- معظم مقاولات البناء لوزارة الداخلية والخارجية والصحة نفَّذتها شركات سعودي

- هل اكتشفت التحريات فجأةً أن سعودي يغسل الأموال ويموِّل الإخوان

 

لا يرى النظام أمامه إلا كرسيَّ الحكم فقط.. وفي سبيل الحفاظ عليه فإنه على استعداد للإطاحة بكل من يعترض طريقه أو يُنازعه على هذا الكرسي، مهما كان توجُّهه أو نشاطه، سواءٌ كان من الإخوان أو من غير الإخوان، طالما استشعر تهديدًا يهزُّ سلطته.

 

ولذلك عندما يقوم النظام باستهداف شريحة أو فئة أو تيار معارِض ويخطِّط للتخلص منه لا يضع في اعتباره المخاطر الجانبية لمخططه حتى ولو كانت تدمِّر الاقتصاد القومي لمصر.

 

ليس هذا فحسب، بل يسعى لتشويه صورة مَن يسعَى لتصفيته، كما هو الحال الآن مع الإخوان المسلمين ومَن زُجَّ بأسمائهم في ملف قضيتهم، ويحاول إثارة قضية إعلامية بجانب قضيتهم للَفْت الأنظار، مثلما رأينا في قضيتَي الجاسوس وهالة سرحان.

 

كانت هذه السطور لازمةً قبل الانتقال إلى تفاصيل جلسة الحوار التي جمعتني بأسرة رجل الأعمال عبد الرحمن سعودي، أحد المتهمين بتمويل الإخوان وغسل أموالهم، بل واعتباره أحد المسئولين عن اللجنة الاقتصادية والدعم المالي للجماعة.

 

وكان من الطبيعي في بداية الحوار أن نتعرَّف على السيرة الذاتية الكاملة لسعودي ولأسرته، خاصةً أن لقب سعودي قد يوحي بأنه غير مصري.

 

تقول زوجته السيدة نجوى زهدي: اسم زوجي بالكامل هو عبد الرحمن محمد محمد سعودي من مواليد الجيزة في 6 يونيو 1951م، وهو حاصل على بكالوريوس الطب من قصر العيني بجامعة القاهرة، وتزوجنا أثناء دارسته بالكلية عام 1978م، ولدينا من الأبناء ثمانية، أكبرهم مصعب ثم حمزة وسلمان وعلي وعائشة وأبو بكر ومريم، وأخيرًا محمد في المرحلة الابتدائية.

 

ويستكمل ابنه مصعب قائلاً: بعد تخرج الوالد في كلية الطب لم يرغب في العمل كطبيب، بل فضَّل أن يعمل في مجال جدي- رحمة الله عليه- وهو مجال التجارة الذي بدأه الجد منذ عام 1938م، فأنشأ شركة مقاولات عام 1980 واستمرت حتى اليوم، أي طوال 27 عامًا، وهي شركة التنمية العمرانية، والتي بدأت نشاطها رسميًّا في 2/1/1982 طبقًا للبطاقة الضريبية للشركة التي تحمل رقم 437257798 العجوزة- المهندسين، ويحمل سجلها التجاري رقم 55953 جيزة.

 

 الصورة غير متاحة

 عبد الرحمن سعودي مع ثلاثة من أبنائه

 وبالمناسبة هذه الشركة هي المنفِّذة للعديد من مشاريع المقاولات والبناء الحكومية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية؛ حيث نبني لهم برج الشرطة بلاظوغلي، إلى جانب 22 مستشفى تابعًا لوزارة الصحة وبعض الأندية التابعة لوزارة الشباب السابقة، والعديد من الأبنية التعليمية الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي، وكذلك بعض المشروعات التابعة لوزارة الخارجية وبعض هذه المشروعات تمَّ تسليمها بالفعل وبعضها لا يزال تحت الإنشاء ثم توقف بعد اعتقال الوالد.

