اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فى الكثير من الأمور، شأنهم فى ذلك شأن كل البشر، فمن المستحيل على أى مجموعة من الناس مهما قل عددهم أو كثر أن يحدث منهم إجماع فى الرؤى والتصورات فى كل الأمور والتفاصيل، لكن الصحابة الكرام رغم اختلافهم فى حياة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، أبدًا لم يتفرقوا، فهذا عبد الله بن مسعود يسمع عثمان بن عفان رضى الله عنهما جميعًا يأمر الناس بإتمام الصلاة فى منى، فقال عبد الله بن مسعود: أيها الناس أشهد أنى صليت مع رسول الله صلى الله عليه سلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنى ركعتين، لكنه مع ذلك، يصلى خلف عثمان، ويتم الصلاة أربعًا! فلما سئل عن ذلك قال: {يا هذا، إن الخلاف شر}.

ولقد توفر للصحابة الكرام آلاف الأسباب ليختلفوا ويتفرقوا، فمن عداوات الجاهلية وحزازاتها، والطبيعة القبلية وحدتها، وحمية الصحراء وحريتها المفرطة، وعدم تعودهم على سلطان مدنى يخضعون له، ويسلمون لأمره، وقد حدث بالفعل شجارات بين الأوس والخزرج، وبين المهاجرين والأنصار، ولقد تلك الأحداث مشكلات حقيقية مادية. يمكن أن تدمر مدنيات، وتهدم حضارات.

ولم تقتصر الخلافات على المناوشات والشجارات، بل قد اختلف الصحابة فى فهم الأمور وتقديرها، وفى ترتيب الأولويات، واختيار الوسائل، فقد اختلفوا -على سبيل المثال- فى فهم أمره صلى الله عليه وسلم: {لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة}، بل وفى تطبيقه أيضًا كما هو معلوم، لكنهم قاتلوا كتفًا بكتف، صفًا واحدًا، فى بنى قريظة، ولم يؤثر ذلك فى وحدتهم وجماعتهم.

وقل أن اتفق أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- فى أمرٍ من أمور الشورى المعروضة عليهم، حتى خاطبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: {لو اتفقتما على أمر ما خالفتكما}. وفى ذلك إشارة لندرة اتفاقهما، ولم يكن لذلك كله أثر فيهما، إلا الأخوة الصادقة، فى صورتها الأسمى ومثالها الأعلى، متمثلة فى كل التقدير والحب وحسن الظن والإيثار فى جد المواطن وفاصل الأحداث، يظهر ذلك جليًا بين الكبيرين أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما- فى موقف السقيفة، حين قال أبو بكر: ابسط يدك أبايعك يا عمر! فقال: بل ابسط يدك أنت أبايعك! أنت أفضل منى، فقال أبو بكر: أنت أقوى منى، فقال عمر: قوتى إلى فضلك. 

هكذا وبهذه القيم الأهم تستمر الحياة الطيبة، هكذا تتضاعف البركات والخيرات عند الناس، هكذا يخنس الشياطين، هكذا يعمل الناس لنصرة هذ الدين، هكذا تتفجر الطاقات، هكذا تعالج المشكلات، بل تموت فى مهدها، وربما قبل أن تولد، هكذا يريد الإسلام من أبنائه الأبرار أن يربوا أنفسهم وأهليهم، ويرتبوا مؤسساتهم ومجتمعاتهم، ويرتبوا أولوياتهم، ويرتبوا عقولهم ومعارفهم.   

يربى الإسلام أبناءه الأبرار على قوله تعالى: {واعتصموا بحل الله جميعًا ولا تفرقوا} {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا}  

ويتطلب ذلك من الفرد أن يحمل نفسه على مراد الله حملًا، ويكرهها على ما يحب مولاه، ولا يستجيب لنفسه ولا لشيطانه حين يضلانه، وحين يريدانه ويغريانه عن أمر الله، يتطلب من الفرد أن يكون رجلًا صحيح الرجولة، يجتهد فى إصابة الحق، ويتوب ويعتذر حين تزل قدمه، لا يعرف الكبر إليه سبيلًا، ولا يشغله غير اكتساب المحامد عند الله، يقدم لحياته، ويرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، بل لا يرى لنفسه حقًا، ويرى لإخوانه كل الحقوق.

حين تجد فى نفسك أخى الكريم هذا النموذج القرآنى النبوى الكريم، حينها، وحينها فقط سوف ينتصر الحق، ويهلك الظالمون، حينها سيسود هذا الدين الدنيا بأسرها، ويهتف الناس جميعًا باسم الله، وتشرق شمس الإسلام من جديد.