(1) القرآنُ والسُّنَّةُ مصدرُ الشريعةِ وأحكامِها، ولا إسلامَ بِغيرِ السُّنَّةِ:

 

من المتفقِ عليه بين أهلِ الإسلامِ أنَّ السنَّةَ النبويَّةَ تُمَثِّل مع القرآنِ المصدريْن الأساسيَّيْن لأحكامِ الشريعةِ الغرَّاء، ولا عذرَ لأحدٍ في مخالفتِها أو التخلِّي عنها، ولا يقبل الإسلام من أحد بدونها، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء 59).

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر 7). إلى غير ذلك من الآيات.

 

وأكد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أوتي السنة، مثلما أوتي القرآن، وحذر من الفصل بينهما، وتنبأ بالدعوة الفاسدة التي يطرحها البعض بالاكتفاء بالقرآن، وعدم الالتفات إلى السنة، محذرا من الاستجابة لها.

 

أخرج أحمد وأبو داود بسند صحيح عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ».

 

وفي رواية ابن ماجه: «أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ».

 

وأخرج أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح عن أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ».

 

وقد فهم الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أن السنة لا يمكن الاستغناء عنها بالقرآن، فهي التي تفصل مجمله، وتوضح مشكله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتبسط مختصره، وتكمل أحكامه، وهذا ما أوضحه عمران بن حصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

 

فقد أخرج الطبراني أنه قَالَ له رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ، لَتُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلًا فِي الْقُرْآنِّ!.

 

فَغَضِبَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَقَالَ لِرَجُلٍ: قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

 

قَالَ: وَجَدْتَ فِيهِ صَلَاةَ الْـمَغْرِبِ ثَلَاثًا، وَصَلَاةَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا، وَصَلَاةَ الْغَدَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأُولَى أَرْبَعًا، وَالْعَصْرُ أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا الشَّأْنَ؟ أَلَسْتُمْ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!

 

أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَفِي كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةً، وَفِي كُلِّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا، أَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَمَّنٍ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَخَذْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذْتُمُوهُ عَنَّا.

 

قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 29] وَجَدْتُمْ هَذَا طُوفُوا سَبْعًا، وَارْكَعُوا رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟ عَمَّنْ أَخَذْتُمُوهُ؟ أَلَسْتُمْ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» الحديث.

 

وفي رواية: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ أَحْيَيْتَنِي أَحْيَاكَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: «فَمَا مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ».

 

وفي ضوء هذا يقدر الإخوان المسلمون قيمة ومنزلة السنة النبوية المطهرة، ويدركون أن السنةَ تعني كل ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وأنها شاملةٌ لكل مجالاتِ الحياة، وفيها تنظيمٌ عمليُّ رائعٌ لشؤونِ الحياةِ كلها في كل المجالات الأخلاقية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذا كان الأصل الثاني من أصول الفهم عند الإخوان المسلمين:

 

«القرآنُ الكريمُ والسنةُ المطهرةُ مرجعُ كلِّ مسلمٍ في تَعَرُّفِ أحكامِ الإسلامِ، ويُفْهَمُ القرآنُ طبقًا لقواعدِ اللغةِ العربيةِ من غير تكلُّفٍ ولا تعسُّفِ، ويُرْجَع في فهمِ السنةِ المطهرةِ إلى رجالِ الحديثِ الثقات».

 

(2) وجوبُ الرِّضا والتسليمِ لحكمِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

يدرك الإخوان المسلمون وكل محب لدينه أنه ليس للمسلمِ خيارٌ في الاستجابةِ لأمرِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب 36).

 

ولذلك كان الرافضُ لحكمِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاقدًا للإيمانِ، حتى يرضَى به ويُسَلِّمَ له بلا حَرَجٍ في صدره.

 

وقد أخرج الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ (أي مسيل الماء في تلك المنطقة)، الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ.

 

فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: «أَسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ».

 

فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟. (يعني يتهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه حكم لصالح الزبير مجاملة لكونه ابن عمته).

 

فَتَلَوَّنَ (أي تغير ) وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ». (الجدر: هي الحواجز التي تحبس الماء، والمعنى: حتى تبلغ تمام الشرب).

 

فَقَالَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء 65)».

 

فنفى القرآن الإيمان عمن لم يقبل حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بلا أدنى حرج.

 

(3) تعظيمُ السُّنَّةِ ورفضُ الاستهانةِ بها أو معارضتها بالآراء:

 

كان الصحابةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يستعظِمُون أنْ يعارضَ أحدٌ سنَّةَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأيه، وجاءت عنهم في ذلك آثارٌ كثيرة،

 

منها ما أخرج مسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا».  قَالَ: فَقَالَ (ابنُه) بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ.

 

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: «أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ!».

 

وأخرج الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ

 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الخَذْفَ (وهو رمي الحصى بالأصابع)، وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ (أي لا يقتله ولا يجرحه)، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ العَيْنَ».

 

ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَرِهَ الخَذْفَ، وَأَنْتَ تَخْذِفُ! لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا». وفي رواية: «لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا».
وهذه قصة شاب استهزأ بأبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهو يروي أحاديث رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانظر ماذا حدث له؟.

 

أخرج الدارمي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ، خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

 

فَقَالَ لَهُ فَتًى -قَدْ سَمَّاهُ- وَهُوَ فِي حُلَّةٍ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَهَكَذَا كَانَ يَمْشِي ذَلِكَ الْفَتَى الَّذِي خُسِفَ بِهِ؟ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَعَثَرَ عَثْرَةً كَادَ يَتَكَسَّرُ مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لِلْمَنْخَرَيْنِ، وَلِلْفَمِ! ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ (الحجر 95)».

