14 أغسطس هو اليوم الأكثر دمويةً في تاريخ مصر الحديث، ويظن البعض - خطأ - أن حفنة الجنرالات الفسدة نفذوا مذبحتي رابعة والنهضة فقط في هذا اليوم الأسود، لكن الحقيقة أن هناك عدة مذابح جرت في هذا اليوم لكنها لم تأخذه حظها من التناول الإعلامي بقدر ما جرى في ميداني رابعة والنهضة.

ولعل أسوأ ما جرى في هذا اليوم أنه فضح المؤسسة العسكرية المصرية، وكشف حجم التغيير الرهيب في عقيدتها القتالية من اعتبار الصهاينة العدو الأول إلى توجيه السلاح نحو صدور الشعب المصري ذاته، وتأجيج نيران الفتنة الداخلية واستخدام الأساليب المنحطّة من أجل إذكاء نيران الكراهية والعنصرية والتمييز ضد الإخوان؛ لا لشيء سوى أنهم تمكنوا من الفوز بثقة الشعب 5 مرات، بعد ثورة 25 يناير 2011م، وفازوا على مرشح الثورة المضادة - ومن أهم مكوناتها الجيش والداخلية - الفريق أحمد شفيق في أكثر الانتخابات نزاهة في تاريخ مصر كله.

وما فعل ذلك حفنةُ الجنرالات الفسدة إلا من أجل أن يتمكن هؤلاء الخونة من السيطرة على الحكم والسلطة والثروة؛ لخدمة أهداف الكيان الصهيوني الذي يرعى هؤلاء، وقدمهم على من سواهم من الكفاءات داخل الجيش المصري، فتم اختطاف الجيش وقراره، وترتب على ذلك اختطاف مصر نفسها ومصادرة قرارها السياسي والسيادي ليكون طوعًا لخدمة الكيان الصهيوني.

والحقيقة المؤكدة الآن أن مصر عادت إلى ما قبل يناير 2011، بل أشد سوءًا وباتت حقيقة لا مجازًا محتلة احتلالاً غير مباشر وتم مصادرة قرارها السياسي والسيادي لخدمة أمريكا والكيان الصهيوني وممالك الخليج الثرية الراعية لانقلاب 3 يوليو 2013م.

وفي هذا اليوم نفذ العسكر عدة مذابح بخلاف رابعة والنهضة، نرصدها في التقرير التالي:

أولاً: مذبحة مسجد الإيمان.. قِبلة الشهداء؛ ففي نهاية يوم المذبحة، غادر عدد كبير من المعتصمين صوب مسجد "الإيمان" القريب من ميدان رابعة، بينما امتلأ المسجد بعشرات الجثث التي نقلت من مقر الاعتصام الرئيس، وتحول المسجد - عقب الفض الدموي - من قبلة للصلاة إلى قبلة للشهداء، فمع مرور الوقت لم يعد المسجد يفتح الأبواب سوى لاستقبال ضيف جديد مخضب في الدماء، وما لبث سكون الليل قليلا حتى حاصرت القوات المسجد بمزاعم وجود مسلحين قبيل اقتحامه.

ثانيًا: مذبحة "نصر الدين" في منطقة نصر الدين أول شارع الهرم وقرب ميدان النهضة، لملم معتصمون شتاتهم عقب الفض الدموي للاعتصام السلمي، وأقاموا منصة بديلة، وسط إطلاق نار من جانب قوات الجيش، وصل إلى حد استخدام طلقات الجرينوف (رشاش بلجيكي)، وكانت الساعات دامية، وامتدت حتى الساعات الأولى لليوم التالي لمجزرة فض الاعتصامات، وراح ضحية تلك الليلة 57 شخصًا، ولم يسعف الكر والفر المعتصمين، من مواجهة بطش الجيش والشرطة، المعززين بمروحيات وقناصة، فضلاً عن "المواطنين الشرفاء"، وهو لفظ أطلق على "البلطجية" الذين أطلقتهم الشرطة للبطش بالمعتصمين.

ثالثًا: مذبحة ميدان "مصطفى محمود"، وهو الميدان البديل بعض التعدي على اعتصام النهضة؛ حيث تجمع معظم المعتصمين مرة أخرى في مصطفى محمود؛ حيث أقيمت منصة اعتصام زارها لسويعات الشيخان محمد حسان وحسين يعقوب قبل فرارهما بحجة تدهور صحة حسان، وشهدت هذه المذبحة مقتل 66 شخصًا، برصاص الجيش والشرطة، بحسب شهادة ثريا الشامي أم الزميل الصحفي مصعب الشامي؛ حيث اكتظ بهم المستشفى الميداني، بالإضافة إلى مئات المصابين، وبحسب الدكتور محمد عبدالفتاح مدير المستشفى الميداني فقد قتل 50 وأصيب حوالي 1500 آخرون.

وعلى مقربة من ميدان مصطفى محمود، تجدد إطلاق النار من قبل الجيش والشرطة عصر يوم المذبحة في شارع البطل أحمد عبد العزيز بالجيزة، وأسفرت عن إصابة العديد من المتظاهرين.

رابعًا: اعتصامات المحافظات؛ حيث امتدت المظاهرات المنددة بالفض الغاشم لاعتصامي رابعة والنهضة إلى العديد من ميادين مصر.

وبحسب وزارة الصحة بحكومة الانقلاب فقد قتل 95  مصريًّا على الأقل وأكثر من 800 آخرين أصيبوا، خلال الاشتباكات التي وقعت في 10 محافظات، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس والبحيرة والمنيا والدقهلية وأسيوط وسوهاج والأقصر.