في أوقات المحن والابتلاء تتنزَّل الرحمات، ويرسل الله- عزَّ وجل- رسائل متنوعة، تعين على الصبر والثبات، وقد تتنوَّع هذه الرسائل أو يختلف مضمونها، إلا أنها في كل الأحوال تُحقِّق الهدفَ المرجوَّ منها، وهو الإحساس الرائع بـ"معية الله"، فالله معنا، ويدافع عنا، يرانا ويسمعنا، ويعلم حالنا أكثر من أقرب الناس إلى قلوبنا، ما يقدره هو الخير كله؛ حتى لو عجزت عقولُنا المحدودة عن إدراك حكمته.

 

ومن هذه الرسائل أن يمر الإنسان بموقف مؤثر أو مشاعر رفق، من أشخاص لا يعرفون الرفق أو الرحمة، أو رؤية من هم مبتلون أكثر منا، فنشعر بنعمة العافية، قد تكون الرسالة هي تيسيرَ أمر عسير حارت عقولُنا في كيفية اجتيازه، أو النجاةَ من خطر محقَّق، وربما تكون رؤيةً صالحةً تحمل معانيَ طيبةً، أو حضورَ شخص غائب منذ زمن، ونحتاجه في هذا التوقيت على وجه التحديد.

 

عائلات الإخوان المعتقلين يرون من هذه الرحمات والرسائل الكثير، حتى إن زوجة أحد المعتقلين قالت يومًا: "أمن الدولة عندما يدخل إلى المنزل، تدخل معه الملائكة"، في إشارة للسكينة التي يشعرون بها أمام هذا الموقف الصعب.

 

وفي هذا الموضوع محاولةٌ للتعرُّف على تجاربهم ومشاعرهم، وفي الوقت نفسه ندعو لهم بالعافية، بعد مرور عام كامل على المحاكمة العسكرية لذويهم من قيادات ورموز جماعة الإخوان المسلمين.

 

وبشر الصابرين
 
 الصورة غير متاحة

فاطمة الزهراء

منذ بدأت المحنة وفاطمة الزهراء- كريمة المهندس خيرت الشاطر (النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين) وزوجة المهندس أيمن عبد الغني- تحتفظ بـ"نوتة" تكتب بها يوميًّا المواقف التي استشعرَت فيها معيةَ الله، وتُبدي الزهراء دهشتَها من أن يومًا واحدًا لم يمرَّ دون أن تدوِّن فيه رحمةً جديدةً يمنُّ الله بها عليها.

 

وتحكي عن أهم هذه المواقف قائلةً: "عندما أبلغونا بقرار إحالة أبي وزوجي إلى المحاكمة العسكرية، جرَيت أنا وإخوتي في اتجاه التليفزيون حتى نتأكَّد من الخبر من قناة (الجزيرة)، وما إن فتحنا التليفزيون حتى وجدنا قناةً إسلاميةً والشيخ فيها يفسِّر آيةً قرآنيةً ويقول: "الآية هنا بتقول إيه؟! ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِيْنَ﴾ فشعرتُ أنها رسالة من الله لنا".

 

وتروي الزهراء عن والدتها أنها في التوقيت نفسه كانت خارج المنزل، وبمجرد أن فتحت باب السيارة وجدت الراديو يعمل وحده، والآية تقول: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ (آل عمران)، فشعرَتْ أن هناك أمرًا ما قد حدث، وأن الله أرسل لها هذه الآية ليهوِّن عليها.

 

حتى الأطفال كان لهم نصيبٌ من هذه المنح، فقد اصطحبت الزهراء أبناءها الصغار معها إلى معرض الكتاب، وكانت ذاهبة فقط للالتقاء بعدد من الأصدقاء هناك، وعندما شعرت أنها سارت مسافةً طويلةً دون أن تلتفت إليهم أو تفكر أن تشتري لهم شيئًا من المعروضات الكثيرة حولهم، قرَّرت أن تشتري لهم شيئًا لتُرضيَهم به وتُسعِدَهم، فدخلت دار نشر للأطفال، وكان أول ما وقعت عليه عيناها، هو قصة أطفال اسمها (زائر منتصف الليل)، تحكي عن الابتلاء والاعتقال، وتشرح للأولاد أسبابه بطريقة لطيفة، وهو ما كانت فعلاً تحتاجه ويحتاجونه هم في هذه اللحظة.

