هو الكاتب الإسلامي الفذ الذي حظي بإعجاب الإمام البنا والإخوان المسلمين كافةً؛ لإيمانه بدعوته، واقتناعه التام بفكرته، وأسلوبه الفريد، وجرأته في الحق، ووضوحه وصراحته، فضلاً عن أدبه الجم وإخوته الصادقة.

 

إنه الأستاذ أحمد أنس الحجاجي الذي وُلد في أجواء الثورة المصرية المجيدة ثورة 1919م واصطبغ بصبغتها، وتنسم عبيرها، حتى غدا ثائرًا على الفساد، ساخطًا على الظلم، ينشد الكمال والفضيلة والحرية لبني الإنسان جميعًا.

 

رفيق الإمام البنا

أخذ أحمد أنس الحجاجي مكانه مبكرًا في صفوف الإخوان، حتى غدا مثالاً للجندي الصادق، فاصطفاه الإمام البنا- بالرغم من صغر سنه- ليكون سكرتيرًا خاصًّا له من سنة 1940م حتى استشهاد الإمام البنا عام 1949م.

 

لقد رافق الإمام البنا فترةً طويلة، وكان موضع ثقته والمؤتمن على الكثير من أسراره الخاصة، وقد وكل إليه العناية بابنه سيف الإسلام؛ لكثرة غياب البنا وتنقلاته وأسفاره خارج القاهرة، وظلَّ الوفي لشيخه الذي عهد إليه برعاية ابنه، فكان نعم المعلم والمربي.

 

يقول المستشار عبد الله العقيل: "كان الأستاذ الحجاجي كثير الحديث عن الإمام البنا، ومعجبًا به غاية الإعجاب، يروي لنا على مدار الأيام القصص والوقائع التي واجهت الإمام البنا، ويذكر من صفاته وأخلاقه ما يحببنا فيه ويشدّنا إليه، ويقول عنه: إنه مجدد العصر وهو رأس المائة؛ لأن فيه من الصفات القيادية والأخلاق العالية والمواهب النادرة ما لا تتوفر في غيره من معاصريه".

 

إيمانه بالدعوة

المتأمل لكتب ومقالات الأستاذ الحجاجي يُدرك منذ أول وهلةٍ مدى تعلُّق هذا الرجل بالإمام البنا، وتتبُّعه لحركاته ومواقفه ومراقبته لشخصيته، ومدى حبه لدعوته وتفانيه في خدمتها ونشرها.

 

يدل على ذلك كثرة كتاباته عن الإمام البنا في حياته وبعد استشهاده، ومدى قيامه بعبء التأريخ للحركة الإسلامية في العصر الحديث.

 

من ذلك قوله عن الإمام البنا في ذكرى استشهاده على صفحات مجلة (الدعوة)- السنة الأولى- العدد (3)- 7 جمادى الأولى 1370هـ/ 13 فبراير 1951م: "ليس الإيمان بحسن البنا بمقالٍ يكتب، أو كتابٍ يؤلف ويُنشر، أو خطبة تُلقى، أو دمعات تُذرف لتجففها المناديل.. لا وأبدًا، إن حسن البنا مبادئ وأخلاق، ودعوة وأعمال، وإن حسن البنا كتاب وتاريخ، وإن حسن البنا أمة كاملة ناهضة، وجيل جديد.. إن حسن البنا عهد ومَوْثق، وأمانة وبيعة.

 

على هذا آمنا به وبايعناه، وعلى هذا الإيمان سنحيا كرامًا, ونموت إن شاء الله كرامًا، وقدوتنا فيه أبدًا، إن الدعوة "جهاد وشهادة"، ولا أقل من ذلك أبدًا، لن نرثيه أبدًا، ولن نبكيه أبدًا".

 

الحجاجي والإمام

دأب الأستاذ أنس الحجاجي أن يذكر فضل الإمام البنا عليه، شأنه في ذلك شأن جميع الأوفياء الذين يحفظون الجميل، ويقدرون الرجال، فلا تمر مناسبة إلا وتطرق إلى الحديث عن ذلك بكل فخر واعتزاز، من ذلك قوله في كتابه (الإمام):

 

تعلمت منك أن الحر يأبى أن يعيش على المجد الكاذب المستعار؛ لأنه يفضح صاحبه ويزري به، ولأنه يخل بحقائق رجولته وينحط بتقدير قيمته؛ لكنما يعيش رجل الإباء ويحيا أبدًا على المجد الصادق، مجد النفس والحقيقة الذي يستمده من خلقه وإيمانه ويبنيه بإنتاجه وجهاده.