 

ويضيف مصعب: إن أيَّ شركة تقوم بهذا الحجم من المشروعات مع وزارات الحكومة ومؤسسات الدولة لا بد أن تكون قد التزمت بكل الشروط والمواصفات القانونية والأمنية اللازمة التي تؤهِّلها لهذا النشاط، بل عندما تقوم شركتنا بتنفيذ مبنى ضخْمٍ مثل برج الشرطة لوزارة الداخلية فهل من المعقول أن يكون صاحب هذه الشركة رجلاً يقوم بأعمال غير قانونية ومشبوهة مثل غسيل الأموال؟! وأين كانت أجهزة الدولة التي تعاملت معنا طوال هذه السنوات؟! أضف إلى ذلك- والكلام لمصعب- أن شركة الجيزة الطبية التي يترأَّس والدي مجلس إدارتها وتعمل في مجال الأجهزة الطبية هي المسئولة عن صيانة أجهزة القلب الخاصة بسجون وزارة الداخلية وقصر العيني القديم والفرنساوي، وقد أُنشئت الشركة عام 1995م ولا تزال تعمل في السوق حتى تم اعتقال الوالد.

 

ويتساءل: إذا كنا نتعامل مع وزارات بحجم وأهمية الداخلية والخارجية.. فهل كانت التحريات التي اتَّهَمَت والدي بغسل أموال الإخوان في غيبوبة طوال أكثر من ربع قرن هي فترة عمل وجهد عبد الرحمن سعودي كرجل أعمال؟! ولماذا تركونا نعمل إذا كانت هناك شبهاتٌ حولنا وحول شركتنا؟ أم أن هناك سيناريو آخر لم يُكشف عنه حتى الآن؟!

 

وفي وضوح تام قال مصعب: والدي رجل مسلم ملتزم بدينه، شأنه شأن أيّ رجل يتقي الله في عمله، وهو يبلغ من العمر 56 عامًا، فهل اكتشفوا فجأةً أنه من قيادات الإخوان ومن المموِّلين للجماعة.

 

كما أن والدي كان قبل اعتقاله مسافرًا للحج، ثم عاد ومكث في القاهرة يومَين ثم سافر للخارج ليومين، ثم عاد.. لو كان مستشعرًا أية مقدِّمات لِما تعرَّض له لما عاد لو كان متهَمًا فيما نسبوه إليه، ولَكانوا منعوه من السفر مثلاً.

 

سألت زوجة سعودي: ما هي تفاصيل ليلة الاعتقال؟! فقالت: فوجئنا ليلة 14 يناير الماضي في حوالي الساعة 2.30 بعدد كبير من الضبَّاط والعساكر يقتحمون المنزل ويحاصرونه من خارج، وفتَّشوا كلَّ جزء فيه من بداية غرفة النوم وحتى المكتبة، وأخذوا مبلغ 115 ألف ريال وألف دولار وألف يورو، وهي الأموال التي كانت موجودةً في المنزل بعد عودة أبي ووالدته من الحج.. هذه الأموال من الطبيعي أن تكون في المنزل، فهو تاجر ورجل أعمال والأموال في البيوت ليست جريمةً.

 

المثير في الأمر- كما يقول مصعب- أنهم في البداية وقبل اقتحام منزلنا ذهبوا إلى المنزل المقابل لنا وهو بيتٌ للطلبة وبحَثوا عن والدي ثم نزلوا وسألوا أحد الجيران عن العنوان، ولو كانت تحرياتهم صحيحة كما يقولون لحضروا إلى العنوان مباشرةً، فما بالنا بالتُّهَم المنسوبة إلى والدنا؟!

 

وتكمل الزوجة حديثَها وتقول: لأن زوجي رجل محترم فقد تعامل معهم وفق السلوك الإسلامي، فقدم لهم الشاي، ولما نزلوا وفتَّشوا المحلّ قدَّم لهم العصائر، رغم أنهم جاءوا ليعتقلوه!! ثم ذهبوا بزوجي لمقرِّ أمن الدولة بـ(جابر بن حيان) ثم إلى مقرِّ شركته القديم في شارع سوريا بالمهندسين، فقال لهم عبد الرحمن: هذا المقرّ تركته منذ 18 عامًا، وهذا دليلٌ كبيرٌ على أن التحريات التي ادَّعَوا أنها سريةٌ وصحيحةٌ وأنها السبب الرئيسي وراء توجيه الاتهامات الخطيرة لزوجي.. هي تحرياتٌ وهميةٌ وتفتقر إلى أدنى درجات الدقة المعلوماتية.

