الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. مع قدوم عيد الفطر المبارك نتوجه بخالص التهاني والتبريكات ﻷمتنا اﻹسلامية ولأهلنا في مصر الحبيبة وندعو الله العلي القدير أن تكتمل فرحتنا بالنصر والعزة ﻷمتنا وشعبنا.  لقد مضت أيام شهر الخير سراعًا، واقترب يوم الجائزة يوم العيد حيث يجني العمال ثمار أعمالهم، فيربح من ربح ويخسر من خسر، أما الموفقون فقد تعرضوا لنفحات هذه الأيام المعدودات واقتنصوا ما فيها من بركات فأفلحوا وفازوا، وأما الغافلون فخابوا وخسروا وصدقت فيهم دعوة الروح الأمين والتي أمن عليها سيد الخلق أجمعين: "خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له".

وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ

         من الثمار التي يخرج بها المفلحون في يوم الجائزة بعد ما قدموه خلال شهر رمضان هو الشعور بمعية الله عز وجل  والركون إليه والوقوف على بابه ليكونوا ربانيين مصداقا لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79).

         وللربانية مقومات يسعى لها من وفقه الله، تبدأ بتحصيل العلم الشرعي النافع ليعمل بعدها بما علم ويكون عمله على بصيرة، ولا يبخل بهذا العلم والعمل ولكن ينثر نوره  بين الخلائق فيقوم بدعوتهم بما علم وتربيتهم عليه بالحكمة. وقد أشار ابن جرير لذلك بقوله: الربانيون هم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم.  يقول الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله في رسالة [إلى أي شيء ندعو الناس؟]: "وأي شرف أكبر وأعظم من أن ترى نفسك ربانيًا، بالله صلتك، إليه نسبتك". ويقول المرشد السابع الأستاذ مهدي عاكف رحمه الله: "ينبغي أن تكون الربانية في قمة أولوياتكم، وأن تعملوا جاهدين على تحقيقها بكل ما أوتيتم من قوة وجهد، فحقِّقوا صفات أولياء الله يكلؤكم بكنفه ويشملْكم بحفظه".

اﻷقصى المبارك أولوية كبرى.. والسودان ليس ببعيد

         وتأتي على رأس أولوياتنا قضية فلسطين الحبيبة حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين، من قلب المسجد الأقصى المبارك والذي تعرض لاعتداءات جسيمة وعدوان صارخ ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك، حيث تم الاعتداء على العاكفين الركع السجود واعتقال وإصابة المئات منهم، واعتلاء قوات الأمن الصهيونية سطح المصلى القبلي لإخراج المعتكفين بالقوة، وما تلا ذلك من اعتداءات صارخة للاحتلال طالت الضفة الغربية وغزة ولبنان.

         تلك الحماقات التي يرتكبها الاحتلال تستوجب من المسلمين في أنحاء العالم النفير العام والوقفة الجادة لحماية شرف الأمة، ومن أولى الأولويات وأوجب الواجبات اليوم سرعة إقلاع من تورط في التطبيع مع الاحتلال عن جريمته والعودة إلى أمته والانحياز إلى الحق والوقوف في صف الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة والمشاركة في واجب الوقت بالالتفاف حول قضية الأمة المركزية ونصرتها بكل ما يمكن به النصرة. ولعل الجرائم التي ترتكب بحق المسجد الأقصى المبارك والعاكفين فيه تكون بداية للخلاص من هذا الكابوس ومن تلك الحقبة الاستعمارية لينتصر بعدها الحق وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

         وفي السودان الحبيب حيث تسارعت الأحداث والمواجهات الدامية خلال الأيام القليلة الماضية، نسأل الله أن يحفظه من كيد الكائدين ومكر الماكرين وأن يخرج السودان من هذه المحنة أكثر صلابة وأقوى عودا ، وأن يجمع شمل أبنائه على طريق الوحدة ولم الشمل من خلال حوار داخلي بعيدا عن الاستقطابات  الخارجية، وأن بستأنف هذا البلد العزيز مسيرته نحو التنمية بخطى متسارعة. وتدعو جماعة "الإخوان المسلمون" جميع أطراف الأزمة في السودان، إلى وقف التصعيد المسلح والاقتتال الداخلي، الذي يهدد أمن واستقرار السودان، و يتنافى مع مبادئ الإسلام التي تُحرّم الولوغ في الدماء المعصومة.

