سماح- القاهرة:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته..
أنا فتاة تخطيت الثلاثين من عمري، وأعمل في صف الدعوة والحمد لله لأني أحب دعوتي جدًّا، كما أني من أسرةٍ كريمةٍ ملتزمة، وبفضل الله أعمل في وظيفة طيبة، كما أكمل دراستي العليا ولله الحمد، وأحفظ القرآن الكريم، وأحمد الله على ما أنعم عليَّ من نعم.
مشكلتي أني خُطبت منذ عام، ولمدة عام تقريبًا؛ ولكن خطيبي- على الرغم من أنه من داخل الصف- لم يكن ممن يحفظون العهود (سامحه الله).
وما يؤرق حياتي الآن أمران: الأول نظرة الناس لي ونظرتهم عامةً لمن تأخَّر سن زواجها حتى إن تلك النظرة أراها في أعين أخواتي أيضًا، والأمر الثاني هو أنه ليس نظرة الناس فقط ولكني أنا أيضًا أحلم باليوم الذي سأكون فيه زوجةً وأُمًّا، ويكون لي زوج يعينني على أمر الدعوة.
لذلك كثيرًا ما أترك نفسي لأحلم أحلام يقظة بأني أصبحت أُمًّا وزوجةً، وكثيرًا أيضًا إن لم يكن دائمًا ما أبكي ليلاً، ربنا يعلم أني أنام كل يوم ومخدتي مبتلة من دموعي، فهل تلك الأحلام وتلك الدموع هي اعتراضٌ على قضاءِ الله؟ مع أني والله راضية، وأعلم أن بعد العسر يأتي اليسر إن شاء الله، فأنا عمري ما كانت طلباتي كثيرة.
في البداية كنت أريد الارتباط بأخ وفقط؛ ولكن بعد أن أصبح عمري 27 سنة قبلت حتى بمَن هو ليس بأخ، ولكنني لا أرضى إلا بالملتزم، لا أريد مَن يدخن السجائر أو مَن هو مثله ولم اشترط، والله يعلم ذلك.
سؤالي هو: هل أنا هكذا راضيةً بقضاء الله؟ والطلب الآخر أسألكم الدعاء لي بشدة ولكم مني كل الشكر.
يجيب عنها: الدكتور أسامة يحيى الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين):
حمدًا لله على نعمه التي لا تُحصى، وصلاةً وسلامًا على النبي المصطفى.. وبعد لقد وهبك الله بفضله نعمًا كثيرةً، فأنتِ فتاة داعية تنتمين إلى جماعة مباركةٍ مجاهدة وتحفظين القرآن الكريم، وتعملين بوظيفةٍ طيبة، وتُكملين دراستك العليا، وحصلتِ على العديد من الدورات، وكلها نعم ندر أن تجتمع لإنسانٍ واحدٍ تخطَّى الثلاثين عامًا، وأحمد الله أنه وهبك القدرة على شكر نعمائه التي غمرتكِ.
ابنتي الغالية.. من طبيعة الفتاة أن تحلم بعريسها منذ أن كانت طفلة صغيرة لا يعدو عمرها 8 سنوات، وأنها حينما كانت تلهو بدميتها وهي ذات ثلاث أو أربع سنوات كانت تتدرب على أمومتها المستقبلية، فما راودكِ من أحلام يقظة أمر طبيعي جدًّا.. أمر حلمت به وتدربتِ عليه وأنتِ بعد طفلة صغيرة، وليست هذه الأحلام اعتراضًا على أمر الله، ولكن لعدم تحقق هذه الأحلام استغرقت فيه استغراقًا ملك عليك وقتك وشغل فكرك وأسهد نومك وأبكاك ليلاً، وليس ذلك كله اعتراضًا على أقدار الله، ولكنه- إن شاء الله- تنفيسًا عما بالصدر والخاطر، ورجاءَ من الله الواحد الفاطر.
ابنتي لا تحزني على خطيبك السابق، فإن كان كما تقولين ممن لا يحفظ العهود فالحياة مع هذا الصنف من الرجال مؤلم أشد الإيلام، فلا أمانَ معه ولا اطمئنان، ولا استقرارَ بجواره ولا استمرار، والتخلص منه قبل الزواج به يعدُّ نعمةً كبيرةً، كما لا أحب أن تبكي على ماضٍ فائت.. فما أخطأك ما كان ليصيبك.
