محمد هاشم

قضية الأخلاق هي عماد المجتمعات وسر نهضتها وتقدمها ورقيها الحضاري والاجتماعي، ثم إنها أصل من أصول الدين وحقيقة نقائه وشفافية انعكاس سلوكه على الأفراد، ومعيار أساس لصلاحية الشريعة في تهذيب نفوس الأتباع؛ وعليه فإن الناس في أخلاقهم لا تخرج عن 7 أصناف:

1- من يمدح في الوجه ويذم في المغيب.. وهذه صفة أهل النفاق:

وهؤلاء هم أحط الناس أفئدة وأدناهم منزلة، إذ إن النفاق فيهم أصيل، وهو جملة واحدة لا تختلف طباعه عند التعامل مع الناس عنها في العبادة، فتجده إذا حضر الناس له شعيرة أحسنها، وإذا غابوا ربما لا يؤدها من الأصل، وهذا –نسأل الله المعافاة- أساء الظن بربه ونفسه، فأحل العبد محل الرب، والرب محل العبد، فصرف الخشية إلى وجوه الناس وأدبر عن خشية ربه الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.

2- من يذم في المشهد والمغيب.. وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة:

وهي الصورة الغالبة لسيئي الخُلُق والنباذين الذين يغمطون الناس ويحتقرونهم، وهم منفرون على الجملة، مقبحون للحال التي هم عليها، لا يحبهم الآخرون وإن عاملوهم بالقسط والعدل، وفي هذا حسن الجزاء من رب العباد، فأهل هذه الصفة يعظمون أنفسهم في أنفسهم حتى جرى على ألسنتهم ذم الناس واحتقارهم.

3- من يمدح في الوجه والمغيب.. وهذه صفة أهل الملق والطمع:

من الناس من يظن أن عبداً مثله ينفع ويضر أو يستطيع أن يهبه ويجازيه فيتملقه في الشهادة طمعاً في رضاه، وفي المغيب رغبة في أن ينقل ذلك عنه، وهيهات أن يتم لهذا مراده، فهو وإن بذل الوسع في تليين السبب قد بلغ مبلغاً في إغضاب المسبب، كيف لا وقد أسبغ على عبد مثله من صفات خالقه وتودد إليه بلزوميات الألوهية ما ضمنه الله حتى للمشركين من خلقه، ولم يأت به كفار الأزمان الغابرة، فإذا سألتهم من الرازق والنافع والضار جرى على ألسنتهم لفظ الجلالة أيسر من جريان الريق.

4- من يذم في المشهد ويمدح في المغيب.. وهذه صفة أهل السخف:

وهذا لعمري من العجائب، فلا مصلحة منه، بل عين المفسدة؛ حيث إيغار الصدور، وخلق العداوات، ثم هي كذب في إحدى الحالتين، فإن صدق في الأولى فقد أخفق في الثانية، ولا سبب لهذا ولا مبرر إلا أن يتلذذ باضطراب الخلق وتعمد إرباكهم، ولكن من يفعل ذلك أبعد عن هذا المكر وغلبة الظن أنه الحمق، فهو يفعل بصاحبه الأفاعيل.

5- من يمسك عن المدح والذم في المشاهدة ويمدح في المغيب.. وهذه صفة أهل الفضل:

وهؤلاء الذين وطنوا أنفسهم على المحبة ودربوها على الإيثار وأجبروها على ضد ما تهوى وتريد، فإذا خاض الناس ذماً أمسكوا، وإذا قال الناس مدحاً ترفّعوا في المشاهدة أن يعدوا من المتملقين، أو أن يقطعوا رقبة إخوانهم بمدح لا يرجى منه نفع أو ينالهم شيء من كذب المبالغة، لكنهم إذا خلوا إلى محب بذلوا له النصح ومدحوا من يستحق الثناء بما فيه وأمسكوا عن الذم والنقيصة.

6- من يمسك في المشهد ويذمون في المغيب.. وهذه صفة العيابين البرآء من النفاق:

وهؤلاء برئوا من النفاق، لكنهم لم يسلموا من البذاءة واحتقار الناس، فالنفاق هو أن تفعل الشيء وضده لمراءاة الناس واستجلاب نفعهم، لكن هؤلاء لا يمدحون في المشاهدة وكذلك لا يذمون، ولكنهم يذمون في المغيب، وهذا لعمري موطن من مواطن الكبر وضعف النفس، فهو لم يستطع قهر نفسه على حب الخير لإخوانه؛ فينتقصهم كلما سنحت له فرصة لا ضرر فيها ولا مشقة، ولكن هذا المسكين لا يعلم أنه يضرم النار في جوفه ولا يسلم من عقاب ربه.

7- من يمسك عن المدح والذم في المشهد والمغيب.. وهذه صفة أهل السلامة:

ما أجمل هؤلاء، وما أكملهم، وما أفهم ما وصلت إليه نفوسهم المطمئنة! فقد أيقنوا أنهم في الدنيا على سفر قريب يوشك صاحبه أن يصل إلى لقاء ربه فتخفف من الشواغل مدحاً وذماً شهادة وغيباً، وانشغل بنفسه وفيها ما يكفيه من شغل عن الناس ودنياهم.

المصدر: المجتمع