قد يساور بعضنا القلق من (عنصر الزمن) فى المعركة مع العسكر ، وقد يرى البعض أنهم ماضون فى فرض شرعيتهم ، وقد يخشى بعضنا تزايد التضحيات وفداحة الثمن المدفوع لنيل الحرية والكرامة .
وكل هذا مشروع ، وينبغى ألا نقلل من القلق أو أن ندفعه بمسكنات جوفاء ، لكن الحتمى أن يعى الجميع أن مصر فى معركة مصير ، وأن أى نقد لآلية من آليات المعركة مقبول مادام لا يثبط ولا يدعو لترك الجهاد.
لذا نساهم ببعض الآراء لتطوير حراكنا الثورى فنقول :
أولا :الانتقال إلى حرب استنزاف النظام :
- باعتبار أن الخصم يمتلك آلة القوة وآلة الوعى ، كما يمتلك رغبة جامحة فى السيطرة على الحكم ، أصبح حتما على الثوار أن يواجهوه فى إطار (حرب استنزاف) .
- والاستنزاف هنا ينبغى أن يستهدف (كل) عناصر حكمه ، سواء بعدم تمكينه من شرعية دستورية بدوام التأثير على الجمهور والتواجد المقلق بالشارع ، أو استنزاف شرفه بفضح انتهاكاته ، أو استنزاف قدراته على إدارة الوطن المغتصب وإظهار عجزه ، فضلا عن استنزاف هيبته وإسقاطه شعبيا ،أو حصاره ديبلوماسيا واقتصاديا، لإفشال مشروع حكمه.
- وهذه المعركة تتطلب الوعى بآليات بقاء العسكر ، ومن ثم الضرب المستمر فيها ، كما تتطلب استخصار إرادة مواجهة الزمن ، وعدم تسرب الإحباط ، والكف تماما عن استعجال النصر ، فالنصر قادم لا محالة بمشيئة الله ، ووقته بيد الله ، ومجرد انحيازنا للحق هو نصر لأشخاصنا ، والصمود هو نصر لدعوتنا ، والتضحيات هى قربان لتعجيل النصر.
ثانيا :حشد الخبرات والأفكار :
ينبغى استعادة القدرة على حشد الخبرات بكل مجال لتوجيه حرب الاستنزاف عبر خبرائها ، وهذا يقتضى توسيع نطاق العمل الثورى بحيث يدعم الحراك الجماهيرى بالشوارع والميادين .
- فالخبرات التقنية ستحدد كيف توجه الضربات الفنية لإفشال سيطرة العسكر على الحكم.
- والخبرات الفكرية ستحدد كيفية تطوير الحراك الثورى الشامل بحيث تدرس دائما طبيعة المرحلة ، وتحسب المكاسب والخسائر للثوار ، وتقترح الجديد لدفع العمل وتطويره .
- ومن هنا فإننا ندعو لأن تتشكل مجموعات تفكير حرة دون التقيد بالمركزية الإدارية ، وأن تصل هذه المجموعات لأوراق عمل وأفكار محددة فى كلا المجالين (التقنى والحركى) ،
ومن ثم تبدأ التنسيق مع التحالف لإنزال أفكارها موقع التنفيذ.
- هذه المجموعات الحرة من كل أطياف الثورة تستطيع أن تواجه التضييق الأمنى ، كما تواجه تناثر وتسرب الأفكار الجادة التى قد تطرح فى لقاءات جانبية أو مقالات أو بمواقع التواصل الإجتماعى ، كما أنها توجه العقول إلى ضرورة إيجاد الحلول لكل مشكلة ، وعدم الاقتصار على الإشارة إلى مواطن الخلل ، وتفضى إلى إقتراحات رصينة لمواجهة هذا الخلل.
- إن معركة الاستنزاف التى نخوضها هى تطور حقيقى لمراحل المواجهة الثورية للعسكر ، وهى مرحلة متقدمة تؤكد أن الخلاف ليس على مصالح ولكن على مبادئ ، وتؤكد أن فريق اغتصاب السلطة لن يتمكن منها مادام لم ينزل على إرادة كل الشعب ، كما تؤكد أن انطلاق شرارة الثورة لم يكن من أناس حالمين ولا عابثين ، لكن كان بإرادة مسئولة مستعدة لخوض كل مراحل المواجهة مهما كانت مصاعبها وتحدياتها الداخلية والدولية.
ثالثا :من الانفعال إلى الاحتراف :
معلوم أن الثوار يمثلون العاطفة الطاهرة ، والأهداف النقية ، ولا يهتمون بالمكايدة ولا بالتآمر فتلك أعمال خصمهم العسكرى وبطانته ، غير أن الثورة تمر بمراحل ينبغى أن يتعامل معها الثوار بوعى ، وفى مرحلة الاستنزاف يجب إلزام النفس هدوءها والتحرك المحسوب ، والتخطيط المحترف ، فالانطلاق الساذج يمكن توجيهه من قبل الخصم المتربص ، لكن الحراك المخطط يصل لمبتغاه.
_كما ينبغى تداول الأفكار ، والكف عن تداول المشاعر.
_وقد أصبح واجبا أوليا أن يمارس الجميع فضيلة تثبيت الصف الثورى ، ونشر الوعى بمراحل المواجهة لئلا يتساقط المخلصون أو يحبط الأنقياء ، أو أن يتصور البسطاء أن النصر بعيد المنال ، ولهذا الواجب لزومياته من العلم والوعى ورباطة الجأش وعدم التسليم للخصم مهما كانت التضحيات.
مكملين ...
لا رجوع ...