 

 الصورة غير متاحة

 مبارك يفتتح أحد مشروعات سعودي في بداية توليه الحكم

سألت الأسرة: وما هو تعليقكم على تهمة غسل الأموال واعتبار الدكتور سعودي أحد قيادات جماعة الإخوان المموِّلين لأنشطتها؟! فقالوا: وهل قدموا دليلاً على هذه الاتهامات، فكلها اتهامات مرسلة وكلام مطلق، فأوراق القضية لا تضمُّ أوراقًا تُثبت تورُّط سعودي في معاملات مالية من هذا النوع.

 

كما أن نصَّ قانون غسيل الأموال يُلزِم جهات التحقيق بأن تقدم طرفًا ثانيًا شريكًا في غسل الأموال، بمعنى أنه إذا كان عبد الرحمن سعودي يقوم بغسل الأموال فلِمَن يغسلها؟ وأين؟ فإذا كان مجال عمله مع وزارات مثل الداخلية والخارجية فلماذا لم توجَّه التُّهَم إليها؟!

 

 ويفجِّر الابن مصعب مفاجأةً مدويةً فيقول: قد لا يعلم كثيرٌ من الناس أن الرئيس مبارك قد افتتح العديد من المشاريع التي يملكونها والتي نفَّذتها عائلة سعودي ووقَّع لهم في سجلّ الزيارات شاكرًا جهودَهم لخدمة الاقتصاد المصري، كما قامت السيدة سوزان مبارك- وبصحبتها هيلاري كيلنتون- بزيارة العديد من المستشفيات التي أنشأتها شركتنا وأشادت بها، ورغم ذلك يتم اعتقاله الآن!!

 

وإذا كانت التحريات التي يقولون إنها سرية ومستمرة منذ أشهر طويلة.. فلماذا وافقت الداخلية على التعامل معنا منذ 6 أشهر بموافقتها على قيامنا ببناء بُرج الشرطة التابع لوزارة الداخلية، ولماذا وافقت وزارة حكومية على منحِنا مشاريعَها منذ 4 أشهر فقط، فأي منطق هذا؟!

 

 

 عبد الرحمن سعودي مع أحد أحفاده

ويضيف حمزة: أعتقد أن المتضرِّر الحقيقي من هذه الإجراءات هو اقتصاد مصر، فقد أكدت الصحف الأمريكية أن المليارات تهرَّبت من مصر الآن بسبب سوء المناخ الحالي، ويشير مصعب إلى أن والده تعامل مع كل بنوك مصر تقريبًا، ولم يحدث أن وقعت له أيةُ مشكلة مالية مع أيِّ بنك، كما لم يسرق ولم يهرب بقروض كما فعل كثيرون!! فهل هذا جزاءُ من يخدم اقتصاد وطنه؟!

 

وعن تفاصيل آخر جلسة للمحاكمة والتي أيَّدت قرارَ التحفُّظ على الأموال يقول مصعب: كانت المفاجأة في منعنا من الحضور، ليس هذا فحسب بل منعوا المحامي الخاص بوالدي، وعندما قال المحامي للضابط: إن منعَه غير قانوني، أجابه الضابط: إنه عارف إن ده مش قانوني وبرضه مش حا تدخل.

 

أما محمد- أصغر أبناء الدكتور عبد الرحمن سعودي- فيقول طوال أسبوعين بعد القبض على بابا لم أكن أعرف أين هو؟ ولما أخبروني بأنه في السجن قلت السجن للحرامية وبابا مش حرامي بابا راجل شريف.

 

وأخيرًا.. تصف لنا زوجة الدكتور سعودي مشاعر الزيارة الأخيرة، فتقول: الدكتور عبد الرحمن راضٍ بقضاء الله، وعنده ثقةٌ في أن الله تعالى سيُظهر الحق ولو بعد حين، ونحن كأسرة على يقين من براءته مهما كان حكم القضاء.

--------------

نقلاً عن جريدة (صوت الأمة) بتاريخ يوم الإثنين 5/3/2007م.