على مدار أكثر من ستين عاما بعد انتهاء الحقبة الملكية وقعت مصر فى قبضة العسكر اللذين أحكموا سيطرتهم على كامل مفاصل الدولة المصرية (بعد الإطاحة باللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية ) انقلب ضباط الثالث والعشرين من يوليو 1952م على كافة المبادئ التى أعلنوا أنهم قاموا بحركتهم ضد الحكم الملكى من أجلها ليسقط ملك فرد ويستولى على عرش مصر ملوك المؤسسة العسكرية الجدد بوجه جمهورى وعقل وجسد عسكرى لتعيش مصر بعد ذلك فى كنف الحاكم العسكرى (الزعيم والملهم والقائد والأب والرئيس ) وغيرها من الأوصاف والألقاب التى أسبغت على( ملوك مصر الجدد) رؤساء جمهورية الثالث والعشرين من يوليو 1952م لتستيقظ مصر والعالم أجمع بعد عقود ستة على هزة عنيفة لعرش العسكر فى مصر بفعل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م ليسقط ( مبارك ) رأس النظام وواجهته عن عرش مصر وينكشف للبعض دون الجميع جزء من الوجه القبيح للنظام العسكرى الذى ظل مستترا لعقود بتغييب الوعى الجمعى المصرى و تستمر مصر فى قبضة النظام العسكرى ( بفضل الدولة العميقة التى تربت فى أحضان جمهورية العسكر وتغولت بشدة فى ظل مبارك )حتى فى فترة تولى الدكتور محمد مرسى أول رئيس مدنى شرعى منتخب إنتخابا حرا نزيها فى تاريخ مصر كلها .
ثم يأتى انقلاب الأربعاء الثالث من يوليو/ تموز 2013م ليعرى تماما وجه النظام العسكرى ويكشف الواقع المأساوي الذى طالما حرص النظام عبر هيمنته الإعلامية وسطوته الأمنية على مدار عقود أن يغيب الشعب المصرى عن الوقوف على حقيقة مفادها أن سائر ما تعانيه مصر هو نتيجة مباشرة لسياسات الإخفاق التى يمارسها هذا النظام وأن أعداء مصر المحورية وجدوا أن مصالحهم وطموحاتهم فى المنطقة وأن إبعاد مصر عن محيطها العربى والإسلامى وتفريغها من هويتها وإضعاف محوريتها كل ذلك يلتقي مع بقاء هذا النظام ودولته العميقة فسعوا إلى تدعيمه وتمكينه وتكبيله ليظل مهيمنا على عرش مصر .
فى هذه الورقة لست فى مقام استعراض تاريخى لحكم (جمهورية العسكر) فى مصر ولكن أحاول هنا أن أقدم وجهة نظر ومحاولة للقراءة واستشراف المآلات والنتائج وفقا للمقدمات التى تتزاحم على أرض واقع المشهد المصرى عبر المحاور الأربعة التالية :-
أولا :- متلازمة حكم العسكر وصناعة الفشل.
ثانيا :- انقلاب 3 يوليو / تموز 2013م وسقوط الأقنعة وهدم الأصنام .
ثالثا :- النظام العسكرى فى مصر ومرحلة المريض مرض الموت .
رابعا :- السقوط نتيجة حتمية سواء بالفعل الثورى أو ذاتيا .
أولا :- متلازمة حكم العسكر وصناعة الفشل .
******************************************
الخبرة من تجارب الشعوب مع نظم الحكم العسكرية التى تحكم مباشرة أو من وراء ستار تنبأ عن حجم الإستبداد والطغيان الذى عانته الشعوب سيما فى النصف الثانى من القرن المنصرم فى مناطق عديدة فى العالم منها على سبيل المثال فى الأرجنتين التى كانت تمثل حالة شديدة القساوة لتسلط العسكر واستبدادهم لمدة تقارب الثلاثة عشر عاما وفى البرازيل التى سطا فيها العسكر على السلطة عام 1964 م لمدة عشرين عاما تقريبا حتى 1985 م وفى تشيلى حيث استمر الديكتاتور العسكرى الجنرال بينوشيه من عام 1973م حتى عام 1990م .