 

بطاقة تهنئة وباقة ورد

حتى الوالد- المهندس خيرت الشاطر- مرَّ بتجربة عندما أجرت مريم ابنته عمليةً جراحيةً، وكانت الأسرة آتيةً لزيارته بدونها، فأراد أن يُدخل السرور على قلبها، وتمنَّى أن يرسل لها "كارت" وباقة ورد، ولكنه لم يكن يدري كيف يوصي على هذه الأشياء، وأثناء حيرته وجَدَ شخصًا لا يعرفه يقدِّم له "كارت" هدية، وشخص آخر يقدم له باقة ورد، فكان سعيدًا أن حقَّق الله له أمنيتَه ورزَقَه من حيث لا يحتسب، وأرسل بـ"الكارت" والباقة إلى مريم، واستطاع إسعادها بعد أن كان مشفقًا عليها غاية الإشفاق.

 

رسائل طمأنة

عندما يكون الإنسان في بلاء عظيم، ويجد من يزوره فجأةً، ودون مقدمات، ثم يهديه رسالةً هو أحوج ما يكون إليها، يشعر حقًّا بـ"معية الله"..

 

هذا ما حدث مع زوجة المهندس أحمد شوشة، التي تحكي قائلةً: "كنت أشعر بحزن وكرب شديد، ولا أدري ماذا أفعل لأهوِّن هذا الكرب، وفوجئتُ بضيوف غير متوقَّعين، ومع أحدهم مقالٌ رائعٌ للغاية كُتِبَ فيه مقولة لأحد العلماء يقول فيها:

 

عجبت لمن أصابه الهمّ، وقد علم قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ﴾ (آل عمران: من الآية 173) وتلاها الله بقوله: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ﴾، وعجبت لمن يفزع وقد علم قول الله تعالى: ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ﴾ (الأنبياء: من الآية 87) ثم أعقبها بقوله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِيْ الْمُؤْمِنِيْنَ﴾، وعجبت لمن مُكِرَ به وقد علم قول الله تعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: من الآية 44)، وقد أعقبها الله بقوله: ﴿فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا﴾.

 

 سنة الدعوات

ويحكي عبد الرحمن شوشة عن إحدى تجاربه في هذا الاتجاه، فيقول: "عند ذهابي لزيارة أبي أعلم أنني سأظلُّ عدة ساعات في انتظار الدخول إليه ولقائه، وبالتالي أعد نفسي أن أستفيد من وقت الانتظار، بأن أصطحب معي كتيبًا صغيرًا لأقرأه، وفي أول زيارة اخترت كتابًا لم أكن أعرف محتواه، وكان عنوانه لا علاقة له بالاعتقال أو الابتلاء، ولذلك أصابتني دهشة شديدة حين فتحت صفحةً في منتصفه بصورة عشوائية؛ لأجد عنوانًا للباب يحمل اسم "الابتلاء سنة الدعوات"!!.

 

سر الرؤية
 
 الصورة غير متاحة

عائشة حسن مالك تهتف ضد الظلم

وتكرَّر نفس هذا النوع من الرسائل مع خديجة حسن مالك، والتي أدهشها في أول يوم بعد اعتقال والدها، والذي كان قبل العيد بيومين؛ حيث إنها اختارت شريطًا ووضعته في كاسيت السيارة، فكان أول ما سمعته في الشريط دعاء: "اللهم فك أسر أسرانا وأسرى المسلمين".