انتهاكات واسعه في سجون الانقلاب..  وصمودنا عيد

         ولا تنفصل الانتهاكات التي تعرض لها إخواننا في بيت المقدس وأكنافه على يد الاحتلال الغاشم  طوال شهر رمضان المبارك، وصمودهم وثباتهم الذي يمثل الانتصار الحقيقي، عن  تلك الانتهاكات التي تعرض لها- ومازال- إخواننا وأبناء شعبنا في سجون الانقلاب بل والشعب المصري كله في ظل هذا الحكم الاستبدادي الفاسد، وعلى الرغم من كل ما اقترفه الانقلابيون على مدى 10 سنوات من ظلم وتنكيل واضطهاد وفساد إلا أنهم بفضل الله لم ولن يكسروا إرادتنا في طلب الحق والحرية ولن ينالوا إلا الخسران، وبفضل الله تعالى تحطمت أحلامهم الواهية أمام صمود الرجال من أبناء الدعوة ومعهم الوطنيون الشرفاء من كل فئات الشعب المصري، ومازال الخوف يتملكهم ويؤرقهم من مشروع الأمة النابض بالحياة رغم كل ما تعرض ويتعرض له من حرب.

         إن قراءة سريعة لواقع انتهاكات الانقلاب نجد أن مصرالأولى عالميا في إصدار أحكام الإعدام (ذات الطابع السياسي) والثالثة عالميا في تنفيذ أحكام إعدام سياسية جائرة حسب تقرير منظمة العفو الدولية، حيث بلغت الأحكام 1600 حكم إعدام، نفذ منها بالفعل 105 إعدامات، بينما ينتظر 95 عالما وناشطا تنفيذ الإعدام بين عشية وضحاها بعد صدور أحكام نهائية بحقهم في 25 قضية سياسية. ولم يقتصر الأمر على أحكام الإعدام بل تضمن سلسلة طويلة من حالات القتل والإعدام الجماعي التي نفذتها سلطة الانقلاب في ميادين رابعة والنهضة ورمسيس وعواصم المدن وأثناء مباريات كرة القدم وفي تشييع الجنائز واقتحام المنازل.

         وامتدت عمليات القتل الممنهج من ساحات الإعدام وميادين التظاهرات إلى سجون الانقلاب التي تحولت إلى ساحة قتل عمد بالإهمال الطبي تارة وبالتعذيب المباشر تارة أخرى، وأبرزها جريمة قتل الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي ومئات من  طلاب الحرية لشعبهم ووطنهم، وقد وثقت مؤسسات دولية عددًا من هذه الجرائم منها- وفقا لوكالة رويترز-  465 حالة قتل بالصعق الكهربائي والضرب بالعصي والآلات الحادة ومنع الدواء والإيذاء النفسي والبدني المتواصل والعزل الانفرادي والطعام التالف والإهمال الطبي المتعمد، بينما وثق تقرير آخر للفترة من 2015- 2019  قتل 958 شخص. وكشف التوثيق عن ارتفاع متزايد في حالات الموت تحت التعذيب والإهمال في مقرات الاحتجاز الأولية، ووفق التقرير فقد شملت الحالات جميع فئات المجتمع من مسلمين ومسيحيين ومنتمين لجماعة الإخوان المسلمين ومنتمين لأحزاب سياسية مختلفة ورجال أعمال وصحفيين وتيارات بعضها كان مؤيدًا للانقلاب وقت حدوثه. ويضاف إلى ما سبق 16 ألفًا و355 حالة اختفاء قسري واختطاف خارج نطاق القانون في الفترة من 2013 وحتى 2022م من بينها 5331 حالة اختفاء كامل لأشخاص لم يتبين مصيرهم بعد، منهم البرلماني الدكتور مصطفى النجار.

