زادت نسائم الإسراء الداعين لمسيرات العودة الكبرى في فلسطين عزيمة وإصرارا على المضي بها في ذكرى النكبة، ذلك اليوم المشئوم الذي اختاره الحلف الصهيوني الأمريكي موعدا لتنفيذ إعلان القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني المحتل.

وإن الذين عرجوا إلى ربهم شهداء عند انطلاق هذه المسيرات هم - إن شاء الله - أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم؛ من المقاومين المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل..
 
أولئك المرابطون والمقاومون - وإن قل عددهم - أصبحوا مع طلائع مسيرة العودة في غزة قدوة لعموم أهل فلسطين، في القدس وأرض الـ48 وغزة والضفة الغربية، على اختلاف مواقفهم من المقاومة الشعبية أو المسلحة، كما صار هؤلاء المرابطون المقاومون - ومن يلحق بهم من جماهير العودة - حجة على كل من أراد أن يتخاذل أو يتفاوض أو يستسلم لعدوه.
 
ومما استقر في وجدان الأمة عامة والشعب الفلسطيني خاصة أن على جماهير الأمة بذل التضحيات تلو التضحيات لتلحق بمسيرة العودة الكبرى لتهدئة الصراع بين الطوائف المتناحرة وتخفيف الاحتقان بين الأعراق المختلفة وكبح شهوات ومطامع الحكام المستبدين في أمة أصبحت شيعا يذيق بعضها بأس بعض، فانطلاق العودة الكبرى خفف من الاحتقان الداخلي وأوجد مناخا وبيئة حاضنة ووسائل عملية لتعاون فصائل المقاومة على أرض فلسطين مع جماهير الشعب الفلسطيني، وأمضى خطوات في طريق المصالحة، وزاد من صبر هذه الجماهير وحشد كل الطاقات في مواجهة الحلف الصهيوني الأمريكي.
 
إن انطلاق العودة الكبرى قد أربك هذا الحلف؛ فبعد أن أعد عدته لإبادة غزة وتهجير من بقي على قيد الحياة من أهلها إلى سيناء، أصبح اليوم يبني السياج تلو السياج ليحمي جنوده في داخل مدرعاتهم من حجارة المتظاهرين أو سواعدهم العارية، أما ساسة الاحتلال ومن دان لهم من حكام العرب فيراوغون بإجراءات تخفيف الحصار مقابل وقف المسيرات.. أليس في ذلك تصديق لقول الله عز وجل (..وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر -٢).
 
نعم.. الرعب الذي يدرك المحتلين الغاصبين في حصونهم وخلف جدرهم وأسوارهم أو في مغتصباتهم وبروجهم المشيدة.
 
وكما تقذف مسيرات العودة الرعب في نفوس المحتل؛ فهي تحيي الأمل في قلوب الأمة الإسلامية، خصوصا جماهير الربيع العربي التي ضعف حراكها الوطني من أجل الحرية والكرامة، وتحتاج إلى الأمل والثقة في وعد الله ونصره والعودة إليه.
 
فعودتنا إليه - سبحانه وتعالى -  فيها إنقاذ لأوطاننا من الاستبداد والفساد، وتحرير لمقدساتنا من المحتلين الغاصبين، نعم.. إنقاذ لأوطاننا من الاستبداد والفساد، بدءا من داخل أنفسنا بالإيمان العميق (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران- ١٩٣) ثم الثقة بوعد الله ونصره للمؤمنين في الدنيا والآخرة (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (ٱل عمران - ١٩٤)، ثم العمل المتواصل الذي لا يضيعه الله تعالى أبدا (فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران - ١٩٥).
 
وفي طريقنا هذا يبصرنا ربنا بطبيعته ومشقاته وعظم جزائه (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) (ٱل عمران)، ثم يأمرنا ربنا بزاد العودة المتجدد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران - ٢٠٠)، أما من يتوعد مسيرتنا للعودة ممن بغى علينا من قومنا وحكامنا، فنشكوهم إلى الفتاح العليم، ولن يمنعنا أذاهم أو وعيدهم من الصدع بالحق والاستمساك به حتى يأتي نصر الله، ولا نقول لكم إلا ما أمرنا الله به (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (سبأ – 25- 26) (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء - 18) (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران – 173- 174).
 
والله أكبر ولله الحمد
 
أ.د. محمود عزت
 
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
 
الجمعة 4 شعبان 1439ﻫ - 20 أبريل 2018 م