إن شعورك العميق الأليم بعدم زواجك حتى الآن جعلك تشعرين بطعم مرير لنظرة الآخرين إليك؛ الأمر الذي يفقدك الثقة في نفسك ويزيد من حسرتك وألمك، وهذا هو أخطر الأضرار، فانظري يا ابنتي دائمًا إلى ما لديك وهو كثير كثير كما ذكرتِ، ولا تنظري إلى ما لم تمتلكيه بعد فإن شاء الله كل أمر مكتوبٍ سيأتي في وقته المقدر له، وإني لأعجب من الأخوات اللائي ينظرن إلى حالة مَن هن مثلك ويكتفين بالنظرة الشفوق العطوف.. فالنظر وحده لا يزوج فتاة.
وإنما هو السعي في تزويجها والتنقيب عمن يُلائمها من الشباب، والعمل على تيسير إتمام الزواج، فكل امرأةٍ ظلت بلا رجلٍ وهي في حاجةٍ إليه فإثمها على مَن حولها من الناس رجالاً ونساءً حتى يزوجوها بمَن يصلحها في دنياها ودينها.
إن مشكلتك يا ابنتي الغالية فجَّرت لدي جراحًا.. فمشكلتك مأساة عصر كثر به وجود فتاة بلا زوج يحفظها ويرعاها ويحبها ويلبي احتياجاتها النفسية والمادية ويجمعها به بيت واحد وهدف واحد وأمل واحد وفراش واحد وطعام واحد ورؤية واحدة وذرية واحدة، تنتعش في كنفه بالأنوثة الرائعة وترتوي بسببه بالأمومة الدافئة.. مأساة عصر كثرت فيه حالات العنوسة وتأخُّر الزواج وعزوف الشباب عن الزواج مجبرًا مقهورًا أو متجبرًا مغرورًا.. مأساة عصر تنقصه مؤسسات معتبرةً تحمل هم تزويج الفتيات والشباب حملاً مسئولاً لتجتث ظاهرة العنوسة من مجتمعاتنا اجتثاثًا، بينما تملؤه صالات وفضائيات وبيوت اللهو والعبث تنشر الفساد وما يغني الشباب بالحرام عن الحلال.. مأساة عصر عسر سبل الحلال ويسر سبل الحرام.. مأساة عصر نشر فلسفات متخلفة جعلت الناس ينظرون نظرة تجريم وتجنب أو إشفاق وفراق إلى المطلقة وكأنها هي المخطئة التي حطَّمت وحدها زواجها وإلى الأرملة لأنها أجرمت حينما تزوجت برجلٍ قصيرِ الأجل وإلى العانس وكأنها سعيدة محبورة وبالعنوسة مسرورة مقرورة.
مأساة عصر نظر إلى هذه الصنوف من النساء المبتلات نظرة خاطفات الرجال لمجرد احتياجهن الفطري الطبيعي الإنساني لزوج.. مأساة عصر بعد عن سماحة الدين وعظمة الدين وروعة الدين فتجرع أهل هذا العصر ذل البعاد عن هذا الدين.. مأساة عصر حارب تشريع تعدد الزوجات الذي يقتل العنوسة في مهدها في حالة ازدياد أعداد النساء عن أعداد الرجال، وهذا ما هو كائن الآن ويوفر لكل امرأةٍ احتياجها الطبيعي الفطري الإنساني من الزواج؛ ولذلك كان تشريع تعدد الزوجات ليس من حقوق الرجل ولكنه من حقوق المرأة التي يجب أن تستمسك هي به وتزود عنه لا أن تحاربه وتتنازل عنه.. مأساة عصر حارب ما يصلحه ففسد.
اخرجي يا ابنتي من أحلامك التي أغرقت نفسك بها واشغلي نفسك بفعل الخيرات وأكثري من الدعاء فالله يسمع ويرى، وأهيب بمَن حولك كلهم ألا يغمض لهم على الوسادة جفن ولا يسكن لهم على السرير جنب حتى يجدون لك شابًّا يليق بصبرك ودينك، تقرُّ به عينك ويسكن به فؤادك وترزقي منه بأبناء وبنات يملؤن عليك حياتك، ويشبعون أمومتك.
وإني لأدعو الله أن أحضر عرسك قريبًا وليس ذلك على الله ببعيد.