أظهرت صور الأقمار الاصطناعية استعداد إثيوبيا لعملية الملء الخامس للسد الكارثي وسط مخاوف مصرية من أن يؤثر ذلك على إيراد مصر من مياه النيل بشكل كارثي، في الوقت الذي لا يجد فيه نظام الانقلاب أية أوراق ضغط سياسية لمنع أديس أبابا من إتمام تشغيل السد دون التوصل إلى اتفاق قانوني يضمن عدم الإضرار بمصر.
وحذر وزير الموارد المائية والري السابق، محمد نصر علام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من نتائج كارثية لعملية الملء الخامس للسد الإثيوبي خاصة إذا تزامنت مع موسم جفاف، قائلاً إن عملية الملء الخامس للسد "قد تكون مواكبة لموسم جفاف، وعندها ستكون كارثة، ولا بد من منع الملء"، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أن "كل ذلك سوف يتضح خلال 4 إلى 6 أسابيع".
من جهته، أشار أستاذ هندسة السدود، محمد حافظ، إلى طبيعة عملية الملء الخامس للسد الإثيوبي قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن "صور الأقمار الاصطناعية ليوم 17 يونيو الحالي، للجزء الملاصق من بحيرة التخزين لسد السرج بالسد الإثيوبي أظهرت بداية ارتفاع طفيف جداً لبعض أطراف الجزر القريبة من منشأ سد السرج".
وأشار إلى أن ذلك يأتي "مع إغلاق المنافذ السفلية وحرمان مصر والسودان من أي تصرفات لنهر النيل الأزرق، باستثناء ما يتم تصريفه من خلال مخارج التوربينات السفلية، والتي أكدت الأخبار الواردة من إثيوبيا قبل أيام أن تلك التوربينات لا تعمل إلا خلال فترة النهار لقرابة 12 أو 14 ساعة يومياً، مع السماح بتصريف قرابة 30 إلى 50 مليون متر مكعب للسودان ومصر يومياً".
وأضاف حافظ أنه "تم إغلاق المنافذ السفلية بالسد نهاية شهر يناير الماضي بعدما تم تصريف قرابة أربعة مليارات متر مكعب من بحيرة التخزين، لتخفيض منسوب البحيرة من عند منسوب الإغلاق للملء الرابع، أي 620 متراً فوق سطح البحر إلى منسوب 616 متراً فوق سطح البحر".
وتابع: "منذ نهاية يناير حتى هذه اللحظة وتوربينات السد المنخفضة هي المصدر الوحيد لتصريف المياه لكل من السودان والدولة المصرية، ما تسبب في انخفاض حاد في منسوب بحيرة سد الرصيرص وسد مروي، اللذين لم يكتفيا بانخفاض المنسوب نتيجة إغلاق إثيوبيا المنافذ السفلية، بل إن ما زاد الطين بلة أن السدود السودانية ونتيجة الحرب الأهلية هناك، لم تهتم كثيراً حتى بتخزين تلك الكميات البسيطة لصالح توليد الكهرباء أو بهدف الزراعة، بل فتحت بوابات الري بأسفل سدودها لتمرير معظم ما بها من مياه إلى بحيرة ناصر على مدار الأشهر الأربعة الماضية لتضاف إلى مخزون السد العالي في مصر".
وأشار إلى أنه "نتيجة انخفاض منسوب بحيرة السد الإثيوبي تدريجياً بسبب سحب المياه عبر التوربينات المنخفضة بشكل يومي، تعرّت أطراف العديد من الجزر الصغيرة الموجودة ببحيرة سد السرج، والتي وصلت إلى أعلى معدل تعرٍ خلال الأسبوع الأخير من مايو الماضي".
وأوضح أن "متوسط التدفق الطبيعي القادم للبحيرة خلال الفترة بين يناير حتى نهاية مايو أقل بقرابة 30 إلى 50% من التصرف الخارج من فتحات التوربينات السفلية، ما ألزم بسحب قرابة 2 مليار متر مكعب زيادة من البحيرة لتعويض قلة التدفقات الطبيعية للنهر خلال تلك الفترة".
ولفت إلى أنه "مع قدوم شهر يونيو وارتفاع متوسط التدفق الطبيعي ثلاثة أمثال متوسط تدفقات مايو، صار من السهل تعويض ما يتم صرفه يومياً عبر مخارج التوربينات المنخفضة، بل وتخزين جزء بسيط جداً ربما لا يزيد عن 20 مليون متر مكعب يومياً ببحيرة التخزين".
وأكد حافظ أن "إثيوبيا ستكون قادرة من الناحية الفنية البحتة على تخزين قرابة 40 إلى 42 مليار متر مكعب من مياه فيضان هذا العام. هذا من وجهة النظر الفنية، ولكن قد تتدخل السياسة لتخفيض هذا الأمر ومنع إثيوبيا من استكمال عملية الملء الخامس لسد النهضة بهذا الشكل، والاكتفاء بتخزين قرابة 20 مليار متر مكعب فقط لإرضاء الحكومة المصرية".
وفي السياق، قالت الخبيرة في الشئون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجمود يسيطر على مواقف الأطراف كافة في قضية السد الإثيوبي، وأديس أبابا تسعى لأن تكون نتائج المفاوضات مبنية على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للمياه مع ضمان حصتها العادلة من مياه النيل، رغم أن مصر لم تكن تفاوض بالأساس على تقاسم المياه، ولكن على عملية الملء والتشغيل، وهذا ما تهدف إليه إثيوبيا". وأضافت أن "الاختلافات في أجندة المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، تكرس الجمود السائد في ملف السد وسط مطالبات مصرية بالعودة للتفاوض بهدف توقيع اتفاق قانوني ملزم".