إلى الأحرار الذين يحاكمون الظلم رغم أنهم خلف القضبان!!

إلى السادة.. في زمن كثُر فيه عبيد الحكام والمال، واسغنيتم أنتم بالله عن هذا وذاك..

إلى الأساتذة.. الذين علَّموا الناس كيف تكون التضحية في سبيل المبادئ..

إلى الأحباب.. الذين هجروا فُرُشَهم الناعمة، ورضوا بالنوم على فُرُش خشنة في هذا البرد القارس، لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله..

إلى إخوتنا.. زهور البستان.. ومن ينكر أنهم زهور البستان؟!

هم الرياحين العطرة في بستان الصابرين المناضلين في سبيل الحق، والمضحُّون لأجل دينهم بالغالي والنفيس..

 

إنهم فئةٌ اختارها الله لتكون في طليعة المجاهدين بالعمل قبل الكلام.

اصطفاهم الله ليحملوا عاقبة قول الحق، ويظفروا بأجر الرجل الذي قام إلى سلطان جائر، فقال له قولةَ حقٍّ ولم يخش في الله لومة لائم.

 

هم بالفعل زهورٌ ورياحينُ أُنبتت في ضِياعِنا المقفرة لتردَّ لها الحياة من جديد، ولتنبت الأمل في نفوس أوشكت على بلوغ مرحلة اليأس من الإصلاح.

 

إنهم طليعة المجاهدين ومقدمة المكافحين في سبيل نيل حريتنا.

 

إليكم يا من تحمَّلتم عبء أمة كاملة، تذبُّون عن حياضها، وتدافعون عن ثغورها، أُهدي تحياتي واعتذاري.

 

تحياتي.. لأننا نعلم أن قلوبكم الطاهرة تحمل الخير للأمة كلها، وأن الله لم يصطفِكم من دون أسباب، بل عرفناكم مجاهدين بالكلمة والرأي والجهد والدعوة إلى الله، منذ أن وعينا على هذه الدنيا الفانية.

 

أما اعتذاري.. فلأننا قصَّرنا معكم في كل شيء، ولم نوفِّكم حقَّكم علينا في الدعاء والدعم والمساندة، ولكننا ندرك سعة صدوركم التي تحمَّلَت هذا الكرب عامًا كاملاً، أفلا تتحمل تقصير إخوانكم في مساندتكم؟!

 

يا سادتي.. كلنا في قفص واحد نحاول الخروج، وإن قبعتم داخل هذه الزنازين الضيقة تتناقشون وتفكِّرون وتحملون همَّ سجنكم وهمَّ أولادكم، فإننا لا نختلف عنكم كثيرًا، فإننا نعيش في سجن، وإن كان أكبر قليلاً، وأسواره أكثر اتساعًا من الأسوار التي حُبِسْتُم وراءها، ولكن همنا واحد، وكربنا واحد، وفي نفس الوقت يجمعنا أمل واحد.

 

أمل في أن نعيش في مجتمع حر، قرارُه من داخله وليس مفروضًا عليه من خارج أسواره..
أمل في مجتمع يتمتع أبناؤه بالحرية في ديارهم وأولادهم وأموالهم وأرواحهم.. مجتمع لا ينام فيه الفرد مترقِّبًا أن يأتيه زوَّار الظلم في أي وقت، وألا يدقَّ عليه مبعوثو القهر الأبوابَ بين ساعة وأخرى..

 

مجتمع تأمن فيه بناتُنا ونساؤنا على أنفسهن بألا يقتحم عليهن الأشرارُ الحجراتِ من دون استئذان.. مجتمع يعيش الفرد فيه مفكِّرًا في مستقبله وعمله وتطوير ذاته وأمته، لا أن ينشغل في كيفية حماية ماله وفلذات أكباده من الهجوم المتوقَّع لقوات "الخوف" التي لا ترعى إلاًّ ولا ذمةً في أبناء شعبها.

 

ألا أيها الإخوان الذين غُيِّبوا عنا ولم يغِب عنا فضلُهم ولا لطفُهم ولا بشاشةُ وجوههم.. أودُّ أن أبثَّكم عبراتي يا من تُضيئون لياليَنا بدعواتكم الصادقة، رغم الظلام الذي تعيشون فيه، فأنتم من غير مبالغة قناديل تقدم الضياء للآخرين، رغم أنها لا تتمتع بالحرية، والفرشاة التي ترسم طريقًا يعلِّمنا كيف يكون التفاني في حب الله، والذوبان شوقًا في حب الوطن.

 

أنتم يا رمز الصمود على الحق، نتعجَّب كيف تصبرون على هذا الأذى ولم يفكر أحد منكم، مجرد تفكير، في التراجع عن هذا الطريق الذي اختاره الله تعالى لكم، لتسيروا فيه على خطى المجاهد الأكبر الذي تحمَّل في سبيل هذا الدين ما لا يتصوره أحدنا.

 

إليكم، مهما تكن الأحكام التي تصدر في حقكم، نياشين الكرامة وأوسمة الجهاد في سبيل الله.
وإلى أسركم وأبنائكم الذين اكتشفنا فيهم طاقةً هائلةً من الصبر والإيمان والثبات لم نعرفها إلا في عهود الصحابة، والذين ساروا على هديهم.. نقدم نَوْط الامتياز؛ فهم بالفعل كتبوا سطورًا مضيئةً في سجلِّ التفوق لهذه الدعوة الولاَّدة التي لم يتوقف عطاؤها منذ أن وضع حجر الأساس لها الإمام الذي أُريقت دماؤه على الطريق في أحد أهم شوارع القاهرة؛ ليثبت أن الدم ليس أغلى من الفكرة والعقيدة والهدف.. أنتم جدَّدتم مع أبنائكم وزوجاتكم هذا السجلّ الخالد، ونفضتم عنه التراب الذي أوشك أن يطمسه.

 

أبشِّركم أحبتي بالأجر الجزيل من الله تعالى، الذي يرانا ويراكم، ويرى الظالمين أيضًا؛ فهو حيٌّ لا يموت، عدلٌ لا يظلم ولا يسمح بالظلم، قاهرٌ لا يترك الباغي إلى الأبد.

 

ألا تنشدون في كل وقت "الله غايتنا وهل من غاية أسمى وأغلى من رضا الرحمن؟" فها هي الفرصة قد واتتكم لتُثبتوا، وقد قمتم بالفعل، أن الله هو الهدف والغاية، رغم الآلام التي تعرَّضتم لها، والدموع التي قد سُكِبَت من أهلكم، والفراق الذي آلَمَ كلَّ محبيكم، والأموال التي استولى عليها اللصوص ومحترفو الإجرام.

 

وإلى أن تحتضنكم قلوبُنا وأيدينا وصدورُنا في سجننا الكبير.. نقدِّم لكم أسمى آيات الحب، وأرفع معاني التقدير، وأحلى مشاعر الأخوَّة الصادقة التي علمتمونا كيف تكون.