 

تعلمت منك أن المؤمن الصادق له الصدارة بإيمانه؛ لأنه بأحكام هذا الإيمان يعيش في معنى عملي تطبيقي من قولهم:

ونحن أناس لا توسط بيننا               لنا الصدارة دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا             ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

تعلمت منك أن كل (عُملة) فيها الزائف والصحيح إلا أن عملة الإيمان؛ ذلك لأنه ليس هناك إيمانان، إيمان وظيفة وإيمان حقيقة، لكنما هو إيمان واحد، لا يتعدد ولا يدور مع الأهواء والمطامع والشهوات.

 

شخصيته

ربما لم تمدنا الكتب بمعلومات كافية عن شخصية الحجاجي، ولكننا نراها بجلاء ونقرؤها بوضوح في مواقف يرويها أحد مرافقيه، وهو المستشار عبد الله العقيل الذي صاحب ورافق كثيرًا من أعلام الحركة الإسلامية؛ حيث يقول عن الحجاجي: "شخصية الأستاذ الحجاجي محبوبة؛ لأنه ودود خلوق متواضع، يألف ويُؤلف، ويحب الخير للناس جميعًا، ويسعى لخدمة الجميع بطيب نفس ورضا.

 

وكم كان- رحمه الله- يغمرني وإخواني الطلبة الوافدين إلى مصر للدراسة فيها، بالمعاملة الكريمة والخدمات العامة والأخلاق الفاضلة وطيب الصحبة؛ بحيث ينسينا أهلنا فلا نشعر بوحدة ولا غربة، بل نعيش في أجواء الإيمان والأخوة الإسلامية الصادقة والحب في الله والعمل لما يرضي الله، فوقتنا موزع بين العبادة والدراسة والدعوة في أوساط الطلبة، وكان دورنا الأساسي مع طلبة البعوث الإسلامية من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وما أكثرهم في الجامعات المصرية، خاصةً جامعة الأزهر والمعاهد التابعة لها؛ حيث يبلغون الألوف بمصر.

 

إن الأخ الحجاجي من النماذج الكريمة التي تربت بمدرسة الإخوان المسلمين وانطلقت بقوة وعزم، تنشر الخير بين الناس وتعمل على هداية الضال، وتقويم المنحرف وتقريب الشارد وتعليم الجاهل، والأخذ بيد المظلوم وعون المحتاج والتصدي للظالم وتبصير الأمة كلها بواجبها نحو دينها، والأخذ بيدها إلى مواطن العزة والكرامة، والقيادة والريادة.

 

لقد كان للعلاقات الاجتماعية والصلات الشخصية والاتصال بجماهير الناس بالدعوة الفردية والخطابة العامة وتقديم الخدمات لذوي الحاجات، أثرها البالغ في كسب قلوب الكثيرين من الناس والتزامهم جادة الصواب، وانخراطهم في سلك المسلمين الملتزمين وتحملهم أمانة الدعوة وتبليغ الناس الخير، وهذا منهج كان الأستاذ الحجاجي يحرص على الوفاء به والنهوض بتبعاته ودعوة إخوانه إليه.

 

إن الأستاذ أحمد أنس الحجاجي ظل الصورة المشرقة للنماذج الكريمة التي تخرجت في مدرسة حسن البنا، في أخلاقه وسلوكه ونشاطه وتحركه وفقهه ووعيه، وظل الوفي لشيخه، الذي عهد إليه برعاية ابنه، فكان نعم المعلم والمربي الذي لم يدخر وسعًا في تنشئة الابن سيف الإسلام، وفق ما كان يتمناه أبوه الإمام الشهيد حسن البنا- رحمه الله.

