الحملة الإعلامية إلى إجراءات عنيفة من قِبل بعض الحكومات الأوروبية بحق عدد من النشطاء المسلمين بدأت بالمداهمات الواسعة التي شنتها الشرطة النمساوية على مقرات ومنازل بعض الأكاديميين المسلمين هناك.

ولم تتوقف تلك الحملة العشوائية حتى أصدرت إحدى المحاكم النمساوية مؤخرا حكما يؤكد أن جماعة الإخوان لا تُعدّ "منظمة إرهابية"، وكان العدل والعقل والإنصاف يقتضي أن تتأنى الشرطة والسلطات النمساوية قليلا حتى يقول القضاء كلمته، لكن حُمّى العداء للإسلام والمسلمين ـ وفي القلب منهم الإخوان ـ تجعلهم يطلقون الاتهامات على عواهنها ويبنون عليها إجراءات تنتهك حقوق الإنسان وتخالف قوانينهم الطبيعية المعمول بها.

وقد تزامن حكم القضاء النمساوي مع ظهور هذه الوثائق السويسرية التي نحن بصددها وتبرئ جماعة الإخوان ومفوضها للعلاقات الدولية الأستاذ يوسف ندا، من تهم أمريكية بتمويل الإرهاب، وتنفي تلك الوثائق أي علاقة لندا وجماعة الإخوان المسلمين بـ"وثيقة غزو أوروبا"، المزعومة.

ومنذ أن نشر موقع "عربي21" تلك الوثائق المهمة، وقبل ذلك بأيام صدور حكم القضاء النمساوي ببراءة الإخوان من الإرهاب، وصدور تقرير البرلمان البريطاني قبل سنوات مبرئاً جماعة الإخوان من نفس التهمة، بل ومعلناً أن جماعة الإخوان تمثل "حاجزا ضد الإرهاب"، لم تخرج الآلة الإعلامية الغربية عموما بكلمة اعتذار واحدة لجماعة الإخوان والأستاذ يوسف ندا، وذلك وفق أصول العدالة والإنصاف واحتراما لمصداقيتهم التي صدعوا رؤوسنا بها، لكنهم لم يفعلوها، وتلك خصلتهم وسلوكهم في ما يتعلق بحقوق المسلمين بالذات.

وبالتالي فمن حق جماعة الإخوان، والأستاذ يوسف ندا، وكل من أضيروا بسبب "وثيقة غزو أوروبا" المزعومة التقدم بقضايا أمام المحاكم الأوروبية لرد اعتبارهم الأدبي ولحفظ تلك الوثائق والأحكام القضائية للتاريخ ولتمثل شهادة دامغة على عشوائية الاتهامات الكيدية، وحتى يرتدع من يحاول تكرار مثل تلك الاتهامات الجزافية.

إن أوروبا التي سقطت في اختبار العدالة اليوم سقطت في ميادين أخرى عديدة تتعلق بحقوق المسلمين هناك، فقبل عدة أسابيع سقطت أوروبا أمام حرية اللباس كحق من حقوق البشر حين قضت "محكمة العدل الأوروبية" بأن منع ارتداء الحجاب في العمل "ليس تمييزيا ويجنب النزاعات الاجتماعية"، بينما يظل سب الرسول صلي الله عليه وسلم حرية وحقا من حقوق الإعلام وتظل ممارسة الشذوذ والزواج المثلي حقا يجب صيانته، بل ويطالبون الأمم المتحدة بسن قوانين لحمايته!

لقد بات جزء من الغرب موغلا في ممارسة ازدواجية المعايير ضد كل ما هو إسلامي على الصعيد الاجتماعي والسياسي والحيوي، ومجسدا عداءه الفج للإسلام والمسلمين، وليس ذلك ـ أبدا ـ بسبب ما يحمله الإسلام من عنف وتطرف وإرهاب كما يزعمون ويروجون، بمساعدة ذلك الطابور الخامس في بلادنا، ولكن لتيقنهم من أنهم مقبلون على "موات اجتماعي ومجتمعي حتمي"، وأن الإسلام هو الحاكم القادم لبلادهم بمحض إرادتهم، ولذلك يكرهون الإسلام وكل ما هو إسلامي ويحاربون كل من يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك أسباب مهمة ينبغي التوقف عندها لإعادة النقاش حول السؤال المتجدد: لماذا يكرهون الإسلام؟ ولماذا يحاربون الإخوان المسلمين؟!