الله أكبر على البغاة الغادرين

       الله أكبر  الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد .. الله أكبر كلما أهل عيد ، وكبَّر المكبرون ..
الله أكبر على كل معتدٍ باغ .. الله أكبر على كل غادر ينقض العهود، الله أكبر على كل متجبر ظن أنه سيفلت من مصيره المحتوم ومآله المعلوم، فبغى وطغى، ولم يعلم أن الله من فوقه محيط، وأن الشعوب الحرة الأبية لن تنخدع بغدراته، ولن يفاجئها نقضه المواثيق، يقول الله تعالى: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة- 100).
فإن التاريخ شاهد على غدرات الصهاينة ونقضهم العهود، بل هو أصل متجذر في هذه الشرذمة التي امتلأت قلوبها حقدًا وفاضت نفوسها حسدًا، فغدر أمثالهم بالأنبياء ونقض أسلافهم المواثيق المغلظة، فبانت أضغانهم وبدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدروهم أكبر.
واليوم، وفي ظل المجازر الدموية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، تتجدد مشاهد الغدر والخيانة، سيرًا على درب أسلافهم، ومَضاءً على سبيل المجرمين الأولين، انتظارًا لصحوة المسلمين وتحركهم لنجدة المستضعفين وقيامهم بفعل جادٍّ لاستنقاذ شرف الأمة.  

غزةُ عندما يعزُّ النصير

        إن غزة تستأنف اليوم معاناتها ويعود إليها الحصار غير بعيد؛ فتظل صامدة أمام الجرائم الصهيونية الغادرة وتتصدي لآلة القتل والتدمير وإهلاك الحرث والنسل، وحملات التجويع، وتستمر في مواجهة مكر الماكرين وكيد الكائدين وغدر الغادرين ونكث العهود والمواثيق.
        إن أهل غزة يترقبون – مع ثباتهم والتفافهم حول مقاومتهم – النصير، وينتظرون من إخوانهم العون دون جدوى، ويتطلعون لمن يفك عنهم الحصار ويدخل لهم الطعام والشراب ويمدهم بالدواء، وسط حالة من الصمت الرسمي الذي هو أقرب لتمرير مخططات الأعداء منه إلى العجز والخور، وأقرب إلى الانسجام مع الحلول التي يطرحها المعتدون منه إلى التقصير.
        لقد عجزت القمة العربية التي توافقت في بيانها على الحد الأدنى من الدعم أن تنفذ ما وعدت أو تضطلع بما تعهدت، وسرعان ما عادت إلى الصمت والخذلان لقضية الأمة المركزية التي يكثر حولها الكلام في المؤتمرات والندوات وتدبّج بشأنها المقالات، بينما تتراجع الأفعال وتنتكس التعهدات ويقل النصير.
         إن المسؤولية اليوم تقع – بعد خذلان الحكومات – على الأمة بعلمائها وكافة قواها في استشعار المسؤولية بخطورة ما يقع، والتصدي لجهود تصفية القضية، بل وتصفية شعب يتعرض لحرب إبادة جماعية، ليجد نفسه محصورًا بين مطرقة الاحتلال المدعوم من القوى العالمية وبين سِندان الأنظمة المتخاذلة التي تخلت عن القضية مقابل البقاء المشؤوم على الكراسي الزائلة وتحقيق المكاسب العاجلة.
        إن الفرصة اليوم مازالت مواتيةً لشعوبنا الإسلامية للخروج العاجل من دائرة الصمت والترقب إلى دائرة الفعل والتأثير؛ استنقاذًا لشعب مسلم يواجه الإبادة ويتعرض للتصفية، وينافح عن شرف الأمة ويحافظ على ما تبقى فيها من روح المقاومة ومَضاءِ الإرادة، قبل أن ينفذ الوقت، وينخرط العدو في مواجهات دامية مع كافة مكونات الأمة! بدأها بالأمس في فلسطين، ويستمر فيها اليوم في سوريا ولبنان، ولن يتوقف عن الزحف إلى كافة العواصم العربية إلا بوقفة شعبية جادة تدرك خطورة الواقع، وتتعامل معه بما يستوجبه من عمل دائب واعتصام بالوَحدة وتوظيف لكافة الطاقات بدلًا من مصير محتوم لن يفلت منه القاعدون!

