أصدرت المحكمة العليا في ليبيا حكمًا نهائيًا بحسم النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، قضت فيه بإعادة خالد المشري إلى منصبه، واعتبار انتخاب مفتاح تكالة مخالفًا للإجراءات القانونية المعمول بها.
وحكمت "الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ببطلان جلسة انتخاب مفتاح تكالة رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة، لوجود مخالفات للإعلان الدستوري والنظام الداخلي، معتبرة أن المشري يبقى الرئيس الشرعي للمجلس إلى حين انتخاب رئيس جديد وفق الإجراءات المعتمدة".
في المقابل، لم يصدر عن مفتاح تكالة أي موقف رسمي بعد، فيما نقل مقربون منه أنه "يستغرب صدور الحكم رغم وجود طعون قانونية عالقة"، مشيرين إلى أن بعض الأعضاء المؤيدين له داخل المجلس يدرسون خطوات تصعيدية، مثل عقد جلسة جديدة أو التوجه إلى الطعن مجددًا.
وكان تكالة قد انتُخب رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة في أغسطس 2023، في جلسة مثيرة للجدل قاطعها أكثر من ثلث الأعضاء، وهو ما شكّك في شرعيتها القانونية.
وقد يسهم الحكم بإعادة المشري في إعادة التوازن للمشهد السياسي إذا استُغلّ لدفع مسار الحوار السياسي، خاصة أن المشري شريك أساسي في الحوارات السابقة، ويتمتع بدعم قوى دولية. إلا أن بقاء الانقسام داخل المجلس، ووجود كتلة داعمة لتكالة، قد يؤدي إلى تصعيد داخلي جديد يربك المسار المؤسسي.
كما يُخشى أن يؤدي استمرار الخلافات داخل "الأعلى للدولة" إلى إضعاف أي جهود مشتركة مع مجلس النواب، ما قد يؤخر الاتفاق على القاعدة الدستورية، وبالتالي يؤجّل تنظيم الانتخابات التي ترعاها البعثة الأممية والمجتمع الدولي.
من جهتها، تتابع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) هذه التطورات، دون صدور تعليق رسمي حتى الآن. وكانت البعثة قد شددت في أكثر من مناسبة على ضرورة احترام قرارات القضاء، واعتماد الشفافية والشرعية المؤسسية لحل النزاعات بين الأطراف.
خالد المشري: رئيس المجلس الأعلى للدولة منذ 2018، وقيادي في حزب العدالة والبناء، شارك في عدة جولات حوارية مع مجلس النواب، ويُعد من أبرز الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي الغربي.
ومفتاح تكالة: رئيس سابق للمجلس الأعلى للقضاء، تم انتخابه رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة عام 2023 في جلسة مثيرة للجدل، ويُنظر إليه كمقرّب من تيارات رافضة لهيمنة الإسلاميين على المجلس.
عقيلة صالح: رئيس مجلس النواب الليبي منذ 2014، يمثل التيار الشرقي المدعوم من الجيش بقيادة خليفة حفتر، وله دور أساسي في صياغة القوانين ومناقشة خارطة الطريق الانتخابية.
المجلس الأعلى للدولة: هيئة استشارية ناتجة عن اتفاق الصخيرات، مقرها طرابلس، تقوم بدور رقابي واستشاري في العملية السياسية، وتشارك مجلس النواب في صياغة القوانين الدستورية والانتخابية.
مجلس النواب: السلطة التشريعية الرئيسية في ليبيا وانتهت صلاحيتها، مقره طبرق، ويتولى مناقشة واعتماد القوانين، ويشارك في اختيار الحكومات وتعديل الإعلان الدستوري.
شرعية منقوصة ومشهد مأزوم
يأتي قرار المحكمة في وقت بالغ الحساسية، وسط حالة من التآكل الشرعي في المؤسسات السياسية الليبية، وانقسام متجدد يعرقل الوصول إلى خارطة طريق واضحة للانتخابات. ومع تمسّك كل طرف بمواقفه، يبقى الحل مرهونًا بمدى قبول الأطراف بالحكم القضائي، واستعدادها لإعادة إحياء المسار السياسي وفق توافقات دستورية تضمن تجديد الشرعية عبر صناديق الاقتراع.