كثير من الناس يتأرجحون بين اليأس والأمل، وحياة الإنسان مليئة بالأكدار والمشاكل التي تنغص الحياة وتجعلها جحيماً بعدما كانت نعيماً.. والناس تُجاه تلك المشاكل العامة: إما مؤمل بالخير والفرج وإما يائس من حصول الخير.. ولكل حكمه في شريعة الله.. وعندما نتدبر كتاب ربنا نجد أنه يدعو دائماً إلى التفاؤل، وحسن الظن، وانتظار الفرج.
فهذا الدين العظيم دائماً ما يدعو العبد إلى أن يكون مستبشراً بالخير، مطمئناً بما قدره الله عليه، منتظراً الفرج من مقدر الأمور وقاضيها -عز وجل-.. وقد نهى الله عن اليأس والقنوط مهما كانت الظروف والمصائب.
ولقد اهتم الإمام الشهيد حسن البنا بهذا الجانب النفسي والإيماني حينما تعامل مع الناس وعمل على تربيتهم التربية الإيمانية وربطهم بمالك الكون.
فكان دائما ما يحث إخوانه على نبذ اليأس وعدم تطرقه إلى نفسه والرضا بمقدور الله سبحانه، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺜﺮﺕ المصائب وتنوعت الخطوب واشتدت المحن على المؤمن لابد أن يحيا وثقته بالله عظيمة وأمله بالله كبير فيحس بسكينة النفس وطمأنينة القلب.
وهو ما جعل الإمام البنا يسطر كلمات تعبر عن هذه الروح المُشرئبة بالأمل والثقة في الله سبحانه وتعالى فكتب يقول:
}وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ{ [يوسف: 87].
لا أتصور أن مؤمنًا بالله وبالقرآن يجد اليأس إلى قلبه سبيلا، مهما أظلمت أمامه الخطوب، واشتدت عليه وطأة الحوادث، ووضعت فى طريقه العقبات.
إن القرآن ليضع اليأس فى مرتبة الكفر، ويقرن القنوط بالضلال قائلا: }وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّوونَ{ [الحجر: 56]، وإن القرآن ليقرره ناموسًا كونيًا لا يتبدل، ونظامًا ربانيًا لا يتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، إن الأيام دول بين الناس، وإن القوىَّ لن يستمر على قوته أبد الدهر، والضعيف لن يدوم عليه ضعفه مدى الحياة، ولكنها أدوار وأطوار تعترض الأمم والشعوب كما تعترض الآحاد والأفراد: }وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ{ [آل عمران: 140].
وإن من حكمة الله فى ذلك أن يبلو المؤمنين ويختبر الصادقين، ويميز الخبيث من الطيب، فيجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا، فيجعله فى جهنم، ويأجر الصادقين الثابتين نصرًا وتأييدًا فى الدنيا، ومثوبة ومغفرة فى الآخرة }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{ [محمد: 31]، }أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ{ البقرة: 214].
وأقرب ما يكون هذا النصر إذا اشتد الضيق، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر }حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ ييُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{ [يوسف: 110].
ولم تتخلف هذه القواعد الربانية فى الأمم السابقة؛ فكم من أمة ضعيفة نهضت بعد قعود، وتحركت بعد طول خمود، وكم من أمة بطرت معيشتها، وكفرت بأنعم الله، فزالت من الوجود، وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الأَرْضضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا{ [الإسراء: 4-6]، }إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِننْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ{ [القصص: 4-6].
وإن القرآن ليمد هؤلاء الصابرين الآملين الذين لا يجد اليأس إلى قلوبهم سبيلا بمعان من القوة لا تفيض إلا من رحمة الله وقدرته، تتحطم أمامها قوى المخلوقين، وتعجز عن إضعافها والنيل منها محاولة العالمين، وما يعلم جنود ربك إلا هو }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَووْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ{ [آل عمران: 173- 175]، }قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ{ [المائدة: 23]، وقد لا يخطر ببال هؤلاء المؤمنين الصابرين أنهم سيصلون إلى الغاية بمثل هذا اليسر، أو تتحقق لهم الآمال بهذه السهولة، ولكن الله العلى يدنى منهم ما بعد، ويهون عليهم ما صعب، ويوافيهم بالنصر من حيث لا يحتسبون }هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ ببُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأبْصَارِ * وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ{ [الحشر: 2-3]، }وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا{ [الأحزاب: 25-26].