و فى تركيا التى شهدت أربع إنقلابات عسكرية آخرها إنقلاب 1997م والذى سمى انقلابا أبيضا ووصف بأنه ( بعد حداثى ) يتشابه الانقلاب العسكرى فى مصر مع الإنقلابات العسكرية الثلاثة التى حدثت فيها أعوام 1960م و1971م و1980م من وجوه عديدة لعل أبرزها هو التقديم لهذه الإنقلابات بأنها كانت من أجل الحفاظ على الديمقراطية من قوى سياسية تهددها والحفاظ على البلاد من الانقسام والإنزلاق إلى الحرب الأهلية والإستجابة لإرادة الشعب !!!!؟ .
جميع هذه النظم الانقلابية أذاقت بلادها سنوات عجاف مليئة بالفشل على كافة الأصعدة لم تعرف فيها هذه البلاد طريقا للنجاح والنهضة إلا بعد أن طوت صفحة النظم العسكرية الانقلابية وإزاحتها من سدة البلاد .
مصر على مدار ستين عاما مضت منذ بداية جمهورية عسكر 23 يوليو 1952م وحتى مبارك وفترة المجلس العسكرى لم تعرف طريقا لنجاح حقيقى . فهزيمة يونيو / حزيران 1967م كانت أحد تداعيات فشل حكم العسكر والنظام البوليسى القمعى فى فترة جمال عبدالناصر ونتيجة طبيعة للمشروع المناهض لهوية مصر وحرية المواطن وكرامته واختزال مصر فى شخص الرئيس والزعيم والقائد .
وبعد حرب أكتوبر 1973م المجيدة والتى لم يحسن النظام العسكرى إستثمارها إلا فى ترسيخ سطوة المؤسسة العسكرية على سائر مفاصل الشأن المصرى فى شتى المجالات ليتحول هذا النصر بإرادة السادات حاكم مصر فى ذلك الوقت إلى وسيلة لترسيخ تبعية مصر للخارج ليملى بعدها الكيان الصهيونى ومعه الولايات المتحدة الأمريكية شروطهم من خلال إتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام وتغل يد مصر عن تنمية سيناء ليجد المصريون أنفسهم على خلاف طبيعة العلاقة بين المنتصر والمهزوم والتى تقتضى أن الغالب المنتصر يملى دائما إرادته على المغلوب المنهزم ولكن ما حدث هو العكس .
وبعد اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بدأ فصل جديد من فصول الفشل فى الدولة المصرية فى ظل إستمرار هيمنة المؤسسة العسكرية التى تقود الدولة العميقة ووضعت لبناتها وأساساتها فى ظل الفترة الناصرية وتجذرت وتغولت بقوة فى عهد مبارك لتصبح مصر وفقا لتقارير العديد من المنظمات الدولية دولة فاشلة وبحسب مؤشر الفساد الذى تعده كل عام (منظمة الشفافية الدولية) تحتل مصر المرتبة رقم 114 من مجموع 177 دولة.لتتحول من دولة تضم فاسدين إلى دولة فاسدة بمعنى الكلمة تصنع الفساد وترعاه ليصبح ماء الحياة للنظام الحاكم .
وقد عاشت مصر نماذج عديدة صارخة لفشل المنظومة العسكرية الحاكمة لا يسع المقام إلا لمحة من بعضها ليجد المصريون بعد عقود دولا صغيرة كانت فى بداية الخمسينات تتوسل معونة مصر ومساندتها قد أصبحت فى صدارة الدول المتقدمة و تسعى مصر لخطب ودها وطلب دعمها .
ولعل أحد أكبر وجوه الفشل التى سببها نظام العسكر الحاكم لمصر من وجهة نظرى على مدار العقود الماضية أنه حول مصر إلى بلد طارد للكفاءات حيث يوجد أكثر من 9 ملايين مصرى و750ألفا يعملون خارج مصر بحسب الإتحاد العام للمصريين فى الخارج منهم 86 ألفا من العلماء !!! من بينهم 1883 عالما من أصحاب التخصصات النادرة ووفقا لهذه الإحصائية فإن مصر فى المركز الأول فى عدد العلماء على مستوى العالم .
