أي نورٍ من وهج الشموس الربانية أشعله النبيُّ الكريمُ في قلوبِ صحابته فأشرقتْ وأضاءتْ بعد ظلمةٍ وديجورٍ؟! وأي ماءٍ من فيض الحياة الروحية أفاضه عليها فاهتزَّتْ وربتْ ونمتْ فيها الأزاهيرُ وأورقت بالوجدانيات والمشاعر وترعرعت فيها العواطف والضمائر؟

إن النبيَّ- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قَذَفَ في قلوب صحابته هذه المشاعرَ الثلاثة فأشرقتْ بها وانطبعتْ عليها.

(أ) قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحقُّ وما عداه الباطلُ، وأن رسالتَهُ خير الرسالات، ونهجَهُ أفضل المناهج، وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين، وتلا عليهم من كتاب الله ما يزيد هذا المعنى ثباتًا في النفس وتمسكًا في القلب: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾ (الزخرف).. ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾ (النمل).. ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)﴾ (الجاثية).. ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾ (النساء) فآمنوا بهذا واعتقدوه وأصدروا عنه.

 

(ب) وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا أهل الحق وما داموا حملة رسالة التنوير، وغيرهم يتخبَّط في الظلام، وما دام بين أيديهم هدي السماء لإرشاد الأرض فهم إذن يجب أن يكونوا أساتذةَ الناس وأن يقعدوا من غيرهم مقعد الأستاذ، ويسدده ويقوده إلى الخير ويهديه سواء السبيل.

 

وجاء القرآن الكريم يثبت هذا المعنى ويزيده كذلك وضوحًا، وصاروا يتلقون عن نبيهم من وحي السماء ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110) ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143) ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: من الآية 78) فآمَنوا بهذا واعتقدوه وأصدروا عنه.

 

(ج) وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزِّين بانتسابهم إليه فإن الله معهم، يعينهم ويرشدهم، وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم، إذا تخلى عنهم الناس ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصير.

 

 الصورة غير متاحة

وهو معهم أينما كانوا وإذا لم ينهض معهم جندُ الأرض ينزل عليهم المدَد من السماء، وأخذوا يقرأون هذه المعاني واضحةً في كتاب الله.

 

﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 128) ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: من الآية 105) ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40) ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ (المجادلة: من الآية 21) ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