وائل قنديل

قبل يومين فقط من إعلان اللاعب المصري البريطاني، محمد الشوربجي، تمثيل انجلترا في بطولات الإسكواش، كان مذيع تركي آل الشيخ والسلطات السعودية، عمرو أديب، يتخذ قرارات حاسمة على هواء الفضائية السعودية مباشرة، بتجريد عدد هائل من المصريين المعارضين في الخارج من جنسيتهم، واعتبارهم، حسب قوله، غير مصريين، وإنما أعداء وخونة لا يستحقون المشاركة في الحوار الوطني، بل لا يستحقون الحياة أصلًا.

قبل سنوات قليلة، كان رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، يهوي بكفه على المساحة الواقعة بين أسفل قفا عمرو أديب وأعلى ظهره، معلنًا تعيينه مذيعًا في الفضائية التابعة له، مطلقًا صيحته التي صفعت الجميع "اللي بعده".

منذ ذلك الوقت، لا أحد يعلم بلسان من يتحدّث "أديب الأصغر"، بلسان النظام المصري، أم السعودي. وبالتالي، قرارات معاليه بسحب الجنسية عن المعارضين المصريين، هل تعكس اتجاهات الحكومة المصرية أم السعودية، غير أن ما نعلمه جيدًا أن أحدًا من المعارضين المصريين، في الداخل أو في الخارج، لم يبتسم بسعادة بلهاء، وهو يستقبل كفّ مسؤول الترفيه السعودي على المنطقة الموصوفة أعلاه، بالتزامن مع قرار تجريد جزيرتي تيران وصنافير من هويتهما المصرية، ومنحهما للمموّل السعودي.

مثلما فعل عمرو أديب فعلت زوجته المذيعة لميس الحديدي في العام 2014، حين طلبت من أمير قطر بأن يسلم سيادتها مجموعة المعارضين الخونة الموجودين في الدوحة، إذا كان جادًا في موضوع المصالحة مع دول الخليج وتوابعها، محددًة مجموعة من الأسماء، قائلة "هؤلاء أنا ما بطلبهمش لحلاوتهم".

في ذلك الوقت، تساءلت: هل هذه المذيعة جزء من نظام الحكم بنص الدستور، أو بقرار جمهوري، أو حتى بانقلاب؟ هل هي جزء من السلطة، أم هي السلطة ذاتها، وهل هي سلطةٍ أولى أم تشتغل في السلطة الرابعة (الصحافة) أم ناطقة باسم السلطة؟ إذا حدث وقرّر المعارضون للسيسي العودة إلى مصر، فمع من يتحدّثون، وإلى أي سلطةٍ يسلمون أنفسهم، هل يسلمون أنفسهم للميس الحديدي أم إلى وزير الداخلية، أم لوزارة الدفاع مباشرة، أم أن هذه السيدة تختزل كل هذه السلطات في شخصية واحدة؟ 

الشاهد أن هذه الهستيريا المغلفة بقماشةٍ من الوطنية المبتذلة مشتعلة منذ سنوات طويلة، مع اعتماد إقصاء المخالفين والمعارضين واستباحتهم منهجًا للحكم وأسلوبًا للحياة، بعد أن فتح المجال أمام جحافل من الفاشيست الكبار والصغار لممارسة التشبيح والبلطجة، الإعلامية والسياسية، ترتكب يوميًا ممارسات مجرمة قانونيًا، وهي مدركة تمامًا أنها في مأمنٍ من أي عقاب، بل تنهمر فوقها المكافآت والجوائز كلما توحشت واستشرست أكثر، إذ بات كل من هؤلاء يتصوّر أنه الوطن شخصيًا، أو بالحد الأدنى واحد من كهنة معبد الوطنية، يحمل مفاتيحه، ويمتلك سلطات سحب الجنسية، ومنح شهادات الصلاحية وأوسمة البطولة.

وجدت هذه اللوثة في موقعة لاعب الاسكواش مجالًا للتعبير عن ذاتها بأقبح أساليب التعبير وأبشعها، فرأينا كثيرين يقفزون للسباحة في بحيرة الوطنية المغشوشة، نسي بعضهم أن يرتدي المايوه، من شدّة وطنيته، فقفز عاريًا من أي منطقٍ أو أي قيمةٍ محترمة، على النحو الذي صنع تيارًا كاسحًا من السخرية، لو أن هناك من يحسّ أو يعقل في هذا النظام لاستشعر الخطر من تنامي الرغبة العامة في الفرار من هذا الوطن المحشور بين أنياب صقور الوطنية الرخيصة.

ويدهشك أن الذين يعطون دروسًا في الوطنية، وينصبّون أنفسهم حاملي أختام ومانحي صكوك الانتماء للوطن، هم أنفسهم الذين حوّلوا الوطن من كيان مقدّس، زمانياً ومكانياً، إلى ما يشبه الأكشاك على الطرق السريعة، يبحث عن الربح، بأي وسيلةٍ وتحت أي شرط، يتكسّب من نقل الغاز الصهيوني وتسييله، أو استضافة الحفلات الصهيونية، أو تهريب الآثار لمن يدفع، أو بيع جزر استراتيجية، بينما فيلق حماة الوطن من إعلاميين كذبة، يهلّلون على شاشات التلفزيون للإنجازات غير المسبوقة، ويهتفون تحيا مصر .. وهذا يكفي لكي يحميهم من أية مساءلةٍ على جرائم ترتكب يوميًا.

المصدر: العربي الجديد