بين بدر الإسلام وحماقات الانقلاب

         ويتقن المستبدون فن خداع الشعوب وطمس ذاكرتهم، فنجدهم يغيرون أسماء الشوارع والميادين والمساجد، مثل تغيير اسم شوارع باسم قيادات وطنية وتغيير اسم ميدان رابعة وتغيير أسماء مئات المساجد في محاولة لعزل الأمة عن تاريخها ورموزها.

         ولم يتوقف الأمر عند الشوارع والمساجد، بل امتد إلى السجون، فـــ"سجن العقرب" سيء السمعة، تغير اسمه إلى "مركز بدر للإصلاح والتأهيل"، استمرارا في مسلسل الزيف والباطل، فلا علاقة لمركز من مراكز التعذيب والبطش بمعركة  "بدر المباركة" ، ولا علاقة للإصلاح والتأهيل بالجرائم التي ترتكب بين جدرانها، فشتان بين "بدر الإسلام " حيث العزة والكرامة وبين سلخانات التعذيب وانتهاك الإنسانية حيث أبشع جرائم ضد الإنسان.

تفكك اجتماعي وامتهان للمرأة

         لم تكتف أجهزة الانقلاب بسفك الدماء واعتقال وتعذيب الأبرياء، ولكنهم يسعون حثيثًا لتفكيك المجتمع وإفساد تماسكه من خلال عدة مسارات، أولها فرض قيود معقدة على الشباب المقبل على الزواج، وثانيها من خلال العبث في العلاقة الزوجية من خلال تشجيع الممارسات غير الشرعية بعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، وفتح جحيم عدم الاعتراف بالأنساب، وتشكيك المجتمع في نفسه، وفقدان الثقة بالذات الاجتماعية على الرغم من جهود الأزهر الشريف لمنع هذه الجريمة بإصدار بيان بإجماع هيئة كبار العلماء في 5 من فبراير 2017م للتأكيد على وقوع الطلاق الشفوي شرعًا، مع وضعه لعدد من الحلول العملية لإلزام الناس بتوثيقه.

         أما المسار الثالث فيأتي بضرب المجتمع في أهم أعمدته- المرأة- من خلال التوسع في الانتهاكات المروعة ضدها باعتقال ما لا يقل عن 2800 امرأة منذ 2013، تعرضن للاعتقال والحبس بأحكام مدنية وأخرى عسكرية تفتقر إلى الإجراءات القانونية، وما زال منهن 300 سيدة وفتاة رهن الاعتقال التعسفي، بينما صدر بحق 32 منهن أحكام قضائية.

 إن الله لا يصلح عمل المفسدين

         لم يكن الدعاة والمصلحون من كل التيارات هم وحدهم من تعرضوا لمظالم الانقلاب وفساده، بل عانى ويعاني جموع الشعب المصري من ويلاته، وبات الجميع يئن تحت وطأة أزماته الاقتصادية، ليصدق عليه سنة الله الماضية: {إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ}. وقد شهدت مؤسسات دولية كبرى بحالة الانهيار التي يعيشها الاقتصاد المصري، على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوربي في تقريره الأخير ومؤسسة التصنيف الائتماني فيتش، وكان من أبرز مظاهر تلك الأزمة تراجع احتياطيات العملات الأجنبية  بينما ارتفعت الديون الخارجية والذي ترك أثره على تدهور غير مسبوق في سعر الجنيه. ولم يكن لدى سلطة الانقلاب بعد سلسلة الفشل إلا أن تلجأ إلى مزيد من الإغراق في دوامة الديون بلا توقف، ورهن إرادة الشعب والأجيال القادمة من خلال بيع أصول الدولة وتمليكها للأجانب بما له من أثر خطير على الأمن القومي المصري.

كلمة أخيرة

         إن هذا الوضع الجنوني لسلطة الانقلاب لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن لمصري حر أو إنسان أن يسكت عنه، وإذا كانت الدول تصمت مقابل تنازلات يقدمها الانقلاب فلن يقبل المصريون وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمون عن كشف هذه الجرائم وتوثيقها انتظارًا للعدالة الناجزة بإشراف مؤسسات منتخبة لمحاسبة هؤلاء وكل من تعاون معهم. ويقيننا بالله أن تنكشف الغمة عن الوطن وتنفرج كروب إخواننا المعتقلين ودعاؤنا له سبحانه أن يربط على قلوب أسرهم وأحبابهم ويأذن بنصر قريب لإرادة هذا الشعب الكريم وتحرير الوطن من أدران الفساد والاستبداد لتكتمل الفرحة بالعيد: {… وَيَوْمَئِذٍ يَّفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَن يَّشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الروم: 4-5)