 

وكانت الرؤية عاملاً آخر من عوامل التهدئة والطمأنينة؛ حيث تقول خديجة: "كنت نائمةً بجوار أمي وكانت الظروف المحيطة خانقةً فلم أستطع أن أمنع دموعي من الانفجار، فخفت أن يوقظ بكائي أمي وهي التي تعاني أكثر مني بكثير، فقُمت من جوارها ونمت في حجرة أخرى، وبعد أن هدَّني البكاء نِمت، فحلمت بإحدى صديقاتي، والتي توفَّاها الله في عيد الفطر الماضي، ووجدتُها قادمةً ناحيتي وهي ترتدي ملابس راقيةً للغاية، وكان مظهرها جميلاً جدًّا، ووجهها مليئًا بالنور، وقالت لي: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ (آل عمران: من الآية 139)، فاستيقظت سعيدةً؛ لأني رأيتها وهي في حال طيبة، وكنت سعيدةً أيضًا بالآية التي قالتها لي.

 

ولم يكن الوالد حسن مالك في داخل المعتقل بعيدًا عن هذه النفحات؛ تقول خديجة: "بعد زيارتنا لأبي- وكان قد عرف منا خبر بدء جرد ممتلكاتنا- دخل إلى زنزانته وهو يشعر بكرب شديد، فدعا وقال: "يا رب.. فرِّج الكرب"، وكرَّر الدعاء، في هذه اللحظة أتى الشاويش ليغلق الزنزانة بالقفل، وكانت المفاجأة أن "صواميل" باب الزنزانة كُسِرت وسقط الباب بالكامل، فشعر براحة شديدة، وأن الله بالفعل معه، ونام نومًا عميقًا.

 

هدية الفرح

وكان لآيات القرآن أثرٌ عظيمٌ على أم مريم- زوجة محمود عبد الجواد- حيث إنها بعد أن علمت بقرار التحفُّظ على أموالهم، وهو ما لم يكن متوقَّعًا، وكان له أثرٌ نفسيٌّ عظيمٌ بسبب الإحساس بالظلم والخسارة، ولكن في اليوم نفسه تمكَّن زوجها من محادثتها هاتفيًّا، وعندما سمعت صوته انهارت في البكاء وسألته إن كان قد علم بالقرار، فردَّ عليها بقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوْعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِيْنَ﴾ (البقرة: 155)، وتؤكد أن هذه الآية نزلت بردًا وسلامًا على قلبها، وتوقفت فورًا عن البكاء، وأكثرت من حمد الله.

 

وتعتبر أن من أكثر المواقف التي شعرت فيها بمعية الله هو وقت عقد زواج ابنتها مريم؛ حيث كان شعور الأسرة أن هذه المناسبة ستكون حزينةً لعدم وجود الوالد معهم، ولكن عدد الأشخاص الذين تعاونوا وساعدوا في إتمام هذا اليوم بأفضل ما يكون كان كبيرًا جدًّا، وأدخلوا السرور على قلوبنا بطرق مختلفة، حتى إن إسراء وجهاد- بنات ضياء فرحات- قامتا بعمل مفاجأة لطيفة للغاية عندما قامتا بشراء هدية لمريم وأَعْطَيَتاها للحاج محمود حتى يرسلها لابنته؛ باعتبار أنها هديته، وكانت فكرة لطيفة ومؤثرة للغاية منهما.

 

النجاة
 
 الصورة غير متاحة

د. عصام حشيش

أن تنجو من خطر محقَّق تؤكد الأسباب المادية استحالةَ النجاة منه؛ فهذا بالتأكيد من معية الله، وهو ما تحكيه د. سميرة- زوجة د.عصام حشيش- فتقول: "ذهبت لزيارة زوجي بمفردي، وقُدتُّ السيارة بنفسي حتى المعتقل، والطريق إلى سجن المزرعة طريق سريع والحوادث فيه خطيرة للغاية، واتسمت رحلتي بالهدوء والسكينة، وبعد عودتي مباشرةً أخذ ابني السيارة ليقضي بها "مشوارًا" آخر قريبًا من البيت، ولم يكد يمشي بها بضعة أمتار حتى شعر بوجود مشكلة في إحدى الإطارات، وعندما توجه لإصلاحه اكتشف أن الإطار به 8 ثقوب، وعندما أتذكر إنني عدت كل هذه المسافة دون أن أتعرَّض لأذى أشعر أنها من حفظ الله ومن معية الله.