وبحسب هذا التقرير أيضا فإن هناك 42 عالما مصريا يشغلون منصب رئيس جامعة إلى جانب وزير بحث علمى فى كندا كما أشار التقرير إلى أن ثلاثة من المصريين أعضاء فى مجلس الطاقة الإنمائى المكون من ستة عشر عضوا فقط . كما يوجد فى أمريكا وحدها ثلاثة آلاف عالم مصرى فى كافة التخصصات !!!؟.
وأشار التقرير أيضا إلى أن إجمالى مدخرات المصريين فى الخارج بلغت حتى عام 2011م حوالى 147 مليار دولار بما يساوى ضعف الإستثمارات الأجنبية فى مصر !؟
ثانيا :- انقلاب 3 يوليو / تموز 2013م وسقوط الأقنعة وهدم الأصنام .
***************************************************
تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فانقلاب الثالث من يوليو / تموز 2013م أسقط الأقنعة التى حاول النظام على مدار العقود الماضية أن يخفى بها حقيقته عن الشعب المصرى .
فجيش أكتوبر 1973م لم يعد موجودا وحرب أكتوبر التى اتخذها النظام وسيلة لجعل الجيش صنما مقدسا طوال أربعين عاما حتى أصبحت المؤسسة العسكرية دولة داخل الدولة يستحلب الجيش مواردها دون أدنى رقابة وليصبح الشعب والدولة فى خدمة المؤسسة العسكرية وبالدستور الذى تم إقراره فى 2014م و لتتجلى حقائق كثيرة منها على سبيل المثال .
1- حسم الجدل المقصود والمفتعل حول موقف الجيش الذى حاول التدثر بالحياد وأنه يقف على مسافة واحدة من سائر الفرقاء السياسيين فى مصر ومن ثم أصبح تدخل الجيش غير قابل للتجرع أو الهضم حيث انكشف انحيازه التام إلى صف المعارضة المناهضة للتيار الإسلامى من ليبراليين وعلمانيين ويساريين وناصريين وغيرهم وتجاهل تماما الشرعية الدستورية والمسار الديمقراطى .
2- ماحدث هو إنقلاب مكشوف ومكتمل الأركان والمؤسسة العسكرية عبر اذرعها الأمنية والمعلوماتية والإعلامية وقدراتها اللوجيستية هى من يقود الدولة العميقة فى مصر ووقفت حائلا دون تحقيق طموحات ثورة الخامس والعشرين من يناير سواء أثناء الثورة أو بعدها وقادت محاولات إفشال الرئيس المنتخب واصطناع الأزمات أثناء فترة رئاستة بغرض تهيئة المناخ لإيجاد المبرر للإنقلاب عليه .
3- أن ماحدث من انقلاب المؤسسة العسكرية على الرئيس المنتخب لم يكن شأنا محليا خالصا ولكن كان بتدخل وتمويل إقليمى ودولى معد سلفا بما يقدح فى ولاءات قيادات المؤسسة العسكرية اللذين قادوا الإنقلاب ويهدم أصنام القدسية المصطنعة للمؤسسة العسكرية المصرية وحكامها السابقين .
4- أثبتت المؤسسة العسكرية الحاكمة أنها تمثل رأسا لنظام حكم ( أوليجاركى ) لا يحمل أى بعد إجتماعى وطنى وقائم على التحالف مع الطغم المالية والأقليات الدينية وأن الجيش المصرى بكل ما يحمله له المصريون من احترام يقوده جنرالات أثروا على حساب الشعب ومن التمويل الأمريكى المريب وغيروا العقيدة الاستراتيجية للجيش وأنكشف للشعب علاقات رؤساء النظام بالمشروع الصهيو أمريكى فى مصر والمنطقة العربية وعمالتهم للغرب ضد مصالح بلدهم .
5- أن المؤسسة العسكرية لم تعد صمام الأمان الذى يركن إليه المصريون ولكن تسبب تدخلها الفج وخطأ تقدير الموقف فى مآلات وتداعيات خطيرة على مستويات عدة على النحو التالى .
أ- على المستوى الإستراتيجي والفكرى :- انهارت فكرة التوافق بين التيارات المختلفة فى مصر عبر سقوط المشتركات الإستراتجية التى يلتقى عليها سائر الفرقاء السياسيين لمواجهة التحديات التى تحدق بالأوطان بما ينذر بخطر كبير على مستقبل البلاد .