 

بل إن الصحابة يرفضون أن يعارض أحد سنة رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء آخر من الحكمة المأثورة.

 

فقد أخرج مسلم أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَهْطٍ، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ، يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ: أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ». فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ - أَوِ الْحِكْمَةِ - أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ.

 

قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا أَرَى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُعَارِضُ فِيهِ!. (وفي رواية: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ)

 

قَالَ: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَعَادَ بُشَيْرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ، قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

 

والقصص في هذا كثير، وقد أخرج أبو نعيم والبيهقي عن عُثْمَانِ بْنِ عُمَرَ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور 63). ويكفي العاقل أن يقرأ هذه الآية..

 

ولهذا فالسنة النبوية المطهرة عند الإخوان المسلمين أجل قدرا وأرفع منزلة من أن يعارضها أحد باجتهاده، فضلا عن أن يقدم عليها قولا لأحد، كائنا من كان، فضلا عن أن يسيء أحد الأدب في مواجهة السنة أو يستهزئ بها.

 

(4) تقسيمُ الأحكامِ إلى فرائضَ وسننٍ لا يعني التقليلَ من أهمية السنة:
يدرك الإخوان المسلمون أن التقسيمَ الذي أقرَّه الفقهاءُ للأحكام الشرعية في المأمور به إلى فريضة وسنة، وفي المنهي عنه إلى حرام ومكروه، إنما هو لبيانِ مراتبِ الأعمالِ، وما ينبغي تقديمُه عند التزاحم أو التعارض، وليس للاستهانةِ بالسنةِ، كما يفعلُ بعض العامَّة، إذا دعوتَهم لتطبيقِ السنةِ قالوا: إنها سنة! يعني لا بأسَ بتركها، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللَّهِ، وقد تصدَّى الصحابةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لهذا الأمر.

 

فأخرج أحمد وابن أبي شيبة بسند صحيح عن مُسْلمٍ الْقُرِّيِّ، قال: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَرَأَيْتَ الْوِتْرَ أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: «مَا سُنَّةٌ؟! أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ»، قَالَ: لَا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: «مَهْ! أَوَ تَعْقِلُ؟ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ».

 

أرادَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ المسلمَ ينبغي ألَّا يتهاونَ بسنةِ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزعم أنها ليست واجبةً، فإنَّ اللَّهَ سبحانه قد عَلَّقَ سعادةَ الدَّارَيْنِ بمتابعتِه، وجعل شقاوةَ الداريْن في مخالفتِه.

 

أخرج الدارمي والحاكم والبيهقي عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، قَالَ: كَانَ طاووسٌ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «اتْرُكْهُمَا»، قَالَ: «إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا أَنْ تُتَّخَذُ سُلَّمًا».

 

قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَإِنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَلَا أَدْرِي أَتُعَذَّبُ عَلَيْهَا أَمْ تُؤْجَرُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقْدَ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]».

 

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: تُتَّخَذَ سُلَّمًا، يَقُولُ: يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ.

 

فرفض ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا من طاوس هذا الجدل في ترك السنة.
(5) السُّنَّةُ للعملِ لا لمجرَّد الحفظِ:
يفهمُ الإخوانُ وكلُّ مُحِبٍّ للسنةِ أنَّ الاتباعَ والإحياءَ الحقيقيَّ للسنةِ هو في العمل بها في كل مجالات الحياة، ولا يكتفونَ بالتوجيهِ نحو حفظِ نصوصِها ومدارستِها، بل يؤكدون على وجوبِ نقْلِها من مجردِ نصوصٍ محفوظةٍ إلى واقعِ حيٍّ ملموسٍ، سواءٌ في ذلك الهديُ الظاهرُ أو الهديُ الباطن.
ولهذا فمن واجباتك أيها الأخُ العامل: «أنْ تعملَ ما استطعتَ على إحياءِ العاداتِ الإسلاميةِ، وإماتةِ العاداتِ الأعجميةِ في كلِّ مظاهرِ الحياةِ, ومن ذلك: التحيةُ، واللغةُ، والتاريخُ، والزِّيُّ، والأثاثُ, ومواعيدُ العملِ والراحةِ، والطعامُ والشرابُ, والقدومُ والانصرافُ, والحزنُ والسرورُ ...الخ, وأن تتحرَّى السنةَ المطهرةَ في ذلك».

 

وكذلك يحرص الإخوانُ على إحياءِ سنن العباداتِ كالتراويحِ، والاعتكافِ، وصلاةِ العيدِ في الخلاءِ وغيرها، وإحياءِ السننِ المتعلقة بالزواجِ والمناسباتِ الاجتماعيةِ المختلفة، وكذلك يحرصون على التأسِّي برسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سائرِ المعاملات، ويَزِنُونَ مواقفَهم في مختلفِ الأحوالِ على ميزانِ القرآنِ والسنةِ.

 

يقول الأستاذ حسن البنا رحمه اللَّهُ في رسالة (إلى أي شيء ندعو الناس): «يا قومَنا: إننا نُناديكم والقرآنُ في يمينِنا والسنةُ في شمالِنا، وعملُ السلفِ الصالحين من أبناءِ هذه الأمة قدوتُنا».
وعلى هذا الطريقِ الواضحِ يستمرُّ الإخوانُ في دعوتِهم إلى اللَّهِ، واضعينَ نصبَ أعينهم قولَ اللَّهِ تعالى ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ (النساء 69-70)، وقوله تعالى ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (النساء 80).