 

رسالة من مجهول

وتقول منال أحمد- زوجة أحمد أشرف-: أحيانًا الرسالة من مجهول تكون بلسمًا لجروحنا، وتروي أنها كانت تجلس وحدها ليلاً، وكانت تشعر بتأثر شديد، فجاءتها رسالة على التليفون المحمول، لا تعرف مصدرها، تقول: "رباه أطفئ شوقنا.. وعلى دروب الخير ربِّ ألِّف بيننا.. إننا نأبى الخلود فدارنا.. ليست هنا، وجنان خلدك حلمنا.. رباه فاجمعنا بها.. واجعل أعاليَها لنا".

 

الله معنا

 الصورة غير متاحة

د. محمود أبو زيد

ويظل التفوق أهم العناصر المشتركة بين أبناء الإخوان المعتقلين؛ فتقول شاهيناز شوقي- زوجة د. محمود أبو زيد- إن الأبناء جميعًا تفوَّقوا في دراستهم، وهو ما تعتبره من توفيق الله لهم ومعيته، رغم الظروف التي يمرون بها، فحصل الأبناء الكبار جميعًا على تقدير امتياز في كلياتهم، وحقَّقت الصغيرة صفية (الصف الثاني الابتدائي) المركز الثاني على مستوى المدرسة، وتؤكد شاهيناز أن محاولاتها السابقة المتكررة لحفظ سورة البقرة باءت جميعًا بالفشل، ولكنها- ورغم الظروف القاسية التي تمرُّ بها- تمكَّنت بحمد الله من حفظها، وهو ما يُشعرها أن الله معها دائمًا.

 

وتعتبر زوجة محمد أبو عجور أن تيسير الأمور المتعسِّرة من أهم علامات معية الله؛ فتقول إن زوجها تمَّ اعتقاله ثالث أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتم اعتقاله من جناح العرض الخاص بشركته؛ مما تسبَّب في إرباك شديد، وتضيف: شعرت بفزع شديد، فكيف سيتم إدارة العمل بدونه، خاصةً وأنهم أخذوه إلى لاظوغلي، ولم نكن نعلم عنه أي شيء، ولكني تذكرت قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾ (البقرة) والحديث الشريف: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إذا أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

 

واستعنَّا بالله وأتممنا فترة المعرض بفضل الله على خير، ولا تنسى أن تشير إلى شعورها بتوفيق الله لهم في الزيارات، فرغم بُعد المسافة وصعوبة الطريق وفي إحدى الزيارات كان لديها آلام شديدة في ظهرها، ومع ذلك فإنها وقت الزيارة تستطيع الذهاب دون الشعور بالألم بل بقوة ونشاط.

 

عودة الأبناء

توفيق الأبناء، وتبدُّل حالهم، هو ما أعطى زوجة صادق الحسيني الشعورَ بمعية الله معها؛ حيث كان أحد أبنائها بعيدًا عن الالتزام، فكانت هذه الأحداث ذات تأثير إيجابي عليه، وأصبح من أكثر الأبناء لجوءًا إلى الله والتزامًا بالدين، بل إن الابن الآخر كان مصرًّا على الاستقلال عن والده في العمل، ويرفض تمامًا أن يعمل بشركة والده، وأدَّى الاعتقال والمحنة إلى أن يلتزم بعمل والده ويتحمَّل المسئولية عن رضا واقتناع، وأخيرًا ابني المتزوج الذي كان منشغلاً بحياته ولم أكن أراه إلا قليلاً أصبح مواظبًا على زيارتي والسؤال عن حالي وتلبية طلباتي.