ب- على المستوى السياسى :- أصبحت الساحة المصرية تعانى حالة موت سريرى للسياسة نتيجة المواجهة الصفرية واستدعاء الحل الأمنى كحل وحيد وهذا ما أدخل البلاد فى نفق مظلم .
ت- على المستوى الأخلاقى والقانونى :- كانت المنظومة القيمية والأخلاقية والدستور والقانون أبرز ضحايا الإنقلاب على الشرعية من خلال المخالفة الصارخة للقانون والدستور وتسخير المؤسسة القضائية واصطفافها وتوحدها مع سلطة الإنقلاب . إضافة لذلك فقد بلغ الإقصاء والحقد والكراهية مبلغا خطيرا لم تعرف له مصر مثيلا فى تاريخها .
ث- على المستوى الميدانى :- زادت وتيرة الحراك الرافض للإنقلاب فى سائر أرجاء مصر وزادت معه وتيرة العنف والبلطجة المدعومة من قبل النظام ومثلت احداث فض إعتصام رابعة والنهضة مستوى قياسى فى منحنى عنف النظام الذى لم يتوقف طوال تسعة أشهر فى مواجهة الحراك الثورى الرافض للإنقلاب الذى لم يهدأ يوما واحدا منذ الاتقلاب.
ثالثا :-النظام العسكرى فى مصر ومرحلة المريض مرض الموت .
************************************************
ككل كائن حى فى هذه الدنيا له دورة عمرية ومراحل يمر بها فإن النظام العسكرى الحاكم فى مصر مر بمراحل تطور ونشأة بدأت من 1952م حتى بلغ هذا النظام أقصى مرحلة التمدد والتمكين فى عهد مبارك غير أن ثورة الخامس والعشرين من يناير واستفاقة الوعى المصرى التى أحدثتها والتغير الواسع الذى أحدثته عبر إزاحة شتى أسوار الخوف التى بناها النظام خلال العقود الماضية وكذلك الثورة المعلوماتية التى جعلت السرية وإمكانية حجب المعلومات والحقائق أمرا صعب المنال وفضح حجم الفساد الفظيع والممنهج الذى عاشته مصر وانفضاح رؤوس النظام وسدنته وانكشاف خصوصيات وماليات رأس الدولة ورجالاته والقيادات العسكرية كل هذا أظهر سريعا شيخوخة هذا النظام عبر تعريته ومنع عوامل التقوية التى كان يعتمد عليها للإبقاء على حيويته أمام الشعب من خلال التعتيم على الواقع وخلق الهالات والقدسية وغسل الأدمغة وتجهيل الشعب بالحقيقة عبر الهيمنة الإعلامية والمعلوماتية والسطوة الأمنية .
وجاء إنقلاب 3 يوليو / تموز 2013م ليستفرغ هذا النظام سائر طاقاته فى محاولة لإستعادة حيويته وقدرته السلطوية الإستبدادية غير أن هذا الإستفراغ للطاقة فى معركة الإنقلاب وإن حقق مراده مؤقتا بعودة النظام العسكرى وتصدره المشهد بلا مواربة إلا أنه أصاب النظام بالإنهاك وعجل شيخوخته وأصبح كالمريض مرض الموت لإنقطاع أغلب اسباب الحيوية والبقاء بالإنكشاف التام للحقيقة أمام الشعب وعدم جدوى سائر المقويات التى يستخدمها النظام للبقاء وآخرها من وجهة نظرى ( الحرب على الإرهاب ) !!!؟
رابعا :- السقوط نتيجة حتمية سواء بالفعل الثورى أو ذاتيا
***********************************************************
وبناء على ما تقدم فإن هناك قاعدة تقول أنه لا يمكن أن تصل إلى النتيجة ذاتها إذا كانت المقدمات مختلفة .