فيا أيها المؤمنون بهذا الكتاب الكريم، أيليق بكم أن يقول قائل: ماذا نصنع ونحن ضعاف وخصومنا أقوياء؟ أو يجمل بأحد منكم أن يتخلف وفى صدره هذا الأمل الواسع ومن ورائه هذا التأييد الشامل عن صف الجهاد؟ اللهم لا(1).
ظل حسن البنا يبث معاني الأمل في نفوس الناس لكونها مصدر قوى لشحذ همم الناس في تغيير واقعهم ونيل حريتهم ومراقبة ساستهم ونهضة أمتهم، وهى معاني غرسها الإسلام في نفوس أتباعه وحثتهم عليها، فيقول أيضا: تحتاج الأمة الناهضة إلى الأمل الواسع الفسيح، وقد أمد القرآن أمته بهذا الشعور بأسلوب يخلق من الأمة الميتة أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم، وحسبك أنه يجعل اليأس سبيلاً إلى الكفر، والقنوط من مظاهر الضلال، وإن أضعف الأمم إذا سمعت قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ﴾[القصص: 5-6]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾[آل عمران: 139-140]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأبْصَارِ﴾[الحشر: 2]، وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾[البقرة: 214].
إن أضعف الأمم إذا سمعت هذا التبشير كله وقرأت ما إليه من قصص تطبيقية واقعية لابد أن تخرج بعد ذلك أقوى الأمم إيمانًا وروحًا، ولابد أن ترى فى هذا الأمل ما يدفعها إلى اقتحام المصاعب مهما اشتدت، ومقارعة الحوادث مهما عظمت، حتى تظفر بما تصبو إليه من كمال(2).
تربية الإخوان على الأمل
حرص الإمام الشهيد حسن البنا على بث معاني الأمل في نفوس إخوانه مستمدا ذلك من التعاليم الإسلامية التي جاء بها الشرع الحنيف وتعاليم القرآن الكريم، حيث اعتبرهم شعاع أمل وسط الظلمات المدلهمة في هذا الوقت، حيث يقول: لذا أصارحكم أننى كلما اجتمعت بكم تنادينى عاطفتان: الإشفاق الشديد، والأمل الكبير، فأما الإشفاق فذلك الذى يستولى على الإنسان حين يدرك خطورة الواجب نحو هذه الألوف من القلوب ووراءها مثلها، وقد وثقت بهذه الدار وبمن فيها وتركت فيها آمالهم، وسنسأل عن كل خطوة نخطوها، وعن كل كلمة نقولها، واتجاه نتجهه وانحراف ننحرفه، وعن كل رأى نبديه؛ لهذا أدركنا خطورة ما حملنا، وأشفقنا من المسئولية، ولا نجد ملجأ إلا الله أن لا يكلنا إلى أنفسنا، وأن يكون ناصِرنا، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
هذا معنى من معانى الإشفاق، ثم يقارنه معنى من معانى الأمل والطمأنينة والسكينة التامة الكاملة والعقيدة الراسخة بأن دعوتنا دعوة الخير، والخير من برنامجنا قد صير قلوبًا منسجمة فى أشخاص كريمة، وفى أرواح قوية تضحى فلا تسأل فيم التضحية، ولعل هذا الاجتماع أول اجتماع من نوعه يستمر من الساعة السابعة فيبدأ بصلاة المغرب وينتهى فى الساعة الحادية عشرة والنصف يستمر فى الشوارع والميادين بين قلوب متحدة متحابة متصافية تستمع مع الإصغاء لو كان اجتماع لمشاهدة سينما لانصرفوا، لكنه اجتماع لم تسمع فيه كلمة نابية ولا اغتيابا لأحد، إنما هو اتجاه لهدف واحد إلى مصر إلى العروبة إلى الإسلام إلى دعوة الحق توجيه للقلوب والنفوس، وصرف للأذهان إلى التفكير السليم إلى الإيمان القوى إلى الجهاد الهادئ المستمر، وليس هذا منا، لكنه توفيق من الله إلى الجهاد والوحدة فى صفاء وطهر(3).