مصرُنا الحبيبة .. عندما يغيب الدعاةُ والمصلحون 

        إن أعظم ما يُبتلى به مجتمعٌ هو أن يُحرم من دعاته الصادقين ومصلحيه الأمناء، أولئك الشموع التي تضيء دروب الحق، وتحرس ثغور الفضيلة. وما مرت به مصر -ولا تزال- وكل من ينهج نهجها، من تجريف ممنهج للعلماء والدعاة والمصلحين، ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة من محاولات طمس الهوية، ووأد الصوت الذي يحمل همَّ الأمة ويوقظ فيها روح النهوض والبناء.
        وليس هذا الاستهداف مجرد تغييبٍ لأفرادٍ أو إقصاءٍ لجماعة، بل هو في حقيقته تجفيفٌ للمنابع، وتدميرٌ للأسس التي يقوم عليها المجتمع السليم. فحين يُغَيَّبُ المصلحون، ويُسكت صوت النصح والتوجيه، تنحسر القيم، وتضعف الروابط، وتتفكك الأسر، وتزداد الجريمة والانحراف، حيث لا يَدَ تمتدُّ لتنقذ الضائعين، ولا عقلَ يرشدُ التائهين.
        لقد كانت جماعة "الإخوان المسلمون" منذ نشأتها، ومعها كل المخلصين لأوطانهم، - وما زالت- صوتًا حيًّا في ضمير الأمة، يستنهض العزائم، ويُصلح النفوس، ويُرشد العقول إلى النهج السديد والصراط المستقيم، فلما غُيّب ذلك الصوت خلف الأسوار الظالمة وحيل بين المجتمعات وبينه؛ فلا تراها تعيش إلا حالة من "اليُتم" كما وصف بذلك المجتمعَ المصريَ أحدُ العقلاء بعد تغييب عبد الناصر للإخوان سنواتٍ في السجون، إذ حُرم المجتمع في تلك الفترة من الاستماع إلى من يوقظه من غفلته أو يرشده إلى طريق رشاده؛ فبدأت مظاهر الانحراف تتغلغل في المجتمع، وتزايدت نسب الجريمة، واشتدّت الأزمات الأسرية، وساد الجفاء بين الأرحام، وتراجع الشعور بالمسؤولية المجتمعية، حتى كاد الناس يعتادون على الظلم، وكأنما صار جزءًا من واقعهم الذي لا يُغيره مصلحٌ ولا ينهض به داعيةٌ، بعد أن أُسكتت الأصوات التي كانت تبث فيهم الأمل، وتحثهم على التراحم والتكاتف والتقوى.
        فكيف تستقيم أمةٌ بلا دعاة، وكيف ينهض وطنٌ بلا مصلحين؟ إن الأمة التي تُحرم من علمائها ودعاتها ومصلحيها تَضِلُّ في ظلمات الجهل، وتصبح نهبًا لكل فكر دخيل، وأكثر قبولًا للظلم والفساد، لكن سنة الله في التغيير لا تتبدل، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس، وسيأتي بعد العسر يسرٌ، يتلوه يسر، ومهما بلغت حملات الطمس والتجريف؛ فسيبعث الله في هذه الأمة من يعيد لها رشدها، ويصلح لها وبها ما أفسده الطغاة والمستبدون.
        إن سنة الله اقتضت أن يبقى الحق شامخًا لا يكسره ظلم، وأن الباطل مهما علا وانتفش فإنه لا قرار له، وأن الأيام دُوَلٌ، والله يقلِّبها بين الناس، وأن العاقبة للمتقين. {بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَٰطِلِ فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18)) (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ} (الرعد: 17). وإن بدت الغلبة للظلم اليوم، فإنما هي جولةٌ من صراعٍ طويل، وما من ظالمٍ علا في الأرض إلا وأدركته سنن الاستبدال، فكما سقط الطغاة في كل عصر؛ ستسقط أعمدة الظلم، ولن يبقى إلا من أقام العدل، وسعى في الأرض بالإصلاح.
        لكن الأمر لم يكن مجرد تغييبٍ لأفرادٍ أو إقصاءٍ لجماعة، بل كان مخططًا بعيد المدى، يهدف إلى تجفيف منابع التأثير؛ لتمهيد الطريق إلى لحظات الخذلان الكبرى، حيث لا صوتَ يعلو لنصرة المظلوم، ولا حناجرَ تصدح بالحق، ولا إرادةَ تحرّك الجماهير، كما هو الحال اليوم في غزة الجريحة، التي تواجه العدوان وقلة النصير، بعد أن أُفرغت ساحات الأمة من حراسها، وسُلبت مصر روحها الحيّة، التي كانت تحرّك الشعوب وتوقظ الضمائر.

ماذا نحن فاعلون؟!