وكسائر النظم الإنقلابية العسكرية التى أزاحتها الشعوب فإن المقدمات على أرض المشهد المصرى هى نسخة مكررة مما أحدثته النظم العسكرية الإنقلابية فى بقاع شتى من العالم ومن ثم فالنتيجة هى ذاتها ستكون إزاحة هذا النظام المريض مرض الموت عن المشهد المصرى طال الوقت أو قصر وربما يشهد نهاية عام 2014م هذا الحدث ويعضد هذه النتيجة مقدمات الواقع على النحو التالى :-
1- أن النظام العسكرى ومعه مجموعة الدعم والتخطيط الدولية والإقليمية عندما قرروا الانقلاب كان حاضرا لديهم تجربة الخمسينات ومن ثم أراد النظام تكرار التجربة وغاب عنه بفعل شيخوخة العقل المدبر للنظام فى الداخل وتوقف عجلة الزمن بالنسبة له أن المعطيات قد تغيرت تماما وأن السيناريو لن يسير بنفس الخطوات حيث عول النظام العسكرى على فكرة فرض الأمر الواقع عبر تصعيد العنف تجاه التيار الإسلامى وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين وأن المسألة مسألة وقت وأن أدبيات جماعة الإخوان المسلمين لا تميل للعنف ومن ثم ستتعامل مع الأمر الواقع وتجنح للهدوء الميدانى . لكن الواقع على مدار تسعة أشهر أكد على أدبيات الجماعة التى لا تعرف رفع الراية البيضاء أبدا . فاتسعت رقعة المظاهرات السلمية لرافضى لإنقلاب اللذين لا يمثل الإخوان منهم 20% على أقصى تقدير كما لم تهدأ المظاهرات يوما رغم تصاعد عنف النظام الذى أودى بحياة الآلاف من الرافضين للانقلاب ورغم اعتقال ما يزيد عن العشرين ألفا وتجاوز سائر الخطوط الحمراء لأعراف المجتمع المصرى .
2- تغير موازين القوة السياسية يميل بشدة فى اتجاه القوى الرافضة للإنقلاب حيث أن العبرة ليست بمستويات القوة على الأرض ولكن باتجاهات التغير التى باتت تتجه تصاعديا منذ الإنقلاب على الرئيس الشرعى بينما على الجانب الآخر لا تتوقف عن الهبوط الحاد .
3- استراتيجية النظام العسكرى الإنقلابى التى تقوم على شيطنة الآخر ومن له علاقة به مع اعتماد الحل الأمنى كحل وحيد تمثل تبديدا لمصادر قوة هذا النظام وتجعله متجها نحو الانهيار.
4- أخفق النظام بشكل غير مسبوق على صعيد السياسة الخارجية ولم ينجح على مدار تسعة أشهر من تحقيق إعتراف دولى به خارج دائرة الدول الداعمة للإنقلاب من بدايته وباتت مصر تعانى عزلة دولية غير مسبوقة منذ نشأة جمهورية العسكر فى 1952م . و نتيجة للممارسات الدموية واللا إنسانية المخالفة لمواثيق حقوق الإنسان كان النظام محلا للإدانات المتلاحقة من دول وجهات ومنظمات دولية كان آخرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عبر إعلان مشترك وقعت عليه 27 دولة .
5- زيادة حجم الفساد بشكل غير مسبوق بعد الإنقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى الذى كان قد نجح نوعا ما فى بعض محاولات تحجيمه وشرع فى استرداد أموال نظام مبارك ورجاله المهربة خارج مصر والتى سكت عنها نظام الإنقلاب تماما كأنها لم تكن . غير أن تقرير الجهاز المركزى الذى أعلنه رئيسه المستشار هشام جنينه والذى قدر حجم الفساد خلال الفترة المنصرمة بثلاثين مليارا وموقف النظام وتعاطى حكوماته معه يؤكد بلا أدنى شك أن مصر باتت دولة غير قابلة لأن يحكمها قوى سياسية تتسم بالنزاهة .
6- المنطق والواقع يؤكدان أن المتهم الأول بالفساد هو نظام الإنقلاب وأنه صانع الفساد على مدار عقود وشهدت مصر على يديه كل الإخفاقات ومن ثم فلا يمكن أن يؤسس لدولة ديمقراطية يخضع فيها للمحاسبة على جرائمه وإخفاقاته وقد كان ذلك واضحا فى إعداد دستور 2014م والذى أظهر الاستفتاء عليه مدى تراجع تأييد النظام فى الشارع المصرى .
