بأسوأ إخراج انتهت مسرحية محاكمة الإخوان المسلمين وبأحكام مرعبة في الألفية الثالثة، خصوصًا والكل يعلم أنه لا توجد قضية من الأساس؛ فوجئنا بأحكام تصل لأول مرة لعشر سنوات سجنًا ومصادرة الممتلكات.. أحكام وقرارات تذكِّرنا بعصور سوداء سحيقة عاشت فيها مصر أيامًا حالكةَ الظلام، كنا نظن أنها لن تعود، ولكن بدأت تطل علينا برأسها من جديد!.

 

يقف المرء مندهشًا من جرأة النظام المصري الذي يصل العناد به في بعض القضايا الخاسرة إلى ما يشبه "المسخرة"، فلقد تفجَّرت القضية منذ حوالي عام ونصف بحملة إعلامية ضخمة عن عملية غسيل أموال ضخمة يقوم بها الإخوان المسلمون، وتم اعتقال العشرات منهم، وبعد أن برَّأتهم عدة محاكم مدنية تمَّ إحالتهم بدم بارد إلى محكمة عسكرية؛ بحجَّة سرعة النظر في هذه القضية الخطيرة التي تعصف بالبلاد!!.

 

في نفس الوقت تم القبض على عدة جواسيس بتهمة التخابر مع الكيان الصهيوني، ويا للعجب!! تمت محاكمتهم أمام محاكم مدنية، وتم النظر والحكم في القضية في عدة شهور، في حين أن الإخوان "الخطرين على مصر" ظلت قضيتُهم تُتَداول أمام المحكمة العسكرية أكثر من عام، وتظهر كل يوم دلائل وبشائر وقرائن من جميع لجان الجرد والأجهزة الرقابية أنه لا يوجد غسيل أموال.. لا يوجد مخالفات. هؤلاء الأفراد شرفاء.. صفوة المجتمع علماء وأساتذة جامعة!!، وأصبح مظهر القضية في قمة السوء، وقامت المحكمة العسكرية بإسقاط تهمتي الإرهاب وغسيل الأموال عن المتهمين!!.

 

المفروض على أي عاقل أن ينصح النظام المصري ويقول لا توجد قضية أصلاً، ولم يتم حبك السيناريو، والمستندات التي قدمت ثبت تزويرها، خلاف اختلاس واختفاء أموال المتهمين التي حرِّزت، وتضارب أقول الشهود الذي لم يهتم المخرج بإحضار ملقِّن جيد لهم حتى يكون المظهر العام للمسرحية مناسبًا، وعليه كان لا بد أن يتم من التصرف في القضية وفضها فورًا.

 

لكنه العناد.. العناد الذي يكلف مصر غاليًا من سمعتها وكرامتها وكرامة شعبها، وبعد أن نزع الفاسدون عن وجوههم برقع الحياء تم الإصرار على المضيِّ في هذه القضية للنهاية، وكان شيئًا منطقيًّا لي ولكثير من المراقبين أن النظام لا يريد فضَّ المسرحية ومصمِّمٌ على استكمالها لنهاية العرض!.

 

فمن يعتقل الناخبين والمرشحين ويزوِّر ويسرطن ويُغرِق ويقتل ويقهر ويجوِّع شعبَه لن تفرق معه أن يكون البناء الدرامي للمسرحية متماسكًا أو أن يكون الإخراج بطريقة فيها من اللياقة والشياكة نصيبًا.. أو أن تكون النهاية منطقيةً ومعقولةً أو على الأقل مقبولة.

 

أكيد أن هذا الكلام هراء لو صدقنا أن "الحدَّاية" عندها عقل ويمكن أن تنصف فرخة كانت أو كتكوتًا على الأقل، وصدرت الأحكام اليوم ولا تعقيب على الأحكام ولكن.. اكتملت المأساة، وكأن المخرج فقد وعيه وعقله؛ فطاح في المشاهدين؛ الذين من المفروض أنه يقوم بهذا العمل لإقناعهم بالفيلم وبالمجهود الذي بذله فيه، وحتى تصل رسالة للمشاهدين بأن الإخوان مذنبون!.

 

ولكن مع تعاسة الاستبداد وشؤم الظلم كانت المسرحية غاية في السوء..

 

هل يُعقل أن يطارَد الأهالي على الطرق الصحراوية ويُعتقل ويُضرب منهم المئات أمام كاميرات التليفزيونات العالمية والمحطات الفضائية؟!

 

هل يُعقل أن يُمنع دخول المحامين كلهم ويتم إصدار الحكم بصورة سرية؟!

 

لو كنت مكان هذا المخرج الرديء لأسمعت الدنيا الحكم الذي يكشف الإخوان وجرمهم على حقيقتهم لو كان هناك جرم من أصله!!. ولكن وكأنها "عَملة" عملها النظام بليل، ويريد أن "يطرمخ" عليها!!.

 

ومن الواضح أنها كانت ولادة متعسِّرة؛ غاب عنها المخرج والممثلون والمنتجون، بل غاب عنها المنطق والعقل، ولنعلم جميعًا أن العناد يورِّث الكفر، وأن الأسوأ قادم مع مُخرج فقد ظله وعقله.

 

ويا الله علي عرَّابي النظام وهم يتحدثون عن الحكم اليوم ووجوهم سوداء ومخزية، لا يجدون ما يقولونه؛ فحتى تهمة غسيل الأموال أُسقطت عن المتهمين؛ فلماذا التنكيل والمصادرة، ولكنها المصالح والمراكز التي أذلَّتهم وجعلتهم يفقدون احترامهم لأنفسهم، ويبدون لنا وكأنهم "كومبارس" يؤدون دورًا تافهًا، بعد أن أسدلت الستائر على أسوأ مسرحية في أيامنا تلك.

 

ويفرح النظام بهذه الأحكام وكأنها ضربة وجَّهها للإخوان المسلمين، ولا يعلم ولا يعرف أن عين الله لا تنام، وأن دعوات المظلومين والتي خرجت اليوم من القلوب صادقة ساخنة تستغيث بالله العادل، وأن تأثيرها مؤلم وفعال.

 

ولا أعلم كيف سيعوَّض 15 من الإخوان ثبتت براءتهم بعد 16 شهرًا قضوها خلف الأسوار، أُغلقت فيها شركاتهم ودمِّرت فيها مصالحهم وفقد الكثير منهم وظائفه؟!

 

وأجدني أهتف من أعماقي وأقول: والله العظيم.. مظلومين..!!.

---------

مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان.