يستدعي المتابعون لمحاولة الانقلاب على الرئيس البرازيلي المنتخب، لولا دا سيلفا، بعد أيام من مباشرته مهام منصبه، ما جرى في واشنطن فور الإعلان عن هزيمة دونالد ترامب أمام منافسه عن الحزب الديمقراطي جو بايدن.

الشعارات متطابقة في الحالتين، إذ يردّد أنصار الرئيس المهزوم العبارات ذاتها تقريبًا، ويسوّقون الحجج نفسها في تبرير اقتحام مؤسسات الدولة السيادية لمنع الرئيس الجديد من ممارسته سلطاته، خوفًا على الوطن من الانهيار، وإنْ كانت مشاهد الاقتحام في الحالة البرازيلية أكثر عنفًا واتساعًا إذ طالت الاقتحامات القصر الرئاسي، والمجلس التشريعي ومؤسّسات أخرى.

تختلف الحالة البرازيلية أيضًا في أن الجيش وقف ساكنًا أمام الاعتداءات التي وصفت بالفاشية والإرهابية التي شنّها أنصار الرئيس الخاسر بولسونارو الذي فرّ بعد إعلان نتائج الانتخابات إلى فلوريدا في الولايات المتحدة.

لفت صمت الجيش على المحاولة الانقلابية التي أحبطتها مؤسساتٌ أمنيةٌ أخرى في البرازيل الأنظار، وأثار التساؤلات في الدوائر الإعلامية الغربية التي ذهبت إلى أن علامات استفهامٍ تفرض نفسها، بالنظر إلى عدم ردع الجيش هجوم أنصار المرشّح الخاسر على قصر الرئاسة والمحكمة العليا ومؤسسات الدولة، أخذًا بالاعتبار أن الجيش كان باستطاعته وأد هذه المحاولة بحيث لا تتطوّر الأمور إلى المشاهد المؤسفة التي استرعت أنظار العالم، ولاقت إدانات واسعة من دول وهيئات دولية عدة.

الراجح من التفسيرات هنا أن المؤسّسة العسكرية اختارت أن تمارس ابتزازًا على الرئيس الجديد، بحيث تزيد من الأوراق التي تحملها، وهي بصدد التفاوض مع الرئيس بشأن أوضاع الجيش. ويشار هنا كذلك إلى أن الانقلابيين، وفور إقرار نتيجة الانتخابات، اختاروا أماكن أمام مراكز الجيش ومقارّه لقطع الطرق وتنظيم وقفات، متوجّهين بالنداء إلى المؤسّسة العسكرية لتخليص البلاد من حكم الرئيس المنتخب الذي لم يكن قد تسلّم منصبه رسميًا بعد.

اختار المنخرطون في مشروع الانقلاب على الديمقراطية البرازيلية لأنفسهم اسم"جبهة إنقاذ البرازيل" من الرئيس الفقير ذي اللحية، الذي انتقل من الزنزانة، سجينًا للقصر رئيسًا للبلاد، والذي قاد مشروعًا ناجحًا لنهضة بلاده عدة سنوات، قادتها إلى أن تكون ثامن أقوى اقتصاد في العالم، حتى قرّرت الدولة العميقة أن تقضي على تجربته، وتستردّ هيمنتها على ثروات البلاد.

فور انتخابه مجدّدًا، قال دا سيلفا: "حاولوا دفني حيا، وأنا الآن هنا لحكم البلاد، في موقفٍ صعب للغاية، لكنني متأكّد من أننا، بمساعدة الناس، سنجد مخرجا ونستعيد السلام"، وأنه "لم يواجه مرشحا وإنما واجه آلة الدولة الموضوعة في خدمة المرشّح"، في إشارة إلى المنتهية ولايته بولسونارو. "لقد وصلنا إلى نهاية واحدة من أهم الانتخابات في تاريخنا، انتخابات وضعت مشروعين متعارضين للبلاد وجها لوجه، وهذا اليوم له فائز واحد وعظيم، الشعب البرازيلي".

يكاد ما يجري مع دا سيلفا يتطابق مع ما جرى قبل عشر سنوات مع صديقه المصري الذي استقبله في برازيليا، الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي كان يطمح إلى اجتراح المعجزة البرازيلية في بلاده، لولا أن الذين حاولوا، وفشلوا، في الإجهاز على دا سيلفا هذه الأيام نجحوا في العملية نفسها، بتفاصيلها الكاملة، قبل عشر سنوات في مصر، ولم يكتفوا بعزل الرئيس المنتخب بالقوة، وسجنه، بل قتلوه وهو الأسير لديهم، من دون محاكمة حقيقية.

الذين فشلوا في دفن لولا دا سيلفا حيًا نجحوا في ذلك مع مرسي، ليسقط صريعًا في قاعة محاكمة عبثية محرومًا من العلاج، وهو المريض، ومن الكلام والدفاع عن نفسه وهو المظلوم. .. على ضوء ذلك، من الظلم اعتبار ما يحدُث في برازيليا الآن منقولًا مما حدث في واشنطن على يد أنصار ترامب قبل أكثر من ثلاث سنوات، ذلك أن الملكية الفكرية لهذا الاختراع الانقلابي الذي يحرّكه الجيش من وراء ستار، ثم ينقضّ على حصاده في اللحظة المناسبة، هي ملكية حصرية لمشروع 30 يونيو (2013) في مصر. وبالتالي، لا يمكن النظر إلى المحاولة البرازيلية بوصفها ابنة للمحاولة الأمريكية، فكلتاهما انتحالٌ للتجربة المصرية البائسة، بكل تفاصيلها من مهاجمة قصر الرئيس في مصر الجديدة ومحاولة خلع بواباته ومحاصرة المقرّ التشريعي وقطع الطرق والتعدّي على المؤسسات. .. وعليه، من الظلم أن يتجاهل أحد الريادة المصرية في هذا المجال، إذ تؤكد كل الشواهد أن انبعاثات التجربة الانقلابية المصرية أحدثت تغيراتٍ كارثيةً على بيئة الديمقراطية على مستوى العالم كله.

لماذا فشلت المحاولة الانقلابية في البرازيل، على الأقل حتى الآن، بينما نجحت في مصر؟ هذا سؤال ينبغي أن يطرحه كل أطراف التجربة المصرية المجهضة على أنفسهم، ويبحثوا له عن إجاباتٍ بعد عشر سنوات من الضياع. 

المصدر: العربي الجديد