هل تذكرون العدوان الصهيوني على قطاع غزة في الخامس عشر من نوفمبر من العام الماضي (2012)، الذي أدَّى إلى استشهاد وإصابة نحو 330 فلسطينيًّا، في أعقاب اغتيال القائد القسامي الشهيد البطل أحمد الجعبري قبلها بيوم واحد؟ وكيف سارع السيد الرئيس د. محمد مرسي باتخاذ عدة خطوات علنية وأخرى سرية أوقفت العدوان الصهيوني فورًا، وهو ما اعتبره كثير من المحللين والخبراء تغيرًا نوعيًّا ناجحًا في معالجة الموقف؟
الرئيس مرسي وقتها اتخذ ست خطوات مباشرة، وهي: استدعاء السفير المصري لدى الكيان الغاصب، وإبعاد السفير الصهيوني من القاهرة، والإعلان عن فتح معبر رفح لمدة 24 ساعة يوميًّا، وإيفاد رئيس الوزراء د. هشام قنديل، ووفد مصري رفيع المستوى، في زيارة تضامنية إلى قطاع غزة في اليوم التالي مباشرةً، وأيضًا طلب الرئيس عقد اجتماع عاجل للجامعة العربية، إضافةً إلى طلب اجتماع عاجل للأمم المتحدة، لبحث تداعيات العدوان الصهيوني على غزة.

 

وكانت هناك خطوات أخرى سرية، أعلنت عنها مؤخرًا صحيفة "إسرائيل اليوم" عندما قالت: "امتنعنا عن شنِّ حرب برية على غزة، بعد تهديد "مرسي" بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد"، وأيضًا باعتراف السفير الصهيوني الأسبق في مصر تسيفي مزئيل الذي قال فيه: "سلوك (الرئيس) مرسي في المواجهة الأخيرة مع غزة، دلل على أنه "عدو صعب لإسرائيل"، كما أكد المعلق الصهيوني الشهير روبن بن يشاي أن "الرئيس مرسي غيَّر قواعد اللعبة معنا باستمرار، وكان الحل أن يتصرف الأمريكيون".

 

وفي مقاله بصحيفة "الجارديان" البريطانية قال المفكر الأمريكي اليهودي المعروف "نعوم تشومسكي" إن الخلافات بين (الرئيس) مرسي وأوباما أثبتت لأمريكا أن مصر لم تعد منطقة نفوذ أمريكي، أوعلى الأقل كما كانت في عهد مبارك، فقد كان مبارك يتبع أسلوب السياسة الناعمة مع الغرب وتعودوا منه على تلبية أي مطالب، بما فيها التي تضر بالأمن القومي المصري.

 

أما (الرئيس) مرسي، والذي لا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، فلم يوافق على الجملة التي عرضت عليه ليقولها أثناء المؤتمر، الذي كان سيعقد بينه وبين أوباما، أثناء زيارته لأمريكا وهي: "وستعمل مصر وأمريكا على إيجاد حلول، لكي ينعم الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بالأمن الدائم والسلام الشامل"، والهدف من الجملة هو الضغط على (الرئيس) مرسي فقط لذكر كلمة إسرائيل، والتلفظ بها ولو مرة واحدة، لتكون اعترافًا منه بدولة إسرائيل، وهو الذي ذكَّرهم بـ"القردة والخنازير" في عهد مبارك، وهنا توترت العلاقات في السر، وبدأ كل طرف يبحث عن حلول، ويكفي أن يقول وزير خارجية أمريكا لنظيره الخليجي إن الإخوان خطر عليكم كعائلة مالكة، ليعلن الخليج عداءه لمصر سرَّا وعلنًا، وهذا أيضًا ما حدث. (انتهى كلام تشومسكي).

 

وقبل أيام كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن التزام إسرائيلي لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي (قبل الإنقلاب) بأن الدعم الأمريكي لن يتوقف في حال عزل الرئيس محمد مرسي عبر انقلاب عسكري.

 

كما كشفت القناة الفضائية الإسرائيلية العاشرة عن "دور الموساد في رسم خيوط الانقلاب، والساعات الطوال التي قضاها رئيس الموساد في رسم المخطط الانقلابي في الإمارات"؛ الأمر الذي يؤكد بأن حكومة الاحتلال لها دور كبير، معلن وخفي، في الأحداث التي تجري في مصر الآن.

 

وكانت وكالة الأناضول للأنباء قد كشفت عن أن طائرات إسرائيلية قد حطت رحالها في القاهرة، أثناء تنفيذ جريمة فض ميداني رابعة العدوية والنهضة، من الواضح أنها كانت تحمل أسلحة ومواد حارقة متطورة، تم استخدامها في تنفيذ المجزرة، وقتل المعتصمين السلميين في أسبوع عيد الفطر المبارك.

 

وكشفت أيضًا صحيفة "هآرتس" قيام الخارجية الصهيونية بحملة إعلامية ودبلوماسية لشرح الموقف المصري (تأييدًا للانقلاب العسكري)، والحيلولة دون اتخاذ الاتحاد الأوروبي وواشنطن موقفًا مناهضًا ورافضًا للمجازر، التي يرتكبها العسكر بحقِّ الإخوان المسلمين، ينجم عنه سياسات تلحق ضررًا مباشرًا بحكم العسكر، ويترك آثاره المباشرة على الشارع المصري.

