(التهديد بالخروج من المشهد السياسي والمجتمعي).
ويقدم الانقلاب تهديدا مُغَلَّفا بالشفقة على الإسلاميين بوجوب الانصياع لإرادة الشعب، وإلا ستكون المرة الأولى الذى يواجه فيها الإسلاميون (خاصة الإخوان) رفضا شعبيا ومجتمعيا، بعد أن واجهوا رفضا سلطويا على مدار تاريخهم.
ويؤسس الانقلاب رسالته على محاور وهي:
أولاً- أن حسابات الإسلاميين بقيادة الإخوان خاطئة، وأنهم ينبغي أن يكفوا عن (حماقات التظاهر) و(العنف !!) و(إيقاف حركة الحياة)، والتي يخسرون بسببها شعبيتهم كلما إطلع الشعب على الحقائق !!
ونقول: إن المعركة ليست (سياسية)، ولكنها (ثورة تحررية)، والدخول في أنصاف حلول مع العسكر خطأ أخطاه الثوار، وحسن ظن لن يعودوا إليه، وأما التحذير من خسارة الشعبية فليس له محل ؛ إذ أننا لسنا في تنافس تصويتي، ولا نخشى من مجافاة كتلة من الشعب للحراك الثوري، فهكذا بدأت (كل) الثورات، لكن الانقلاب هو من يحب عليه أن يعيد حساباته ما بين 3/7 واليوم، وليستمع إلى أي عاقل، فهل سيجد من يقول له إن شعبيتك زادت أو حتى استقرت على ما كانت عليه ؟
- فليرجع إن شاء إلى تقارير "ديل كارنيجي"، و"مجلس العلاقات الخارجيةCFR"، و"الإيكونومست"، و"تكامل مصر"، وعليه ألا يتصيد الميديا المناصرة للصهيونية والتي ستخدعه بتقاريرها، ولن نحدثه عن أكثر من 20 منظمة دولية بمختلف الاهتمامات (إنسانية/حقوقية/تنافسية/شفافية/مرأة/طفل/ديمقراطية/رياضية/...) وكل هذه أدانت وهبطت بمستوى مصر في عهد الانقلاب، مما يعود بالأثر السلبى على شعبيته والآمال المنعقدة إليه.
ثانيا- أن الإسلاميين يمكنهم الخروج من (أزمتهم) بالجلوس على مائدة التفاوض طبقا لشروط الانقلاب، و قديدركون (سلامتهم) الشخصية ثم (المشاركة) في المشهد السياسي أيضًا بشروط الانقلاب ودستوره.
ونقول: هذا تقييم لا علاقة له بالحدث مطلقا، فالإسلاميون ليسوا (رهينة أزمة) ولكنهم (صانعو قرار)، وحين اتخذوا قرارهم الجماعى كانوا يعلمون أنهم يخوضون تحديا شاملا، والتضحيات متوقعة، وهم لا يحسبونها بحسابات المكسب والخسارة البراجماتية على حساب الوطن، وإلا كانت المفاوضات هى أسلم الطرق، لكنهم رأوا أمام أعينهم وطنا يسرق، وشعبا يخدع، وثروات تبدد، ففضلوا أن يقفوا حراسا عن شعبهم مهما كانت المزايدات عليهم، ومهما كانت أخطاؤهم السابقة، ومهما كانت تصورات الشعب عن دورهم، لقد قرروا ألا ينجوا هم ويغرق شعبهم، بل اختاروا فتح كل الملفات ومجابهة كل التحديات، ويعتبرون ان هذه (فرصة) وليست (أزمة) ؛ فقد تعرت المؤسسات، وظهر حجم الخيانات وتسليم الوطن للأعداء.
ثالثا- أن شرعية الانقلاب تؤكد وجودها يوما بعد يوم، وهى تحُبُّ ما سبق من شرعيات، وأن التوقف عند شرعية قديمة، هو جمود أو غباء لا يليقان باللعبة السياسية.