 

تفوق من عند الله
 
 الصورة غير متاحة

 م. مدحت الحداد

وتشير خديجة مدحت الحداد إلى التميُّز والتفوق الدراسي الذي حَظِيَت به هي وإخوتها، وهو ما تعتبره من أهم ما يُشعرها بـ"معية الله"؛ فتقول:" عندما حوكم أبي أمام المحكمة العسكرية لأول مرة، كنت أنا وأختي في الثانوية العامة، وكانت جلسة النطق بالحكم متزامنةً مع الامتحانات، فأكرمنا الله أولاً بأن تأجَّلت هذه الجلسة إلى ما بعد الامتحانات، كما وفقَنا اللهُ بأن حصلنا على نتائج مرتفعة جدًّا، والحمد لله، وكنا من الـ100 الأوائل على مستوى الجمهورية؛ مما أهَّلَنا للالتحاق بالكليات التي نريدها.

 

وفي الاعتقال التالي، وفي السنة التي حُكِمَ عليه فيها بالسجن 3 سنوات, كان أخي الأكبر الثاني على دفعته بالكلية، وأختي الرابعة على القسم, كما التحقت أنا بأفضل أقسام الكلية، وحصل أخي على منحةٍ لدراسة الماجستير في إحدى جامعات كندا، عقب تخرجه في جامعة الإسكندرية.

 

ولا تنحصر معية الله في التفوق الدراسي فقط بالنسبة لخديجة، وإنما تعتبر أن تعرُّفَهم على أُسَرٍ من القاهرة كانوا يستضيفونها عندهم أيام المحاكمات، وخاصةً في الأوقات التي كان يصعب عليهم فيها العودة إلى الإسكندرية، هو أيضًا من توفيق الله ومعيته.

 

ولا يفوتها أن تشيد بدور أعمامها، والذين مثلوا لها ولإخوتها دور الأب البديل, فكانوا يوجدون معهم في معظم الأوقات والمناسبات، كالأعياد وغيرها؛ حتى لا يشعروا بغياب الوالد، فكانوا يشعرون دائمًا أن هذا من رحمة الله بهم.

 

وتضيف: "حتى السفر الطويل في الزيارات، كان الله يعيننا عليه، دون أن نشعر بالتعب الذي نشعر به عندما نسافر لأسباب أخرى، وكنا نحمل معنا أحمالاً ثقيلةً لا نعرف كيف سنحملها, فنفاجأ بمن يسخِّره الله لنا ليحملَها عنا، حتى إننا في إحدى الزيارات وجدْنا مجموعة أشخاص لا نعرفهم، ساعدونا في حمل أشيائنا، وبمجرد أن أوصلونا اختفوا تمامًا حتى إننا لم نعرف من يكونون ولم نجد فرصة لنشكرهم".

 

امتياز

وعلى نفس طريق التفوق العلمي تحكي أسماء ياسر عبده عن تجربتها بعد اعتقال والدها؛ حيث كان مطلوبا منها أن تُقدم رسوماتٍ هندسيةً، ومع ظروف الاعتقال والمحاكمات لم تستطع أسماء أن تسلم اللوحات المطلوبة كلها، فسلمت ما استطاعت إنهاءه، وذهبت إلى الدكتور وهي في غاية التأكد أنها لن تحصل على تقدير عالٍ، وأثناء وجودها في حجرة الدكتور وقبل أن يتم رؤية اللوحات جاءته مكالمةٌ تليفونيةٌ لا تعرف مصدرها، وبدا عليه التهلل ثم أعطاها الرسومات، وقال لها: سأعطيكِ "امتياز"!!.

 

تقول: فشعرت أن هذا من توفيق الله لي؛ لأني بالفعل بذلت جهدي، والظروف بالإضافة إلى ضيق الوقت فقط كانا هما أسباب عدم إنهاء الرسومات.

 

كما أكد الجميع أنهم قد يتمنَّون شراء سلعة معينة، فيجدون من يحضرها لهم في اللحظة ذاتها، ودون أن يطلبوها، وتنوَّعت هذه الهدايا، ما بين مسحوق للغسيل، أو دجاج، أو فاكهة، أو غذاء قبل الزيارة أو بعد العودة منها..