 

تجرُّد

في الوقت الذي كان الكتاب والمفكرون يتباهون بكتاباتهم وأعمالهم وحظهم من الشهرة والذيوع، عمد الأستاذ الحجاجي إلى إصدار أعماله في كتيبات ورسائل صغيرة الحجم قليلة التكلفة، كيما تصل فكرته بسهولة ويسر إلى أكبر قدر من الناس، يقول الحجاجي في مقدمة كتابه (وثائق): نطمئن قراءنا وإخواننا الأعزاء على أننا سنوالي إصدار كتبنا على هذا الحجم، آخذين في تخفيض قيمة الثمن حتى تصل إلى حد أدنى يتيح لقرائنا وأحبابنا الأعزاء الحصول على نسخهم لقاء بذل يسير.. ونعاهدهم على أننا عند الأمل دائمًا ووفاء بهذا العهد سنقدِّم الدليل العملي على أننا إنما نخدم رسالة وفكرة، ولسنا نلهو أو نبعث أو نلعب، وأننا نبذل لفكرتنا أضعاف ما نأخذ أو ننتظر منها، وعلى الله قصد السبيل.

 

أدب إسلامي

عرف الحجاجي بمشاكسته المختلفة مع بعض كتاب الإخوان، ومن بينهم الأستاذ أنور الجندي والأستاذ عبد العزيز كامل، فلا يفوت فرصة لانتقاد كتاب الإخوان انتقادًا جادًّا وموضوعيًّا، وإبداء الملاحظات حول مقالاتهم، وإجراء المساجلات الفكرية والدعوية الثرية والبنَّاءة معهم، وبالرغم من ذلك حمله أدبه الجم وأخلاقياته الرفيعة إلى تفقد أحد إخوانه، وهو الأستاذ عبد العزيز كامل الذي قرر اعتزال الكتابة على صفحات مجلة (الإخوان)، وحرمان القراء من توجيهاته السديدة وإرشاداته القيمة؛ حيث بعث إليه برسالة رقيقة عبر فيها عن أمله في عودته إلى الكتابة على صفحات المجلة، وقال في ذلك: "أما أنت فكلنا يسأل عنك، وكلنا يشعر بالفراغ والوحشة حين تنقطع عن الكتابة أو على الأصح حين تضرب عنها.. وأعود فأقول إنني بادئ الأمر أنك تدل أو تتدلل أو أن أمرًا ما قد صرفك عن الكتابة إلى أجل، ولكنني فجعت حين قيل لي إنك أضربت عن الكتابة أو انتويت الإضراب أو انتويت شيئًا قريبًا من هذا دار بنفسك ولم أتبينه بعد..

 

عزيز عليَّ أن أكتب لأخي عبد العزيز على صفحات المجلة؛ ولكنني مضطر إلى أن أحاكمه إلى قضاته وهم قراؤه، ويقيني أن واحدًا منهم لم يلتمس له عذرًا في هذا العقوق لحقهم عليهم مهما كان..

 

يا قراء المجلة إن الأستاذ عبد العزيز يريد أن يقبع في أسيوط، وقد استحلَّ لنفسه أن يضن عليكم بمقالٍ كل أسبوع، فهل ترون هذا مهما كان راجعًا إلى أسباب عادلة؟! هل ترون هذا يصح صدوره منه أو يصح السكوت له عليه؟!.

 

يا قراء مجلة (الإخوان) إن عبد العزيز ليس ملكًا لنفسه وليس حرًّا في الاختيار أبدًا، فهو الجندي الصادق للدعوة، وعلى هذا عرفناه وقدرناه؛ فكيف جاز له أن يقرر الاضطراب!!.
منهجه في النقد

 

عرف الحجاجي بمواقفه العلمية الصارمة تجاه كل ما يكتب أو يُقال، فلا محاباة لأحد مهما سطع نجمه، ولا تغاضيَ عن خطأ مهما كان مصدره؛ لذلك كان مُهابًا لجرأته في النقد، يقول عن نفسه: "أنا رجل لا يعجبه العجب، وأظن أيضًا أنني أُفاجئ القراء بنقد كتبي التي أخرجتها من غير أن أشعر أنني أتيت شذوذًا، أو فاجأت نفسي بما تنكره مني، فقد ربيت نفسي بنفسي، وقامت بيني وبينها عهود ومواثيق غير قابلة للفسخ، وهي لم تخيب رجائي يومًا، وما نكثت بعهدها، وقد علمتها فيما علمتها أنني رجل لا يعبأ بإعجاب الناس أو إعراضهم من يذهب ويجيء، ولا يعبأ بنقدهم إياي بقدر ما يهمه النظر في حيثيات هذا السخط أو الرضاء، مبلغ إنصافها في انطباقها على تصرفاته وأعماله عله يستفيد من ذلك درسًا وتجربةً فيما فيها من الصواب إن وجد.

