بينما ينشغل العالم العربي والإسلامي بثوراته ينشغل قطاع غزة بالتصدي لعدوان جديد يشنُّّّّّه الاحتلال الصهيوني، مستخدمًا في ذلك طائراته ودباباته وزوارقه الحربية، فذلك ليس غريبًا على المحتل ولا على قطاع غزة، فلطالما تعرَّضت غزة لأكثر من ذلك، ومع ذلك وقفت وحيدةً صامدةً في وجه أعتى جيوش العالم؛ لكنها هجمة ليست كأي هجمة، فالواقع الذي كانت تعيشه غزة أمس يختلف عن واقع غزة اليوم، فاليوم ثورات ومظاهرات وتصريحات جديدة تخرج من أفواه ساسة ومسئولين كبار لم تكد تطرق آذان الكيان الصهيوني من قبل.

 

فقد ضاقت الدائرة على المحتل الصهيوني، فبعد أن كان من إخواننا العرب مَن يمهِّد الطريق للكيان لشنِّ حرب على غزة أو اجتياح هنا وهناك، بتنا نشهد اليوم تحوُّلاً كبيرًا في مثل هذه المواقف، فخيارات الاحتلال الصهيوني اليوم أصبحت ضيقةً جدًّا نتيجة التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، فمنذ اتفاقية كامب ديفيد لم يجرؤ مواطن مصري على الاعتصام أمام السفارة الصهيونية في القاهرة؛ الأمر الذي أصبح اليوم في خبر كان، فقد تظاهر المئات من المصريين أمام السفارة الصهيونية عقب بدء الاحتلال الصهيوني بتوجيه ضرباته نحو غزة، مطالبين بطرد السفير الصهيوني لدى القاهرة، مهددين في الوقت نفسه بالزحف بالآلاف نحو غزة للدفاع عنها، فمصر اليوم تختلف عن مصر الأمس؛ حيث فقد الكيان الصهيوني حليفه الإستراتيجي الذي كان ينفذ سياساته بحصار غزة واضطهادها والتضييق عليها.

 

إن المحتل الصهيوني على الرغم مما نشهده من تصعيدٍ خطيرٍ على القطاع، لهو أبعد ما يكون من شنِّ حرب على قطاع غزة، فالمعادلة اليوم اختلفت عن سابقتها، فمصر لم تعد تكن كسابقتها، كما الأردن أيضًا التي أصبحت تتجه نحو التغيير شيئًا فشيئًا؛ الأمر الذي بات يشكل خطرًا على مصالح العدو وفقد كثيرٍ من الأوراق لديه، وإذا كان ذلك صحيحًا فلماذا- إذن- هذا التصعيد الصهيوني؟، إذا أردنا تفسير ذلك فإن هناك ما يبرِّر ذلك لأسباب عدة، أولها يكمن في جس نبض الشارع العربي الثائر، ثانيها ردة فعل النظام السياسي المصري الجديد، والذي جاء مفاجئًا ومغايرًا لما كان يتوقعه الاحتلال، وثالثها العزلة الدولية التي يعيشها الكيان الصهيوني، خاصةً بعد تعنته في وقف التغول الاستيطاني، وأخيرًا فإن هذا التصعيد يأتي للتأكد من إمكانيات المقاومة القتالية في ظلِّ الحديث المتكرر عن امتلاك المقاومة لأسلحة قتالية متطورة؛ لكن المقاومة كانت أذكى من ذلك، فهي تحتفظ بحق الرد بالوسائل التي تراها مناسبةً وضمن تكتيكٍ جديدٍ، وهذا ما صرَّحت به المخابرات الصهيونية عندما قالت إن حركة حماس غيَّرت الإستراتيجية القتالية في قطاع غزة، وأن كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، شرعت بالعمل بصورة قتالية مغايرة تمامًا عن تلك التي كانت تعتمدها في السابق؛ حيث أصبحت تعمل وفق إستراتيجية جديدة.

 

وليس بعيدًا عما يجري في الدول العربية فإن هذه الثورات وهذه الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة أثَّرت بشكلٍ أو بآخر في كثير من قرارات الأنظمة العربية لا سيما جامعتهم جامعة الدول العربية، والتي اتسمت هذه المرة بسرعة الاستجابة لطلب رئيس الوزراء إسماعيل هنية عقد جلسة طارئة؛ لبحث التصعيد الصهيوني على القطاع؛ الأمر الذي كان يتسم باللا مبالاة والمماطلة سابقًا..

 

إذن.. خلاصة القول إن القضية الفلسطينية اليوم أصبحت محل اهتمام العالم العربي والإسلامي، خاصةً أن الذي بات يقرر مصير الدول هي الشعوب وليست الأنظمة.

 

هذه الأنظمة التي عودتنا على التواطؤ مع المحتل وتنفيذ سياساته نيابة عنه وخدمة لمصالحه؛ فقد أصبحت الآن تحسب ألف حساب لأي قرار تأخذه؛ لأن الشعوب هي التي باتت تقرر وليست الأنظمة المتآكلة.

 

فلا نستبعد زحف الشعوب نحو غزة للذود عنها، وهذا ما صرَّحت به مصادر صحفية عن توجه محتمل لآلاف المصريين في منتصف الشهر الحالي نحو معبر رفح، لفك الحصار عن قطاع غزة والدفاع عن أهلها من بطش المحتل الصهيوني.

----------

* صحفي فلسطيني- غزة