ولم يترك الأمر دون تذكير أن لا يركن الإخوان إلى الدعة أو إلى ما قاموا به بل عليهم الاستمرار وإعطاء المزيد من أجل مجتمعهم فقال: وعلينا إذن ألا يبعث النجاح فى أنفسنا القناعة والخمود فإن الطريق طويل وله مسالك متشعبة، وألا يبعث الإخفاق فى أنفسنا اليأس والقنوط فإن رحمة الله قريب من المحسنين, بل واجبنا دائمًا أن نستمد من النجاح قوة تدفعنا إلى الأمام، ومن الإخفاق درسًا يدعونا إلى مضاعفة الجهود(4).
كما عمد إلى تربيتهم على عدم اليأس أو الشعور به مهما كثرت الخطوب عليهم والمحن فقال: وفيم اليأس وقد وعدنا الله النصر، وكتب على نفسه المؤازرة للهداة والمرشدين. وانظر ذلك جليا فى ثنايا الكتاب العزيز فى تضاعيف صفحاته ومرامى سطوره وآياته ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾[النحل: 128] (5).
كما ألهب حماسة الشباب لأنهم وتد الأمة الراسخ فنراه يتحدث معهم قائلا: ومن أولى من الجامعيين بأن يوجه إليهم القول فى هذه اللحظات، وقد اكتملت فيهم وسائل العمل والأمل معًا فهم شباب،والشباب شعلة الحماسة، وهم مثقفون، والثقافة مصباح السائر فى طريق الكفاح، وهم مؤمنون، والإيمان عدة المجاهدين، وهم بعد ذلك كله أطهار متجردون من الأنانية والأثرة القاتلة، فإلى أبنائنا وإخواننا وشبابنا العالى فى الجامعات نوجه القول(6).
ويضيف: واعلموا أن الأمل فيكم بقدر ما تحفظون من أخلاقكم، وليكن جهادكم لأنفسكم أول شعيرة وطنية ترضون بها ربكم، وتعزون بها أوطانكم، فوالله ما أودى بمجد هذا الوطن العظيم سلاح ولا رهبة إلا هذا الصغار فى الخلق والعبث فى الضمائر، والدنس فى النفوس الرخيصة(7).
ثم أكد بث الأمل فيهم بأن دعوة الله لابد أن تنتصر ولابد لدين الله أن يعلو، لكن لابد أيضا من تقديم التضحيات من أجله، وهى الوصية التي وصى بها الإخوان بقوله: فامتلئوا -أيها الإخوة- بالأمل فى انتصار دعوتكم مهما تألبت عليها قوى الناس أجمعين، ولن نؤتى إلا من ناحيتين: أن نختلف ونتنازع فتذهب ريحنا، أو نضعف عن القيام بواجبات الدعوة ومستلزماتها، فيتخلى عنا ربنا، وإن العقبة الكبرى التى أمامنا الآن هى أن الصف الأول من رجالنا لم يؤمن بما آمنت به الشعوب، ولم يساير ركب هذا الوعى الذى امتلأت به نفوس الأمم، فصرنا نتعثر فى آثار هذا التخلف حائرين، ونرى نتائجه القاسية مكتوفين، ولا علاج لهذا إلا أن نضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يقينا شر الفتنة، وأن يلهم هؤلاء صريح الإيمان، وأن يوفقهم إلى صالح العمل حتى يسير الركب كله معًا مجتمع الكلمة موفور القوة واضح السبيل(8).