 

       وو
وقال كبير معلقي صحيفة "إسرائيل اليوم" دان مزعلت: "سوف نبكي دمًا لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب، وعاد الإخوان للحكم، ويتوجب على إسرائيل فعل المستحيل لضمان عدم عودة الإخوان للحكم، لأنهم سوف يتوجهون للانتقام من إسرائيل"، وأضاف مزعلت أن "السيسي أمعن في القتل، لأنه يدرك مغزى فشله، وعلينا التجند لإنجاح حكمه، فهذه مسألة حياة أو موت بالنسبة له ولنا أيضًا".

 

وقال تسيفي مزئيل سفير الكيان الصهيوني الأسبق في مصر: "إن الغرب سوف يندم لعدة قرون، إذا لم يقدم الدعم الكامل للفريق السيسي".

 

واضح جدًّا أن الشعور بالسعادة والنشوة لدى الساسة والمحللين والإعلاميين في الكيان الصهيوني بوقوع الإنقلاب العسكري الدموي في مصر كان طاغيًا، إلى الدرجة التي فضحوا فيها مَن قاموا بهذا الانقلاب الفاشي، عندما أعلنوا أنهم علموا به رسميًّا قبل وقوعه بفترة، وأعلنوا أيضًا أن أول زيارة مصرية بعد الانقلاب بعدة ساعات كانت للكيان الصهيوني، وضمت قيادات عسكرية رفيعة المستوى، إلى جانب الدكتور محمد البرادعي عرَّاب الانقلاب، كما أعلنوا عن زيارة "الحالم بمقعد الرئاسة" حمدين صباحي ولقائه بضباط في الموساد، ربما لأخذ البركة!.

 

وما جرى في سيناء، ولا يزال حتى الآن، من عمليات قتل وتصفية جسدية بلا قانون، وحرق بيوت الأهالي، وتدمير المساجد وحُمى الاعتقالات لأبناء سيناء المهمشين تحت مسمى محاربة الإرهاب، إضافةً إلى فرض الحصار وخنق قطاع غزة، وشيطنة حركة "حماس" في الإعلام المصري واتهامها بالإرهاب، وممارسة كل وسائل الضغط على الفلسطينيين، كل هذا يأتي في إطار هذه العلاقة الحميمية مع القادة الصهاينة، التي بدت أمام الجميع بصورةٍ أكبر من التخيل، وكأنها عربون طلب الدعم والمساندة من الصهاينة والأمريكان!.

 

وهذا يتضح من خلال تصريحٍ لناطق رسمي صهيوني قال فيه: "إن إستراتيجيتنا مع مصر تحولت من "التقارب" أيام مبارك، إلى "التطابق" في عهد السيسي".

 

بل إن الحديث العلني الآن في الصحف الصهيونية يؤكد تخطيط الجيش المصري للقيام بعملية عسكرية خلال الفترة المقبلة، بالتنسيق مع جيش الاحتلال الغاصب، لإسقاط حركة "حماس" في قطاع غزة، ويبدو أنه كلما غرق الانقلابيون العسكر، بحثوا عن قوارب إنقاذ، بمزيدٍ من الارتماء في أحضان العدو الصهيوني والأمريكان!.

 

وبالطبع هذا كلام الذي ذكرته معروف ومنشور في الصحف العبرية والأجنبية، ويمكن لأي متابع أن يبحث في الشبكة العنكبوتية ليقرأ المزيد من نماذج هذه الحفاوة الصهيونية بالانقلاب العسكري الدموي والدفاع المستميت عنه أمام الغرب.

 

لكن الذي لم يتوقعه الانقلابيون العسكر، ومَن يقفون خلفهم في الخارج والداخل، أن الشعب المصري ليس كما توهموا، أنه ذلك الشعب الخانع الذي يبحث عن قوت يومه، ولا مانع لديه من أن يعيش في ذل وانكسار تحت حكم العسكر، بل ظهر واعيًا وصامدًا وقويًّا، ومصممًا على إنهاء الانقلاب العسكري الفاشي بكل وسيلةٍ سلميةٍ ممكنة، ومحاكمة الانقلابيين الفاسدين، وعودة الشرعية كاملةً، وعودة الحرية والديمقراطية إلى مصر، بأسرع مما يتصورون، والأيام بيننا.

 

وسوف يُسجِّل التاريخ هذه الفترة الأليمة والحزينة، التي يجري فيها التنسيق والتخطيط و"التطابق" في الإستراتيجية والتنفيذ مع جيش العدو الصهيوني، في صفحات العار لقادة الانقلاب العسكري، ومن سار خلفهم وقبل بما يفعلون، وحتمًا سوف يسقط الانقلاب، ويحاسب كل مَن خان الأمانة، إنْ عاجلاً أو آجلاً، هذا حكم الله والتاريخ، "والله غالبٌ على أمره".