من أخبار الجماعة

         في الذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين أكدنا في حوار على قناة وطن الفضائية على أن الأمة ما زالت بحاجة إلى جهود جماعة الإخوان المسلمين في مطلع قرن جديد، وأن الشعوب الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمين ليست في صراع مع أحد ولكنها تسعى للمطالبة بحقها في الوحدة واستقلال الإرادة، وأن من يرفض تحرر الأمة وامتلاكها لإرادتها هو الذي يسعى للصدام مع المجتمعات وليس العكس.

         قررت جماعة الإخوان المسلمين وقف إقامة الإفطارات العامة خلال شهر رمضان وتوجيه تكاليفها لدعم المتضررين من الزلازل والمتضررين من الانقلاب داخل مصر، وذلك بهدف الإسهام في حل الأزمات التي تتعرض لها المجتمعات الإسلامية. ويأتي هذا القرار اتساقًا مع تاريخ الجماعة في إثراء العمل الإغاثي واستمرارًا للجهود التي بذلتها في التصدي لعدد من النكبات التي مرت بها شعوبنا وكان من بينها زلزال 1992 في مصر وجهودها في مكافحة الكوليرا ودعم ضحاياها في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي من خلال الدفع بفرق من المتطوعين بالتنسيق مع وزارة الصحة المصرية.

         نظمت قناة وطن الفضائية عقب الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا مؤتمرًا افتراضيًا بعنوان "أمة واحدة قلب واحد" وذلك لدعم المتضررين من الزلزال حضره 50 شخصية من المفكرين والعلماء والدعاة مثلت 30 دولة من دول العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي.

         قام أعضاء من الملف الحقوقي للجماعة مؤخرًا بعدد من الزيارات الخارجية شملت عددًا من المنظمات الدولية وذلك بهدف دعم القضية المصرية والإبقاء عليها حية على أجندة الفعاليات الدولية واستكمال العلاقات مع هذه المنظمات الحقوقية وإحاطتها بالانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الانقلاب، وقد شملت الجولة متابعة الشكاوى المقدمة ضد الحكومة المصرية لضحايا الاختفاء القسري والتي بلغت أكثر من 300 شكوى، بالإضافة إلى متابعة ما وصلت له قضية فض رابعة والمطروحة أمام اللجنة الإفريقية، ومتابعة القضايا المرفوعة أمام محكمة أوروبا لحقوق الإنسان ضد قائد الانقلاب.

         أكدت جماعة الإخوان المسلمين مجددًا على لسان متحدثها الإعلامي بالداخل حسن صالح أن المحاولات المستمرة لاستحداث كيانات موازية للمؤسسات الرسمية للجماعة أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات على غير الحقيقة لمحاولة اكتساب شرعية منقوصة  " لن تفرض أمرًا واقعًا ولن تجدي نفعًا" . وأكد المتحدث أن اختيار القائم بعمل فضيلة المرشد العام من بين أعضاء مكتب الإرشاد- بواسطة مجلس شورى الجماعة من الداخل والخارج - وكذلك تشكيل مجلس الشورى لهيئة إدارية جديدة في ديسمبر 2022م  " هو شأن مصري خالص وقد تم وفق قواعد ولوائح الجماعة المعتمدة ".

         أطلقت قناة وطن الفضائية حملة لدعم المسجد الأقصى بعد الاعتداءات الصهيونية الأخيرة تحت شعار لبيك يا أقصى، تضمن تغطية موسعة حول الأحداث وردود الفعل الشعبية والرسمية بالإضافة إلى عدد من الوثائقيات الهامة حول مكانة المسجد الأقصى وجهود المرابطين فيه لحمايته من التخريب.

أ.د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام
اﻷربعاء 28 رمضان 1444 هجرية الموافق 19 أبريل 2023م

 

 

اضغط هنا لتحميل الرسالة PDF