- رامزي كلارك: التعامل مع النظام المصري يحتاج إلى معجزة

- المحاكمات استخدام سيئ للسلطة في تشويه المعارضة

- الدعم الأمريكي للأنظمة الديكتاتورية وراء تراجع الحريات

 

حوار- علاء عياد

حضر رامزي كلارك- وزير العدل الأمريكي الأسبق- إلى القاهرة للمشاركة في الدفاع عن الإخوان المحالين إلى المحاكمات العسكرية بالجلسة الثالثة للمحكمة، ورغم ذهابه إلى مقر المحكمة بمنطقة الهايكستيب إلا أن هيئة المحكمة رفضت دخوله لقاعة المحكمة وحضور الجلسة، وفشلت كافة محاولات هيئة الدفاع لإدخاله إلى القاعة، فقام الرجل بعقد مؤتمر صحفي شرح فيه رأيه عن المحاكمات العسكرية، كما التقى بأسر المحاكمين عسكريًّا، ووعد بطرح القضية على المنتديات الحقوقية في أمريكا وغيرها.

 

تخرَّج كلارك في كلية القانون التابعة لجامعة شيكاغو، وعيَّنه الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي مساعدًا لوزير العدل عام 1961، ثم أصبح كلارك وزيرًا للعدل خلال حكم الرئيس جونسون بين عامي 1967 و1969م، وخلال هذه الفترة كان من أكبر المدافعين عن الحقوق المدنية، وكثيرًا ما انحاز إلى جانب المستضعفين وقضايا الشعوب الفقيرة، ويرفع كلارك صوته دائمًا منددًا بالعمليات العسكرية الأمريكية في أنحاء العالم، ويصف المسئولين الحكوميين الأمريكيين بأنهم خارجون دوليون عن القانون، وقام كلارك بزيارة معظم الدول التي تعرَّضت لهجمات أمريكية مثل فيتنام والعراق وصربيا وبقاع التوتر الأخرى في العالم متقصيًّا آثار القصف الأمريكية وآثار الحصار على سكان هذه البلاد، وقد أنشأ في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991م محكمةً لجرائم الحرب حاكمت وأدانت كلاًّ من الرئيس جورج بوش الأب والجنرال كولن باول والجنرال نورمان تشوارسكوف وآخرين، وهو الآن مؤسس ورئيس مركز العمل الدولي الذي يعتبر أكبر حركة مناهضة للحرب في الولايات المتحدة الأمريكية، "إخوان أون لاين" التقى بكلارك وأجرى معه هذا الحوار:

 

* ما تعليقك على منعك من حضور الجلسة ضمن هيئة الدفاع؟

** منع هيئة الدفاع أو المراقبين من حضور جلسة المحاكمة مؤشر لإصرار النظام على إجراء محاكمة غير عادلة، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لي فقد حضرت محاكمات سياسية في قارات الدنيا الست تعلق بعضها بأسوأ التهم مثل الخيانة والقتل الجماعي ولم يتم منعي من حضور أيٍّ منها، إلا في مصر التي تنتهك حقوق الإنسان وتعامل مواطنيها أسوأ معاملة قد تؤثر على السلام رغم أن ذلك كان في دول أكثر قمعًا وديكتاتوريةً من مصر، وأعتقد أن منعنا يؤكد أن الحكومة المصرية لديها ما تخجل منه، وهذا يؤكد أن الحكومة تتهم أبرياء.

 

كارثة

* كيف ترى محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية؟
 
 الصورة غير متاحة

 كلارك لم يسمح له الأمن بحضور جلسة المحاكمة الثالثة

** هو انتهاكٌ صارخٌ للحقوق الأساسية للإنسان، ومصر بهذه المحاكمات تنتهك كل الاتفاقيات التي تلزمها بحماية حقوق الإنسان، فبموجب القانون الدولي من حق أي شخصٍ أن يتمتع بحقوقه الأساسية ومنها استقلالية المحكمة وعدم خضوعها للقانون العسكري، فليس هناك أي سندٍ قانوني لمثول هؤلاء المدنيين أمام القضاء العسكري، كما أن العهد الدولي لحقوق الإنسان أقرَّ أن يعرف مَن يحاكم الاتهام المُوجَّه إليه وأن يُحاكَم محاكمةً عادلة.

 

وعمليات القبض التي تزايدت في السنوات العشر الأخيرة ضد الإخوان المسلمين هي استخدام سيئ للسلطة السياسية في مصر، ولأنه ليس هناك دلائل لإدانة تلك العناصر اضطرت الحكومة المصرية غير الديمقراطية إلى استخدام قوتها بطريقةٍ سيئةٍ وغير قانونية؛ لأنه ليس هناك اتهامٌ بقيام الإخوان بأعمال عنف.

 

والشيء الغريب أن نرى بعد أن أثبتت محكمة الجنايات براءةَ مَن يُحاكمون من الإخوان تدخل الرئيس بنفسه ليحاكمهم أمام محكمةٍ عسكرية، وزيادةً على ذلك تُصادر أموالهم وتُجمَّد أعمالهم التجارية، ليحرموا العائلة ليس فقط من رب العائلة بل أيضًا من العمل الذي كانت تعيش منه العائلة.

 

ولذلك فإن ما حدث لقيادات جماعة الإخوان يعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية للإنسان، فمن حق أي إنسانٍ أن يتساوى مع غيره من البشر في الحصول على الحرية، وهي حق لا مساسَ به، وأرى أن هذه المحاكمات استخدام سيئ للسلطة السياسية هدفه تشويه وهدم المعارضه السياسية.