ونقول : إن الشرعنة بالدبابة لا ترضى إلا المخدوعين، لأن كل الأنظمة الاستبدادية التى ثار الناس ضدها كانت تمتلك كل أدوات الشرعية الشكلية، فكان لهم دساتير مُستفتى عليها، وانتخابات أتت بهم إلى الحكم، وامتلكوا عناصر القوة والسيادة من الجيش والشرطة والقضاء ،وسقطت كل هذه الأنظمة، وفرضت الشعوب كلمتها.
هذا من جانب ... ومن جانب آخر فأين الدول التى أقرت شرعية الانقلاب رغم دستور الملايين المزعومة، فهذه أمريكا راعية الانقلاب تكاد تتقيؤه، وهؤلاء سدنة الانقلاب من الحركات السياسية والائتلافات والمثقفين يتساقطون من حظيرته واحدا وراء الآخر، ولم يبق معه إلا نظام مبارك،ولا يعيش وهم الشرعية إلا دراويش الانقلاب ومهابيله .
- وهل سخرت مثلى من تأييد السيسي للشرعية في ليبيا؟ أم نفضت يدك من هؤلاء المخابيل وتفرغت لجهادك الثوري؟!
رابعًا- إن تضحيات مؤيدي الشرعية ليست بسبب القمع الأمني العسكري، ولكن بسبب سوء إدارة التحالف الذي يعيش (حالة إنكار) يغيب عنه بسببها رضا الشعب عما اتُّخذ من قرارات دموية!!
- ونقول: يكفينا لتقييم إدارة كل من الطرفين للصراع، حين نرى أن الانقلاب تساقط من (حالة النصر) في 3/7 إلى (حالة التفاوض) مع التحالف، ثم سقط إلى حالة (سيناريو الكارثة) الذى ضحى فيه بسمعة القضاء ففقد "مشروعيته الأخلاقية"، وزور الاستفتاء ففقد "المشروعية القانونية"، ثم هاهو يفقد "حالة الإجماع الشعبى" ليصبح مجرد منافس على الحكم ممثلا عن (حزب العسكر)، وفي الوقت الذي أصبحت (الشرعية الحقيقية ) بطلاً للميديا والأروقة السياسية العالمية، وتلقى دبلوماسيتها الشعبية الحفاوة والاعتراف في وقت تعود دبلوماسية الانقلاب بخفي حنين، وراجعوا حوار وزير الخارجية مع جريدة الشروق منذ أسبوع عقب عودته من جولته الأوروبية، والتي أظهر فيها حسرته حين اعترف أن الغرب لا يعنيه إلا حقوق الإنسان، ونحن (أي الانقلاب) قد فشلنا فيها، وأن الانقلاب يواجه رفضًا دوليًّا، ولم تفلح محاولات الوزير في التخفيف من حدة الفشل بكلماته الإنشائية المبشرة بمستقبل أفضل.
- ورغم أن الثوار يقدمون دماءهم، لكنهم قرروا ألا يُهدر دم بلا قصاص؛ فوثَّقوا انتهاكات عدوهم، ويواجهون بها المخدوعين من شعبه، ويلاحقونه بها أمام المحاكم والضمائر العالمية.
- وإلى يومنا هذا ورغم الدماء فكل حوارات الصف الثورى تدور حول (كيف نطور المواجهة) وليست (نواجه أم لا نواجه)، وهم في زيادة بسبب صمودهم، لكن الأهم هو نوعية الثائر الموجود بالميدان الآن والذى أصبح يساوى كتيبة مجاهدة، فكيف سيواجههم العسكر؟.. فمن كان الأصوب قرارًا إذن؟!
- إن الثوار لا يخشون الغياب عن المشهد السياسي فقد ثاروا ليعود الشعب حاكمًا لهذا المشهد، وهم واثقون من إعادة تشكيل هذا المشهد.
- وهم لا يرون المكسب إلا في تحرير إرادة شعبهم، وكل ما دون ذلك هُراء.
مكملين.. لا رجوع.
-------------