        وإزاء هذا الوضع العدواني اليومي الإجرامي الفاجر الذي يستهدف مجموعة من البلدان العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، والحصار والتجويع وانتهاك كافة القوانين والمواثيق والعهود، وشن حرب إبادة جماعية، وتدمير البنية التحتية، وتغيير ديموغرافي وتهجير قهري للمواطنين في الدول الثلاث، في ظل تواطؤ ومشاركة أمريكية وغربية لهذا الكيان الدموي العنصري، ناهيك بتهديدٍ صريح وعلني لمجموعة أخرى من الدول العربية في الأردن ومصر والسعودية بنقل المهجّرين إليها، وتهديد وحدة الصومال وسوريا.
إن وقوع هذه الجرائم والأهوال في ظل صمت الدول العربية، وإظهار نفسها عاجزة،  بل وقيام بعضها بتوجيه اللوم للمقاومة لغسل يديها من القضية الفلسطينية والتهرب من واجبها السياسي، ليس تجاه فلسطين فحسب بل تجاه مسؤولياتها الوطنية والقومية والأخلاقية؛ فإننا نهيب بشعوبنا العربية والإسلامية الانتباه إلى أن تمرير جريمة الإبادة في غزة ما هو إلا فصل في استهداف الإسلام والمسلمين كافة، وفي مقدمتهم العرب، ومحاولة فرض ديانة جديدة تصنعها الصهيونية العالمية، وسحق هوية المنطقة وأعرافها وتنوعها.
وإزاء كل ذلك فإننا نناشد كل مسلم وكل عربي وكل إنسان القيام بواجبه الفردي للخروج من هذا النفق والإعذار إلى الله ثم الناس، وأداء ما عليه في خطوات عملية :
-  ضرورة تحرك الشعوب للضغط على حكوماتها وخاصة في مصر لإدخال المساعدات وكسر الحصار الجائر على القطاع.
- بذل كل ما في الوُسع لدعم أهل فلسطين عامة، وغزة خاصة، بكل ما يمكن بذله من دعم مادي ومعنوي وإعلامي وكفالة سواء للمرابطين في غزة أو لمن يدعمونهم من إخوانهم في الشتات.
- نبذ كل المتصهينين وأذرعهم وكشفهم ومقاطعتهم، والرد عليهم، ومنع تسلل أفكارهم السامة ومواقفهم الدنيئة.
- مواصلة مقاطعة كل الداعمين للصهاينة من شركات وهيئات ومتاجر ومواقع وقنوات.
- الاستعلاء على الملهيات والاشتغالات والتوافه التي تروجها أذرع الصهيونية في الحياة اليومية العربية.
- عدم الانجرار إلى الاستغراق في الجزئيات الفقهية، وإهدار الجهد في التلاوم والتنابز، وترك جوهر القضية من الجوع والإبادة الجماعية واستباحة الأرض والعرض والدماء.
-  كثرة الذكر وكثرة الدعاء وكثرة العمل، والبعد التام عن أي شعور بالخور أو القنوط أو اليأس.
- الارتفاع على كل الجراح والآلام، والنظر إلى المصاب الجلل في فلسطين فليس أكبر منه جرح ولا ألم!
- توطين النفوس على الرباط والعطاء، والبراءة من الشرك والباطل والظلم.
- الأخذ بكل أنواع القوة العلمية والثقافية والاقتصادية والبدنية وتعظيم الوعي في المجتمع.
- الاستعانة بالله وحده، والتوكل عليه وحده، وبث الأمل في كل مكان، واليقين في معية الله، وترقُّب ساعة النصر.

بشارات من   السودان

        ومع العيد تأتي البشارات من السودان الحبيب، حيث تَقَدُّم القوات المسلحة السودانية لدحر المتمردين الذين عاثوا الفساد وقتلوا ونهبوا وانتهكوا الأعراض، وإن إزاحتهم لـَمِنْ أعظم أفعال الخير، وهو انتصار للشعب السوداني صادف بركات رمضان، ونرجو الله أن يتم النعمة على السودان وأهله، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا.
        إن ما يحدث في السودان الآن يجب أن يحمل رسالة تنبيه لقوى الشر التي تحاول أن تعبث بأمن واستقرار المنطقة والأوطان، وتمارس الغطرسة على الشعوب الحرة في أماكن متفرقة من العالم، وبخاصة في قارة إفريقيا- بأنها لن تتلقى سوى الهزيمة تلو الأخرى-، وأن إرادة الشعوب أقوى وستكون الغالبة.

من أخبار الجماعة

        شاركت قيادات جماعة الإخوان المسلمون في عدد من الإفطارات خلال شهر رمضان بحضور أفراد الصف في العديد من الأماكن، تم خلالها التأكيد على ضرورة التلاحم خلال هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الدعوة وتاريخ الأمة، وتحقيق الإسناد للمقاومة الفلسطينية، والتصدي لمعركة الوعي، سواء على مستوى القضية الفلسطينية أو القضية المصرية، خاصة قضية المعتقلين والتعريف بجرائم الانقلاب.
       كما نظم المتحدثون الإعلاميون للجماعة إفطارًا حضره العشرات من ممثلي المؤسسات الإعلامية والصحفية العربية والدولية؛ بهدف التواصل مع وسائل الإعلام، ومناقشة القضايا التي تتعرض لها المنطقة، ودور الشعوب الإسلامية في التصدي لها، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

واللهُ أكبرُ وللهِ الحمد
أ. د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة " الإخوان المسلمون "

 السبت 29 رمضان 1446 هجرية - الموافق 29 مارس 2025م

 


اضغط هنا لتحميل الرسالة PDF