ما عشته في ميدان رمسيس بالأمس وفي الطريق إليه يوم الجمعة 9 شوال 1434هـ الموافق 16 أغسطس 2013م، فيما عرف بجمعة الغضب التي تلتْ مجازر فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، هو عبارة عن أجواء حرب بامتياز.

 

انطلقنا من مسجد خالد بن الوليد بميدان الكيت كات بالجيزة بعد صلاة الجمعة في مسيرة حاشدة انضم لها الآلاف، متجهين جميعًا إلى ميدان مصطفى محمود، وقبل الميدان فوجئنا بمدرعات الجيش وعربات الشرطة تسد الطريق وتحول دون الوصول إليه، مما اضطرَّنا إلى صعود  كوبري أكتوبر والاتجاه لميدان رمسيس.

 

قطعنا هذه المسافة التي تزيد على عشرة كيلو مترات تحت شمس حارة جدا مرورا بالزمالك ثم العجوزة ثم الأزبكية ثم رمسيس.

 

وأؤكد لكم أن المسيرة كان أولها ميدان رمسيس، وآخرها "طلعة" المهندسين؛ حيث كانت الحشود تسد الأفق وسط تأييد من الأهالي في بلكونات المنازل من اليمين والشمال.

 

بدأت مجموعات من البلطجية والشرطة تهاجمنا عند موازاتنا لميدان التحرير بالخرطوش وقنابل الغاز، مما أحدث اضطرابًا في المسيرة، ولكننا غامرنا وأكملنا سيرنا تحت الضربات والقنابل الحارقة.

 

وظل الوضع هكذا حتى وصلنا الأزبكية وتحديدًا عند قسم شرطة الأزبكية ونحن فوق الكوبري، وإذا بإطلاق نار كثيف ينهال علينا في المسيرة من يمين الكوبري وشماله، رصاصًا حيًّا وخرطوشًا وقنابل غاز حارقة ومهيجة للأعصاب، وقد شعرت بهذا شخصيًّا.. مما أدى إلى التزاحم الشديد فوق الكوبري الذي أدى بدوره إلى سقوط عشرات الاختناقات والإغماءات من أثر الغاز، فضلاً عن الحرارة الشديدة ونفاد أي مياه معنا، وكانت أغلب الإغماءات من النساء التي كانت وسط الكوبري يحيطها الرجال عن اليمين والشمال، وكانت طائرات الجيش تحلق فوق الكوبري بيننا وبينها مسافات قريبة، بل أسقطت إحداها بلطجية علينا ونحن أعلى الكوبري قبل وصولنا للميدان.

 

وظلت الرصاصات تتابع علينا حتى ارتقى عدد من الشهداء فوق الكوبري، ولم يكن هناك من مخرج لهؤلاء نسعفهم به إلا الحمل على الأكتاف وشق صفوف المسيرة الضخمة بهم رغم التعب والإنهاك والوصول بهم إلى المستشفى الميداني بمسجد الفتح تحت قصف الرصاص والقنابل.

 

بدأت الجرأة تخامر القلوب، والأصوات تتنادى، وشققنا جو الرصاص والغاز، ومضينا في طريقنا إلى حيث ميدان رمسيس، كنت في الربع المقدم من المسيرة، ولا أدري ماذا حدث للمسيرة بعد ذلك.

 

وصلنا ميدان رمسيس، فإذا بطلقات النار والرصاص الحي وقنابل الغاز المهيج للأعصاب من الجيش للأسف، ومن الشرطة، ومن البلطجية.. ورأيت بعيني مروحيات للجيش كثيفة تحلق فوق الميدان وانطلق من بعضها رصاص على المتظاهرين السلميين.

 

أؤكد لكم أن طلق الرصاص لم يتوقف منذ الساعة الثالثة عصرًا حتى بعد صلاة العشاء في جو رهيب بميدان رمسيس، تشعر فيه تمامًا أننا في حالة حرب بالفعل: رصاص لم يتوقف، مروحيات أعلى الميدان ترعب الناس وترهبهم، وهي للأسف مروحيات تابعة للجيش، يعرفها الجميع.

 

عشنا أجواء حرب كأننا صهاينة في الميدان والجيش المصري يحاربنا.

 

دخلت مسجد رمسيس والمستشفى الميداني لأرى المآسي الموجودة والجثث الملقاة والمصفوفة داخل المسجد ومئات الجرحى، وجوًا لا أستطيع بحال أن أصدق أننا نعيش في مصر، وأن الجيش المصري لأول مرة بطائراته ومدرعاته يوجه الرصاص في رؤوس شعبه وقلوبه... ثم عدد كثيف من البلطجية يهجم علينا من الشوارع المؤدية للميدان وكنا نتصدى لهم ونهجم عليهم بصدورنا حتى ألجأناهم للهرب والاختفاء.

 

ظل الأمر هكذا ونحن نكر ونفر في الميدان إلى أن انتهينا من صلاة المغرب ثم صلاة الجنازة، والعشاء، ثم أعلن د. صلاح سلطان قرار التحالف الوطني لدعم الشرعية بالانصراف، وانصرفنا سيرًا على الأقدام حتى وصلنا ميدان الأوبرا القديم (إبراهيم باشا) في العتبة ولم نجد من المواصلات ما يبلغنا، وكنا قد دخلنا وقت حظر التجوال.

 

كانت هناك مواصلات فقط إلى الحسين ومنشية ناصر، وبعد محاولات كثيرة للخروج من الميدان والبحث عن وسيلة مواصلات بالاتصال ببعض الأصدقاء.. وذهب كل هذا دون جدوى.. وهيأ الله لي أحد الذين كانوا معنا حيث وفَّر هذا الأخ (عبد الناصر من محافظة بني سويف) مبيتًا عند أحد أصدقائه، وبتنا هناك حتى أصبح الصباح ثم انصرفنا.

 

لكن هذا الإجرام الذي رأيناه بشكل غير مسبوق لن يثنينا عن مواصلة الطريق، وعن التصدي لهذا الظلم الفادح وهذا الكفر بالإنسانية؛ حتى يسترد الشعب ثورته، ويستعيد كرامته، لأننا لسنا على استعداد أن نعيش تحت "بيادات" العسكر ودولتهم الفاشية وإلا فبطن الأرض خير لنا من ظاهرها!

 

عضو رابطة علماء ضد الانقلاب