يواجه الجنيه المصري ضغوطا شديدة، تدفعه إلى مزيد من التراجع، وسط أنباء حول موافقة البنك الدولي على الدخول في شراكة جديدة مع مصر مدتها 4 سنوات، تستهدف تمويل مشروعات بقيمة 7 مليارات دولار، لدعم اقتصاد الدولة على الصمود والتنمية الخضراء، وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى رقم غير مسبوق، ببلوغه 40 جنيها مقابل العملة الأمريكية في العقود الآجلة.
رصدت وكالة بلومبيرج التراجع في قيمة الجنيه للعقود الآجلة، بعد زيادة الفجوة بين سعر سهم البنك التجاري الدولي -أكبر البنوك الخاصة محليا- ببورصتي القاهرة ولندن، تظهر شحا في الدولار، متوقعة انخفاضا قريبا في قيمة الجنيه، عقب تراجع مماثل رصدته بنهاية العام الماضي، حيث انخفضت قيمة الجنيه إلى 35 جنيها للدولار، وهبط في بداية مارس إلى 37 جنيها للدولار.
أكدت بلومبيرج أن الدولار الواحد وصل وفقا للتحليلات الفنية إلى قيمة سهم سي آي بي في البورصتين، بلغ 40.25 جنيها للدولار، رغم ثباته النسبي أمام العملات الأجنبية بالسوق الرسمي.
يشير محللون إلى أن الضغوط على الجنيه تتصاعد مع توجه البنك الفيدرالي الأميركي إلى زيادة معدلات الفائدة، ما بين 25 إلى 50 نقطة، بما يضغط على البنك المركزي، ويدفعه إلى زيادة معدلات الفائدة على الجنيه، بمعدلات تتراوح ما بين 200 إلى 300 نقطة دفعة واحدة، مع ظهور شح في قدرة البنوك على تدبير أكثر من 4 مليارات دولار للإفراج عن البضائع المتراكمة، وتضم سلعا أساسية ومستلزمات إنتاج صناعية وزراعية وطبية، وصلت الموانئ منذ فبراير الماضي، لم يفرج عنها حتى الآن.

ودفع التأخير أعضاء الغرف التجارية واتحاد الصناعات إلى مطالبة الحكومة بحل سريع، وتحديد لوائح واضحة، تضمن عدم ترك السلع عالقة في الموانئ، بما يشكل ضغطا من المستثمرين والموردين على طلب الدولار، وهو أمر يدفع الجنيه قسرا إلى مزيد من التراجع، ظهرت آثاره، وفقا لمصادر بالغرف الصناعية، إلى زيادة الدولار بالسوق السوداء إلى 35 جنيها خلال الأسبوع الأخير.
من ناحية أخرى قال الخبير المصرفي محمد بدرة لـ"العربي الجديد": لا توجد أسباب واضحة وراء توجه الجنيه إلى مزيد من التراجع أمام الدولار والعملات الصعبة، في الوقت الحالي، مبديا دهشته من الزيادة المتكررة في سعر الدولار، رغم التزام الحكومة ببنود الاتفاق المقررة مع صندوق النقد الدولي، الموقعة نهاية العام الماضي.

أضاف الخبير المصرفي: لا توجد تغييرات سلبية على أداء الاقتصاد المصري تستدعي هذه الزيادات المبالغ فيها والتي يتوقعها البعض، لتدفع بالجنيه إلى هذا التراجع الذي زاد عن 40 جنيها للدولار، في ظل تنفيذ سياسات صرف مرنة، وإجراءات تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وطرح المزيد من الأصول العامة أمام المستثمرين.

ذكر بدرة أن هذه التصرفات تعكس نوعا من المخاوف غير المبررة حول قيمة الجنيه، تؤثر على قرار المستثمرين وخاصة الأجانب، بينما تتوافر جميع السلع في الأسواق رغم ارتفاع أسعارها، وارتد أداء البورصة نحو التصاعد من جديد، بعد موجة هبوط تصحيحية.
أشار الخبير المصرفي إلى ضرورة انتظار تقييم الجنيه، لما بعد الإفصاح عن التقرير الأول لصندوق النقد الدولي المقرر إعلانه الشهر الجاري، حول أداء الحكومة الاقتصادي، والذي سيقرر بموجبه تقديم الجزء الثاني من القرض بقيمة 364 مليون دولار، مع 1.3 مليار دولار أخرى من مخصصات الاستدامة بالصندوق، تساهم في حل أزمة السيولة.

تتطلع أسواق المال إلى اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي في 30 مارس الجاري، لمعرفة نسبة الزيادة المتوقعة في قيمة الفائدة، والتي ستأتي بعد زيادة هائلة في معدلات التضخم الحقيقي، غير مسبوقة بلغت 40.3%، في فبراير الماضي، في ظل موجات متتالية لرفع أسعار السلع والخدمات.
وتوقع الخبراء أن تؤثر أزمات البنوك الأوروبية والأمريكية، واستمرار حالة التوتر الجيوسياسي دوليا، على الأسواق الناشئة، بما يدفع البنك المركزي إلى الحذر والعمل على احتواء التضخم المستمر، وكبح عمليات البيع للأصول، في ظل تراجع القيمة، كما فعلت الحكومة مؤخرا، بتأجيل طرح 10% من أسهم شركة الاتصالات المصرية، في البورصة، للسيطرة على موجات العدوى من التراجعات الناجمة عن الأزمة المصرفية العالمية.
خبراء تحدثوا لـ"العربي الجديد" أكدوا أن تراجع قيمة الأصول واكبه تفضيل المستثمرين الائتمان الجيد، والاستثمار في أوراق مالية أكثر أمانا، ستعمل على دعم قدرة الدولار، في ظل توجه البنك الفيدرالي الأمريكي لزيادة الفائدة، مع توقع المزيد من التشدد النقدي الذي سيفيد مصر في مراحل تالية، عقب تراجع الزيادة في معدلات الفائدة، على الدولار بنهاية العام الحالي.
يتوقع الخبير الاقتصادي بـ"جولدن ساكس" فاروق سوسة أن يساهم احتواء التضخم في تحسين سيولة العملات الأجنبية، وتخفيف الضغط المزمن على الجنيه، بما يتطلب من البنك المركزي اتباع سياسة نقدية أكثر صرامة في الأشهر المقبلة.
تشير توقعات إلى أن الجنيه سيشهد المزيد من الضغوط في ظل عدم استقرار الأوضاع في النظام المصرفي العالمي، وانهيار البنوك الأوروبية التي تعد أهم مراكز التمويل لمشروعات البنية الأساسية الحكومية، منذ 8 سنوات.
ووافق البنك الدولة على إطار شراكة جديدة مصر ممتدة ما بين سنوات 2023-2027، لمنح مصر تمويلا قيمته 7 مليارات دولار.