 

وأنا أثبت هذه المعاني لأقول إنني أقيس هذه التصرفات بأن أعرضها على العقل السليم والمنطق المنصف والخلق والدين والوازع الحي والضمير اليقظ، وبعد ذلك لا يهمني رأي الناس، فقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وإن عين السخط تُبدي المساويا.

 

ولعل أكثر ما تنطبق تلك القاعدة وتصح في الأذهان حين ترد مقترنةً بالنقد العلمي؛ لأن الرأي فيه عقيدة، لا ينبغي أن تخضع لأهواء الناس وميولهم، ولأن العلم ليس سلعة يتخير منها التاجر ما يعجب الناس ويلائم أذواقهم، ويرضي عواطفهم، ولا كانت هذه الأذواق مع قواعد العلم الصحيحة المستنبطة من الحكمة المتفجرة من ينابيع الحكمة الإلهية العليا (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) (البقرة: من الآية 269).

 

أهم مؤلفاته

شغف الأستاذ الحجاجي- رحمه الله- بالبحث في شئون الدعوة والداعية، حتى جاءت معظم أعماله ترجمة لحياة الإمام حسن البنا وتأريخًا لحركته، بالإضافة إلى كتابات أخرى متنوعة، ومن أهم مؤلفاته الكتب الآتية:

 

1- "روح وريحان"، وهو كتاب كبير الحجم، جم الفائدة صدر عن مطبعة دار إحياء الكتب العربية القاهرة عام 1946م، وقد قدم فيه أنس الحجاجي دراسةً متميزةً لشخصية قائد الدعوة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين.

 

2- "صوت من الجنة"، وهو كتاب طريف ونموذج من البحوث الأدبية الممتعة، تحدث فيه الحجاجي عن العباد الربانيين على طريقة الحوار.

 

3- "مذكرات الأخ المسلم"، وهو سجل وافٍ في تاريخ الدعوة، وسرد موجز، ووقفات قصيرة، وإرشادات عميقة، وهو كتاب فريد في بابه.

 

4- "مع الإمام الغزالي"، وهو كتاب يقع في ثلاثة أجزاء، تصحب معه الإمام الغزالي في رحلة ممتعة وصياغة شائقة بأسلوب بديع وعبارات موجزة.

 

5- "قضية المرأة"، وهو كتاب يقدِّم فيه الحجاجي آراء قيمة وحلولاً واضحة في قضايا المرأة التي كانت تشغل أذهان المفكرين.

 

6- "مذكرات معلم"، وهي مذكرات وافية عن حياة البيئات التعليمية في مصر والنظم الدراسية، تتخللها وقفات عملية وحوادث طريفة ودراسات وآراء في التربية والتعليم والإصلاح الاجتماعي.

 

7- "رسالة من المريخ".

8- "سيد الشهداء حمزة".

9- وثائق.

10- "الإمام"- طبعة مكتبة وهبة 1952.

11- "الرجل الذي أشعل الثورة".

وفاته

بعد حياة حافلة بالجهاد والتضحية، لفقت أجهزة الأمن المصرية في عهد جمال عبد الناصر للأستاذ الحجاجي قضية قلب نظام الحكم مع نجل الإمام الشهيد الأستاذ أحمد سيف الإسلام، وحُكِمَ عليه بالسجن عشر سنوات قضاها في سجن مزرعة طره السياسي، وبقي في السجن حتى عام 1974م؛ حيث أُصيب بالمرض، ونُقل إلى مستشفى القصر العينى؛ حيث وافته المنية.

------------

أهم المراجع:

* أحمد أنس الحجاجي: "الإمام"- مكتبة وهبة القاهرة 1952م.

* أحمد أنس الحجاجي: "روح وريحان"- دار إحياء الكتب العربية القاهرة عام 1946م.

* أحمد أنس الحجاجي: "وثائق"- بدون بيانات للطباعة.

* جمعة أمين عبد العزيز: قالوا عن الإمام البنا، إعداد البصائر للبحوث والدراسات،
مجلة (الإخوان) المسلمين- السنة السادسة 1948م.

* موقع المستشار عبد الله العقيل، مقال بعنوان "أخي أحمد أنس الحجاجي الرجل الصالح".