7- المعضلة الإقتصادية التى تسبب فيها النظام على مدار عشرات السنين عبر سياساته ورجاله الفاسدين هى التى ستوجه الضربة القاضية وتنزع عن النظام المريض كل ماتبقى من وسائل التنفس الصناعية كما أن كل المسكنات التى أدمن تعاطيها لم تعد تجدى نفعا بعد الانقلاب .فالنظام يفكر بعقلية أمنية وموارد الدولة تسخر لكل ما يدعم الحل الأمنى وعجلة الإنتاج شبه متوقفة وكل يوم تزيد قائمة المصانع خارج الإنتاح بما يفاقم فى معدلات البطالة كذلك الإضرابات الفئوية والعمالية فى تصاعد مع تضاؤل فى حجم احتياطات النقد الأجنبى ومعدل الدين الداخلى بحسب تصريح رئيس الوزراء محلب الذى خلف الببلاوى قد بلغ (تريليون وستمائة مليار جنيه) وبحسب التقارير الصادرة عن مؤسسات النظام وأجهزته كالجهاز المركزى للإحصاء فإن أسعار السلع الأساسية تضاعفت خلال شهر فبراير من عام 2014م مقارنة بنظيره فى العام السابق 2013م فى عهد الرئيس مرسى ومعدل التضخم بلغ 11.8% خلال ثمانية أشهر مقابل 3.6% خلال نفس المدة من عام 2013م فى فترة رئاسة الدكتور مرسى .
8- أن رهان النظام ومن خلفه القوى الداعمة على عنصر الزمن أثبت أنه رهان فاشل حيث اصبح النظام محاصرا من الناحيتين الزمانية والمكانية وبات تمدد الوقت مع إتساع الرقعة المكانية عنصرا إيجابيا لرافضى الانقلاب ساهم فى كشف مخططات النظام العسكرى ومثل استنزافا لرصيد النظام داخليا وخارجيا ليصبح النظام محصورا فى تمثيل أقلية داخلية وينفض عنه تدريجيا داعموه خارجيا .
9- محاولات النظام العسكرى الدفع بوزير الدفاع ( عبدالفتاح السيسى ) قائد الإنقلاب لسدة الرئاسة أو أى شخص غيره ستكون قاصمة الظهر لأن مصر بناءا على ذلك يتوقع لها أن تعيش تجربة استبدادية تفوق بمراحل نظيرتها فى عهد مبارك لأن النظام العسكرى وفقا لمعطيات الواقع المصرى يريد أن يصدر رئيسا يحكم قبضته على سائر أجهزة الدولة العميقة فى مصر وقد مهد له دستور 2014م صلاحيات تجعل منه حاكما بأمره ولا معقب على فعله وقوله. وفى مقابل ذلك مع إصرار النظام على إنتهاج نفس آلياته فإن تكلفة الحل السياسى ترتفع مستقبلا يوما بعد يوم فى ظل تطلعات شعبية عميقة لتوفير الإحتياجات الأساسية للشعب المصرى وتحقيق الأمن اللذين باتا بعيدا المنال فى ظل خلطة نظام الحكم التى جمعت بين فساد عشرات السنين واستبداد الحكم العسكرى.
الخلاصة
***********************
أن نظام الحكم العسكرى فى مصر أصبح فى مرمى هدف السقوط وأن الزمن المتوقع لسقوط هذا النظام والإنقلاب الأخير أعتقد أنه قد لا يتجاوز بدايات العام 2015م فى ظل تغير الكثير من المعادلات داخليا وخارجيا كما أن سائر حواجز الخوف التى صنعتها النظم لم تعد لتصمد أمام وعى الشعوب فالشعوب العربية وفى مقدمتها الشعب المصرى باتت فاعلة وممسكة بمصائرها وقد وعت محاولات أعداء الخارج والداخل لبقائها فى قيود الاستعباد فثارت ولم تستسلم لمن أراد تكبيل أرادتها واغتصاب سلطتها ولم تهدأ ثورة الرفض للانقلاب والاستبداد يوما واحدا .
ورغم أن كل المقدمات تؤكد على حتمية سقوط الإنقلاب وحكم العسكر ذاتيا عن عرش مصر إلا أن إسقاط العسكر عن عرش مصر بالفعل الثوري بات مطلبا ملحا يستوجب توحد كافة القوى الثورية للحظة فاصلة تعيد التوازن للعلاقات المدنية العسكرية وتجنب البلاد التفكك والإنهيار الذى لا يتمناه المخلصون لأوطانهم .
-------
كاتب سياسى وباحث.