بقلم: شعبان عبد الرحمن

الكارت الأصفر الذي رفعه الحكم المكسيكي ضد لاعب المنتخب المغربي بدلا من أن يحتسب له ضربة جزاء مستحقة -وفق خبراء الرياضة كافة- يلخص لنا الحالة التي يتم التعامل بها معنا ومع قضايانا، نحن العرب والمسلمين!
"كارت أصفر" إذا تم اجتياز خطوط الفقر والتخلف المرسومة وخطوط التخلف الصناعي والزراعي والتنموي. و"كارت أصفر" عند الاقتراب من امتلاك القدرات العسكرية والتقنية النووية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح. نعم "كارت أصفر" لمن يقترب من تحقيق النهضة الشاملة بجدارة! وما جرى للعراق شاهد.

ما جرى في منافسات "المونديال" يختصر ما يجري في العالم كله من مسابقات يحتكر الفوز بها أولئك الذين احتكروا كل شيء على وجه الأرض، بالجدارة أحيانا وبالقوة وبالرشوة أو بتجنيد العملاء أو شراء العلماء أحيانا أخرى.. المهم الحفاظ على احتكار المركز الأول، وإن فلت أحد من بني جلدتنا أو مما يسمى بـ"العالم الثالث"، فذلك ذرا للرماد في العيون وكسرا لرذيلة الاحتكار.
راجع سجل الفائزين بنوبل في شتي التخصصات والمجالات، ستجد أن أغلبهم من الجنس الأبيض. نعم، فهم يستحقون بجهودهم وعلومهم وجدية أبحاثهم، لكن -وذلك مربط الخلاف-، هناك علماء آخرون يعملون في ظروف صعبة وإمكانات قليلة ويحققون المرتبة نفسها، لكن حظوظهم في الفوز بـ"مونديال" نوبل تكاد تكون منعدمة، ولئن فلت واحد منا يكون خريجا لجامعاتهم ويعمل على أرضهم، حتى تظل الأرض أرض السادة، ولذلك انعكاس نفسي خطير على البشر؛ إذ يظل مطبوعا في النفس البشرية من أقصى الكرة الأرضية لأقصاها أن الجائرة لهم لأنهم السادة، ويظل مطبوعا في النفس أن التفوق لهم وأننا درجة أدنى، ولئن تجرأ شخص في أي مجال على أن يطاول قاماتهم ويتفوق عليها، يتم القضاء عليه وإنهاء تجربته فورا، بل وجعلها عبرة لمن يعتبر. أيضا إنه السباق المحموم؛ سباق التسلح، وسباق الأبحاث العلمية والأدبية والاجتماعية، وسباق الاختراعات العلمية وما يرصد لها من جوائز عالمية.
هكذا رفعوا الكارت الأصفر لعلمائنا الكبار في الطاقة النووية وتكنولوجيا الصواريخ: يحيى المشد وسميرة موسى وسعيد بدير، حيث تم قتلهم في ظروف درامية ضبابية، لم يتم الكشف عن حقيقتها بعد.
ورفعوا الكارت الأصفر للتجربة المصرية الانتخابية الناجحة، التي وضعت مصر على طريق الحرية والتحرر والنهضة، وتخلصوا من الرئيس الشهيد محمد مرسي وأعادوا الشعب المصري إلى ما هو عليه الآن.. والحال أبقى من المقال، وكذلك اعترافات كبار الذين شاركوا في المهزلة!
ورفعوا الكارت الأصفر للتجربة التونسية الرائدة في الحرية والتحرر، ويعملون اليوم على إدخالها في النفق المظلم.
والمبدع والمحزن في آن واحد، أن التخلص من تجاربنا الناجحة وعلمائنا الأفذاذ وقادتنا الكبار وفرقنا الرياضية المبهرة وحركاتنا الإسلامية صانعة النهضة، لم تتم بأيدي الاستعمار ولا بأمواله، وإنما فقط بإصدار الأوامر للطابور الخامس بيننا من تلامذة المعلم يعقوب، لينفذوا المطلوب من قتل وانقلابات وبيع للأرض والعرض، ووضع الأجندة تلو الأجندة لإذلال الشعوب.
وبعد..
لا أدري -صراحة- ما الذي سيحدث للمنتخب المغربي المبدع والأسطورة بعد كل ما حققه من منجزات تاريخية في الملاعب، خاصة عندما يختتم كل إنجاز بالسجود الجماعي لله على أرض وأمام العالم، حتى تم تلقيبه بمنتخب الساجدين، وهي المرة الثانية التي تطلق على منتخب عربي يحقق إنجازات تاريخية. ففي المرة الأولى تم إطلاق هذه التسمية على المنتخب المصري لكرة القدم بقيادة حسن شحاتة، وفجأة بدلا من تكريم الرجل، تم استبعاده دون أن يدري ما السبب -كما قال-، ولم يعد المنتخب بعدها يركع ولا يسجد لله في الملاعب، فاختفت شمس البطولات مع اختفاء حسن شحاتة، وأشعر أن الله سيعوضه بتكرار التجربة مع المنتخب القطري.

وبناء عليه، لا أدري حقيقة ماذا سيحدث لهذا المنتخب المغربي صانع المعجزة، الذي تفوق على فرنسا -صاحبة التاريخ الاستعماري والاستعبادي الأسود لأفريقيا-، وأحرجها وكاد يفوز عليها بجدارة أمام رئيسها، لولا تجاهل الحكم ضربتي جزاء.
ولا أدري كذلك ماذا سيحدث لمدرب الفريق المغربي العظيم "وليد الركراكي"، الذي وصل بالمنتخب المغربي لهذه المرتبة. أتخوف؛ فقد ضرب الرجل احتكار العالمية للكبار، وأكد أننا يمكن أن نصل للعالمية بأدوات وإمكانات محلية، أي يمكننا صناعة النهضة والتفوق على الرجل الأبيض واعتلاء عرش المقدمة، بإمكاناتنا وعلمائنا ودون حاجة للاستيراد.
ولا أدري ما الذي يمكن أن يحدث لقطر بعد نجاحها الاستثنائي في تنظيم المونديال وإخراجه نظيفا من فكر العنصرية، ومنعها كل ما يخاصم ثقافتنا وقيمنا، ومنع الجماهير الإنجليزية من حمل شعارات ورسومات الحروب الصليبية البغيضة، والإصرار على إبراز قيم الإسلام وشعائره ومثله للعالم أجمع، عبر ترديد الأذان في الملاعب وعبر فرق التعريف بالإسلام بطريقة حضارية، وإخراج المونديال بصورة نموذجية لم يسبقها مثيل: تنظيما وتأمينا وتوفيرا لكل سبل الراحة للجماهير. صورة استردت بها الشعوب العربية الإسلامية ثقتها في نفسها وقدراتها على صناعة المعجزات.

المصدر عربي21