يقول الله تعالى:

“والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” [التوبة: 71]

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [رواه مسلم].

بهذين النصين الشريفين يتحدد موقع كل مؤمن من قضايا أمته. إن ولاء الإيمان ليس شعورًا داخليًا فقط، بل هو سلوك عملي يُترجم إلى مواقف، وتكافل، ونصرة، وبذل. ومنذ أكثر من عام ونصف، وفلسطين – وتحديدًا غزة – تصرخ بالدم وتشتكي الظلم، تحاصرها آلات الحرب، ويحيط بها طوق الخيانة من القريب والبعيد، حتى صار العدو معروفًا، والخذلان مفضوحًا.

عالم من الخذلان

ما يجري في غزة ليس مجرد حرب على رقعة جغرافية، بل هو امتحان إيماني لأمة بأكملها. اجتمع العدو الصهيوني الغاشم ومن ورائه القوى الكبرى، وتآمر معهم من باعوا دينهم وأمتهم، من حكومات عربية انقلبت على واجبها، فحاصرت أهل غزة، وأغلقت المعابر، ومنعت الغذاء والدواء، وساوت بين الظالم والمظلوم.

وبرغم القمع والخذلان، لم تسكت الشعوب. بل بذلت من جهدها في نشر الحقيقة، وبقيت فلسطين في قلوب الأحرار حية نابضة. فإن صوتها، وإن كان أقوى من رصاص القتلة، فهو في الوقت ذاته يدعم ويقوي جهد الميدان، ويشد أزر من يبذلون النفس في سبيل الله. وإن كان كثير منا يشعر بالخجل من قلة ما يقدّمه، فإن تلك الكلمة، وذلك الجهد، هو دعم حقيقي لأهل الرباط، وهو نار تشتعل في صدور الظالمين، وتُحرق ما بنوه من تضليل وتشويه وتعتيم. إنها جهود تُسهم في إحياء القضية في القلوب، وإبقائها حية حتى يتحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون…” [متفق عليه].

فهذا إيماننا، وهذه عقيدتنا، وهذا وعد ربنا ورسوله الذي لا شك فيه.

من القلب إلى الكلمة والميدان: جهاد الأمة المستمر

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، جهاد الشيطان، جهاد الكفار، جهاد المنافقين، ولا يتم للمؤمن جهاد حتى يجاهد هذه الأربعة.”

وفي حالتنا، فإن جهاد الكلمة أصبح فرض عين. أن تنشر، أن توضح، أن تفضح الظلم، أن تكشف الحقائق، أن تبعث في الأمة روح الحمية والولاء.

ثم يأتي جهاد المال، وهو من أعظم القربات اليوم، وقد قال الله تعالى:

“وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله” [التوبة: 41].

فالمال اليوم سلاح في يد كل عاجز عن حمل السلاح. هو حياة تُبعث في جسد غزة المثخن بالجراح.

واجبات عملية يومية: من النصرة إلى المحاسبة

وفي ظل كل هذا، يجب أن يكون لكل مؤمن “وردُ نصرة” يومي لا يتخلف عنه، ومن ذلك:

    1.    إصلاح النفس والتقرب إلى الله: فما عند الله لا يُنال إلا بطاعته.

    2.    الدعاء الصادق: في كل حين، وخاصة أوقات الإجابة، كالسجود، وآخر الليل، ويوم الجمعة.

    3.    نشر القضية والتعريف بها: عبر الحديث مع الأهل، النشر في مواقع التواصل، والرد على الشبهات والتضليل الإعلامي.

    4.    البذل المالي: ولو بالقليل المنتظم، فالله يبارك، والنية تبلغ ما لا يبلغه العمل.

    5.    تشجيع المبادرات: التفاعل مع حملات الدعم، حضور الفعاليات، والمساهمة فيها ولو بكلمة.

    6.    ورد محاسبة: اجعل لنفسك لحظة كل يوم تسأل فيها:

    •    هل دعوت لغزة اليوم؟

    •    هل نشرت شيئًا عن فلسطين؟

    •    هل تصدّقت بنية الجهاد المالي؟

    •    هل ناصرت المظلوم، أم سكتُّ وساهمت بصمتي؟

قال الحسن البصري رحمه الله:

“ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.”

اللهم كن لأهلنا في غزة وفلسطين ناصرًا ومعينًا، وارزقنا الصدق في نصرتهم، وبلغنا رضاك من أبواب البذل والعمل والنية الصادقة.