 

نحتاج لمعجزة

* ما الذي يمكن أن تنتهي إليه هذه المحاكمة من وجهة نظرك؟

** التعامل مع النظام المصري في مثل هذه القضايا يحتاج إلى معجزة، فبالرغم من أنه لا يوجد أي أساسٍ حقوقي أو قانوني يعطي الحق بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، إلا أنه تم تحويل الإخوان إلى محكمة عسكرية، فماذا يمكن أن يتوقع أي شخصٍ من نظامٍ يتعامل بما يمكن أن نسميه بسياسة اللا قواعد، ومع ذلك فعلينا الإصرار والنضال، وأقول للرئيس مبارك بأن عليه وقف هذه المحاكمة غير العادلة فورًا، وأن يعترف بأن ما حدث كان خطأً فادحًا ليس في حق الإخوان وحدهم بل في حق الحرية والديمقراطية، فمعاملة المواطنين بعدم الكرامة التي يستحقونها يولد أشياء من الصعب أن يتوقعها أحد، وأدعوه كذلك إلى الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية للحقوق السياسية والمدنية التي صدَّقت عليها مصر.

 

القضية دوليًّا
 
 الصورة غير متاحة

كلارك أكد وجود تعتيم إعلامي متعمد 

* باعتبارك ناشطًا دوليًّا في حقوق الإنسان.. كيف ينظر العالم لهذه القضية؟

** العالم الحر بلا شك ينظر إلى هذه القضية بترقب؛ لأنها في النهاية ضد الحرية وحقوق الإنسان، إلا أنه يجب الاعتراف أيضًا بأن هناك حالةً من التعتيم المتعمد تشارك فيه بعض الوسائل الإعلامية العالمية لكراهيتها في الإخوان والتيار الإسلامي بشكلٍ عام، إلا أن هذا لا يمنع أن هناك العديدَ من الإجراءات التي يمكن اتباعها لنشر القضية دوليًّا، رغم ضعفها، ومنها اللجوء إلى لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والتصعيد وعرض القضية على محكمة العدل الدولية بجنيف رغم أنها وسيلة بطيئة، والاتصال بجماعات حقوق الإنسان بما في ذلك الجماعات المسيحية منها؛ لأن هذه الجماعات لديها قناعة بجماعة الإخوان لأن هؤلاء الأشخاص من مهندسين وأطباء اعتقلوا بسبب ما حققوه للمجتمع المصري فخافت الحكومة المصرية من ذلك!!.

 

النظام يتنصل

* بعيدًا عن هذه المحكمة كيف تُقيِّم الديمقراطية في مصر؟
 
 الصورة غير متاحة

أهالي المعتقلين يرفعون شمسيات الحرية 

** النظام المصري عجيب، فالحكومة وعدت بفتح الأبواب من أجل الحريات العامة، ولكن بعدما وعدت تنصلت من وعدها وأغلقت أبواب الحريات، وللأسف الشديد أن الحكومات العربية ككل تنادي بالحرية ولكن الممارسة الفعلية لا يوجد فيها أدنى حرية، ومن الواضح أن الحكومات العربية تمارس حرية من نوعٍ خاص هي الحرية السرية التي لا يعلم ولا يعرفها أحد.

 

والمشكلة أن النظام المصري يتعامل بسياسة الضغط على الشعب المصري؛ ولذلك خسر النظام ثقة المجتمع، في الوقت الذي استطاع الإخوان أن يستولوا على حب وتعاطف المصريين؛ لأنهم يساهمون في تنمية المجتمع ومساعدة الفقراء والمساكين، فالإخوان مواطنون صالحون يربطهم بمجتمعهم علاقات إنسانية، وأن يحاكموا فهو شيء مثير للاشمئزاز، وكأنهم يحتجزون الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، وهذا شيء خطير، ومن الواضح أن الحكومة المصرية دأبت على انتهاك حقوق الإنسان وبخاصة ضد الإخوان المسلمين.

 

والحكومة المصرية هي المسئولة الأولى، ولكن يُضاف إليها الولايات المتحدة باعتبارها طرفًا أساسيًّا في هذه المعادلة، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة تعرف ما يتعرض له الإخوان من اعتقالات الآن، وبالرغم من ذلك فالإدارة الأمريكية تؤيد الحكومة المصرية بمبالغ طائلة من الأموال، والمعونة الأمريكية ليست أكثر من فاتورة حماية مصر لإسرائيل، وإن لم تكن إسرائيل لما حصلت مصر على شيء، فالإدارة الأمريكية تدعم نظام مبارك على طول الخط ضد الإخوان.

 

* معنى ذلك أن الإدارة الأمريكية تكيل بمكيالين؟

** هذا أمرٌ لا خلافَ فيه، فإدارة بوش الحالية تقف بشكلٍ واضحٍ ضد ظهور أي ديمقراطية تهددها، وهو ما تجلَّى في موقفها تجاه الإخوان بعد حصدهم 88 مقعدًا في مجلس الشعب، ثم فوز حركة حماس باكتساح في الانتخابات التشريعية وتشكيلها حكومة منتخبة، إلا أن هذا لم يُرضِ "إسرائيل" وبالتالي لم يُرضِ أمريكا فقامت بحملةٍ دوليةٍ لحصار الديمقراطية الممثلة في فلسطين.