وبعد هذا الشرح الوافي طالب الناس بأن تتعرف على الإخوان ويختلطوا بهم عمليا ليروا أفكارهم وأفعالهم، فقال البنا: أيها الذين لم تعرفوا الإخوان المسلمين بعد، اجتهدوا أن تعرفوهم وهم ليسوا ألغازًا وستجدون فيهم سمو المبدأ إلى أبعد حدود السمو، وعمق الإيمان إلى أعمق أغوار النفوس والأرواح وصدق الرغبة والغيرة والحماسة إلى أرفع حدود الصدق، وستعلمون بحق أنهم بفضل الله عليهم لا بأنفسهم مقعد الأمل وموضع الرجاء تحسبنا كذلك ولا نزكى على الله أحدًا، واللهم لا تكلنا إلى أنفسنا(9).
ويستمر الأمل
إن خطر اليأس إذا تملك القلوب يكمن في ضرب الإيجابية وعدم تفاعل الناس والدفع إلى الأصلح أو الإصلاح، ويركنوا إلى القنوط والاحباط والقعود.
وهو ما حرص الإسلام وأخذ بنواصيه الإمام حسن البنا في تربية أنصاره وجموع الناس من أجل أن يتصدوا لكل ما يدبر لهم.
فرأينا المؤامرات التي كان يحيكها المستعمر مما دفعت الناس لليأس غير أن الإخوان لم يفقدوا الأمل وظلوا يعملوا حتى بعد حلهم واعتقالهم وقتل مرشدهم العام الإمام البنا، إلا أنهم عادوا بأمل وعملوا وأصبحوا قوة ضاربة ساهمت في نجاح أحداث 23 يوليو 1952م.
وحينما تكررت المأساة واستجاب عبد الناصر لرغبات الغرب في ضرب كل ما هو إسلامي (وخاصة من يعارض حكمه) فسجن الإخوان ومن يعمل للإسلام ما يقرب من عشرين عاما ظلما وبغيا خرج الإخوان بعد وفاته وكلهم أمل ويقين في الله بعدما عاشوا على هذا الأمل واليقين في السجون أزمنة طويلة، فأعادوا الوجه الإسلامي مرة أخرى إلى الجامعات وإلى الشارع المصري والعربي والإسلامي، وأُصبغ كل شيء بهذه الصبغة الإسلامية. ومع تتابع المحن إلا أن اليأس لم يتطرق إلى قلوبهم وظلوا يحملون الأمل في التغيير حتى كانت ثورة يناير 2011 والتي غيرت وجه الكون إلا أن ردة فعل الغرب وأتباعهم من حكام العرب والمسلمين كانت قوية أرادوا بها اجتثاث كل ما هو إسلامي على وجه الأرض.
لكن يظل الأمل في القلوب......
1() جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الأولى – العدد 186 – 18محرم 1366هـ / 12ديسمبر 1946م– صـ1.
2() جريدة الإخوان المسلمين: العدد (40)، السنة الرابعة، 29 شوال 1355ﻫ/ 12 يناير 1937م، صـ1.
3() مجلة النذير: العدد 3، السنة الثانية، الاثنين 15 من المحرم 1358ﻫ- 7 مارس 1939م، صـ3.
4() التعارف: العدد (3)، السنة الخامسة، السبت 23 من محرم 1359ﻫ- 2 مارس 1940م، صـ1.
5() مجلة الفتح: العدد (100)، السنة الثانية، 25 ذو الحجة 1346ﻫ- 14 يونيو 1928م.
6() إلى الإخوان الجامعيين: الإخوان المسلمون: العدد (85)، السنة الرابعة، 8 صفر 1365ﻫ- 12 يناير 1946م، صـ3.
7() نداء إلى الإخوان الطلاب عامة والإخوان الطلاب بشبين الكوم خاصة، الإخوان المسلمون اليومية: العدد (549)، السنة الثانية، 3 ربيع الآخر 1367ﻫ- 13 فبراير 1948م،صـ2.
8() خطاب فضيلة المرشد العام: الإخوان المسلمون، العدد (721)، السنة الثالثة، 4 ذو القعدة 1367ﻫ- 7 سبتمبر 1948م ص1، 7.
9() إلى الذين لم يعرفونا: مجلة النذير، العدد 3، السنة الثانية، الاثنين 15 من المحرم 1358ﻫ- 7مارس 1939م، صـ3-5.