د. عز الدين الكومي

إن ما يجري في مصر هذه الأيام ما هو إلا حالة من الفاشية العسكرية غير المسبوقة . 
فالنظام يَصِمُ كل من يعارضه أو يخالفه أو لا يؤيده في جرائمه بأنه إخواني إرهابي ، حتى لو كان مسيحيًّا أو من كارهي الإخوان ! .
وهكذا هو حال أي نظام فاشي، يعتبر حفظ أمن النظام والاستقرار الداخلي من المُسَلَّمات، وهي أسطورة قديمة معروفة منذ الحقبة الناصرية، وقائمة حتى اليوم فى ظل النظام العسكري الفاشي . 
ومعلوم أن من أهم سمات النظم الفاشية:  تقديس الزعيم  باعتباره هو الدولة، وأى انتقاد له هو بمثابة انتقاد للوطن والدولة بأكملها ! .
لأن القائد المهلم والزعيم الأوحد والعسكري الفاشل الفاشي هو من يضع الرؤية لحياة الشعب ! ويحدد له ما يفعل وما لا يفعل !! .  
وتقوم الأجهزة الأمنية والشرطية فى النظم الفاشية بمهمة واحدة فقط هي حماية كرسي الزعيم ونظامه الحاكم، وليس حماية الوطن، لذا  تقوم هذه الأجهزة بنشر الخوف والرعب فى نفوس المواطنيين .
ويعتمد النظام الفاشي على الآلة الإعلامية التى تمجد الطاغية صباح مساء ، وتتحدث عن إنجازاته الوهمية فضلا عن التحذير من المخططات والمؤمرات التى تحاك ضد الوطن  وأنه لولا الزعيم الملهم لأصبحت مثل سورية والعراق ! . 
وقد حدث قبل يومين وبقرار فاشي من الدكتور "محمد المحرصاوى" رئيس جامعة الأزهر  .. إعفاء الدكتورة "نجوى شتا" أستاذ الفقه من منصبها كعميدة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية ، بعد 24 ساعة من قرار تعيينها ، وتم تكليف الدكتورة "سعيدة محمد صبح" للقيام بعمل عميد الكلية بدلاً منها؛ بزعم أن الدكتورة "نجوى شتا" لها أفكار سياسية معادية للدولة المصرية، وكانت تعمل على نشر أخبار كاذبة لاتمت للحقيقة بصلة.
كما أن  بعض "المواطنيين الشرفاء" من رواد مواقع التواصل الاجتماعي نشروا لها منشورات منسوبة إلى حسابها تعود إلى شهر سبتمبر عام 2013 ، تشير إلى انتمائها إلى جماعة الإخوان المسلمين وأنها كانت رافضة لمجزرتَيْ رابعة والنهضة  .
وأعتقد أن أي إنسان عنده ذرة من الإنسانية يرفض ماحدث فى رابعة والنهضة من مذابح ومجازر يشيب من هولها الولدان !! . 
وهذا السلوك الفاشي يخالف ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي وقعت عليه مصر  . 
فقد نصت المادة 19 من الميثاق على أنه : "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود .
كما أنه يخالف البند الأول والثاني من المادة 20 والتي نصت على أنه : ١_ ( لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون في حرِّية .
2- لكلِّ شخص بالتساوي مع الآخرين حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده .
كذلك فإنه يخالف نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، فقد نصت المادة 19 منه على أنه : 
1-  لكل إنسان الحق في اعتناق ما شاء من آراء دون مضايقة.
2-  لكل إنسان الحق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها .
3-  تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة ، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية :
( أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.) 
كما نصت الماد 65 من دستور العسكر لسنة 2014 على أن حرية الفكر والرأي مكفولة ، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر .
وبمقتضى الدستور والمواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر فإن حرية الرأي والتعبير تنطوي على حقين ضروريين : الأول حق" حرية الرأى" والثانى  حق" حرية التعبير عنه" ولا يمكن الفصل بين الحقين أو ممارسة أحدهما دون الآخر .
فهل بعد هذا الكلام يفصل إنسان من وظيفته بسبب شكاوى كيدية بأن هذا الشخص أو ذاك يتبنى أفكاراً أو آراءً معينة؟ طالما أن هذه الأفكار لاتنطوي على فكر يحض على الإرهاب أو الكراهية أو يعرض أمن البلاد للخطر؟ !!. 
فكيف والحالة هكذا ونحن أمام قامة علمية مثل الأستاذة الدكتورة أستاذة الفقه الإسلامي والتي تم اختيارها لتميزها في مجالها ونجاحها في عدد من الوظائف السابقة التي شغلتها .. كيف يلغى تعيينها لأنها رفضت مذبحتي رابعة والنهضة؟!!
ولله در القائل الذي يصف الأوضاع في ظل الفاشية قائلا :
ينامُ السارق في بلدي بلا قلق
ويكسب السياسي المال بلا عرق
وينامُ المسئول الفاشل بلا أرق
لأن القانون في بلادي حبرٌ على ورق