إن كل فرد تساهم في صقل شخصيتهِ الإنسانية والاجتماعية مجموعة عوامل تحيط به، حيث إن مسار التربية الصحيح، يعتمد أيضاً على تأثير العوامل الثقافية، والتعليمية التي توجد داخل العائلة الواحدة، لما لها من دور مهم في تنمية شخصية كل فرد.

والتربية الصالحة لا تُجنى ثمارُها في الدنيا فحسب، أو تقتصر فعاليتها على الفرد وحده، وإنما للآباء جزاء كبير عند الله في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يجني المجتمع بأسره ثمار صلاح تربية الأبناء، الذين ينفعون أنفسهم وأهليهم، ويرفعون مراتبهم، أما في الآخرة فنعم الجزاء، إذا كانت النية خالصةً لله- سبحانه وتعالى وتتمثل علامات التربية وأثرها على المجتمع في النقاط التالية:

  • التلاحم والترابط بين الأفراد وقت المحن والصعاب. 
  • علو الشعور بالأخوة والمحبة بين أفراد المجتمع لدفع البلاء وجبر المحن. 
  • سمو روح التضحية والبذل بين أفراد المجتمع وقت المحن والصعاب التي تقع على الأفراد. 
  • التكافل والتضامن سواء كان معنويًا أو ماديًا، ولقد ظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآثار القرآنٌية والأحادٌيث النٌبوٌية منها قوله سبحانه: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (التوبة: 71). 
  • التسامح والتناصح، لأنه من حق الأخ على أخيه المسلم أن يبصره وينصح له؛ إبقاءً على حق الأخوة، ودفعًا للأذى عن أخيه وعن المجتمع كله. 
  • رعاية الحقوق وأداء الواجبات، فالمعلوم أن المجتمع مكون من راع ورعيته، ولكل منهما واجبه وحقه، وأكثر من في الأرض مطبوع على إهمال الواجبات ومطالبة الحقوق. 

معايير التربية الصالحة 

تترتب علامات التربية على عدد من المعايير والأهداف السامية التي تؤدي إلى صلاح النشء، وهي على النحو التالي:

  • الأبوان هما عمود البيت، فإن صلحا صلح أبناؤهم بالضرورة، لذا لا بُد من حُسن اختيار الزوج لزوجه والزوجة لزوجها ، حتى يتمكنا من ترسيخ دعائم الشريعة الإسلامية في تربيتهم إلى أبنائهم.
  • توجيه الأبناء منذ نعومة أظفارهم إلى ما يرضي الله ورسوله، بأسلوب ترغيبي، لا ترهيبي، فالحكمة في إكساب الأبناء السلوكيات الحميدة، والقيم الجليلة، مع إقناعه التام بفعل ذلك؛ لأنه الأصلح إليه، والحذر كل الحذر من تخويف الأطفال، وتعنيفهم لفعل شيء غير مقتنعين به.
  • مراعاة التوجيهات التي تتناسب مع الفئة العمرية للأبناء، فلكل عمر طريقة في التعلم، وأسلوب في الإقناع، وبالتالي تفاوت في سرعة الحصول على نتيجة التربية.
  • التدرج في التربية، فلا يُمكن إكساب الأبناء كل شيء صالح دفعة واحدة، وإنما ينبغي التدرج في تعليم الفضائل، حسب ما يتناسب مع كل فئة عمرية، بالإضافة إلى مراعاة البدء بالتوجيهات اليسيرة.
  • ثمة أسس لا يمكن التغافل عنها، أو التهاون فيها، مثل الفروض الأساسية، كالصلاة على سبيل المثال، فيتم تعويد الطفل على تأديتها شيئًا فشيئًا، حتى يتقنها تمامًا، وتصبح أساسًا ملازمًا له.
  • تعويد الأبناء على التعبير عن آرائهم في نطاق الأدب، والأخلاق، وتعاليم الدين الإسلامي.
  • الصحبة الصالحة تحفز الفرد على صلاحه، وهدايته، وتبني الأخلاق الفاضلة في كل قولٍ وفعل، وبالتالي يتحقق صلاح المجتمع بصلاح أفراده، وتمسكهم بالقيم الفاضلة.
  • يجب البعد في تربية الأبناء عن الإهانة والتحقير، سواء أمام الآخرين، أو حتى من دون وجود أحد إلا هو.
  • الحرص على قطع حبال البعد والخوف، بين الأبناء والآباء، له أسمى دور في تحقيق الأهداف المنشودة، والخروج بجيل معافى عقليًّا، وأخلاقيًّا، ودينيًّا، وفكريًّا، واجتماعيًّا.
  • حسن التصرف حين الخطأ، والتفريق بين اقتراف الخطأ لأول مرة، وتكرار اقترافه، فلا عيب من الوقوع في الخطأ بحد ذاته، وإنما العيب يكمن في تكرار الخطأ نفسه، دون التعلم منه، وجعله نقطة تحول إلى الأفضل.
  • الاعتدال أساس تكوين أبناء أسوياء؛ فالإفراط في التدليل خطأ فادح، ينعكس سلبًا على علاقة الأبوين بأبنائهما، وأضراره تفوق نفعه بمراحل، والشيء ذاته في الجدية التي تفوق الحد، والتشدد في التربية، ومن هنا وجب التفريق بين أوقات التدليل، والأفعال التي تستدعي وقفة حازمة، من دون تهاون.
  • تعويد الأطفال على عدم التكبر، سواء أكان بين إخوتهم، أصدقائهم، أقاربهم، والأهم عدم التكبر في مساعدة الأم أو الأب في شتى مسئولياتهم، فمسئولية إدارة شئون البيت تقع على كاهل الجميع، فهي مسئولية جماعية.
  • العدل والمساواة من أهم دعائم التربية الفاضلة.
  • ضرورة الفصل في المضاجع بين كل من الذكور والإناث من الأبناء.
  • تعليم الأبناء أركان الإسلام، والإيمان، والإحسان، وتحري تأدية كل منهم على الوجه الأكمل.
  • مراقبة رب العباد في كل وقت وحين، فهو يعلم الظاهر والباطن، ولا تخفى عليه خافية.
  • تربية الأبناء على التفكر في صنع الله- سبحانه وتعالى- والتحلي بذكره- جل علاه- في كل وقت.
  • الترغيب في فعل الصالحات، وحب الخير للجميع، والترهيب من اقتراف الآثام، صغيرها، وكبيرها.
  • مراعاة تربية الطفل وفق منهجية منظمة ومتكاملة، حيث التكامل الديني والدنيوي، من خلال حفظ القرآن المجيد، والأحاديث النبوية الشريفة، والاطلاع على التفاسير، وغيرها الكثير، والتقرب إلى الله بفعل الخير، والصدقات، وعدم تغافل طفرة التكنولوجيا الهائلة التي يشهدها العالم.
  • الحرص على بر الوالدين، وطاعتهما فيما يرضي الله ورسوله.

إن علامات التربية تظهر بوضوح في المحن والمصائب التي يتعرض لها الإنسان والمجتمع على السواء، فتحفظ الإنسان من الإحباط والمجتمع من التخاصم والشتات والانهيار، لذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بالتربية الصالحة التي تظهر في المواقف الصعبة وعند البلاء.