انتقد حقوقيون تصريحات قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، التى زعم فيها أن دولة العسكر حريصة على حقوق الإنسان، وأن هناك أكثر من 40 ألف منظمة حقوقية تعمل لخدمة حقوق الإنسان في مصر".

وقال حقوقيون إن السيسي حوّل مصر إلى سجن مفتوح ولم يعد فيها مكان لحرية الرأى أو التعبير أو تعدد الأحزاب والممارسة السياسية المتكافئة، وأكدوا أن عدد المعتقلين السياسيين تجاوز 60 ألف معتقل، بجانب جرائم القتل والتصفية والإخفاء القسرى والتعذيب التى لم تتوقف عن ارتكابها ميلشيات العسكر منذ انقلاب 3 يوليو 2013 على أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسى.

كان "السيسي" قد وجّه خلال مؤتمر مشترك مع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، في القصر الرئاسي الفرنسي أمس، دعوة لمنتقدي حقوق الإنسان في دولة العسكر لزيارة مصر. يشار إلى أن زعماء العالم تجاهلوا انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، خلال لقاءاتهم مع "السيسي"، على هامش قمة مجموعة السبع الكبار (24 -26 أغسطس الجاري) في فرنسا، وكشفت منظمات دولية منها "هيومن رايتس ووتش" عن انتهاك نظام "السيسي" لحقوق الإنسان وتعريض المعتقلين لعمليات تعذيب ممنهجة، فضلا عن القتل بالإهمال الطبي.


سجن مفتوح
من جانبها اتهمت منظمة العفو الدولية حكومة العسكر بشن حملة على حرية التعبير حولت مصر إلى "سجن مفتوح" للمنتقدين.  وقالت المنظمة في تقرير لها إن سلطات الانقلاب اعتقلت مؤخرا 111 شخصا لانتقادهم عبد الفتاح السيسي ووضع حقوق الإنسان في عهده، في حملة فاقت أي حملة مشابهة أثناء حكم المخلوع حسني مبارك.
وأوضح التقرير أن من بين المعتقلين 35 شخصا على الأقل تم احتجازهم بتهمة "التظاهر دون تصريح" أو "الانتماء لجماعة إرهابية" أو نشر تعليقات ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأشارت إلى أن من بين المعتقلين أيضا 28 صحفيا على الأقل، وشخصيات بارزة مثل رئيس الأركان السابق سامي عنان، حسب التقرير. 

وقالت نجية بونعيم مديرة الحملات لمنطقة شمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية "أصبح انتقاد الحكومة في دولة الانقلاب حاليا أكثر خطورة من أي وقت مضى.. المصريون تحت حكم السيسي يُعاملون كمجرمين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم بشكل سلمي".


الخارجية الأمريكية

كما أكدت منظمات حقوقية دولية معنية بمصر، في خطاب وجهته إلى وزير الخارجية الأمريكي، أن تقرير الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان لعام 2018 عن مصر ذكر أن "الرعاية الصحية في السجون غير كافية، ما قد يقود إلى عدد كبير من الوفيات بين السجناء لأسباب طبيعية كان يمكن علاجها".
وأشار الخطاب إلى تقارير لمنظمات حقوقية مصرية أفادت بوفاة 245 معتقلًا في سجون العسكر خلال عام 2018، ووفاة 650 معتقلًا آخرين منذ عام 2013، وحذرت المنظمات من الأوضاع الصحية لعدد من المعتقلين والسجناء السياسيين.
فى سياق متصل انتقد 17 خبيرا في حقوق الإنسان تابعين للأمم المتحدة دولة العسكر بسبب استخدامها لقوانين مكافحة الإرهاب لاحتجاز نشطاء يكافحون من أجل حقوق المرأة وضد الفساد والتعذيب والقتل خارج إطار القضاء.
وقال خبراء فى بيان مشترك ”نشعر بقلق عميق من طول فترة احتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب دفاعهم السلمي والمشروع عن حقوق الإنسان“.

وأكدوا أن ”الاستهداف الممنهج للمدافعين عن حقوق الإنسان مؤشر آخر على أن حكومة الانقلاب تتعامل بنهج لا يقبل المعارضة بأي شكل، وكثيرا ما تقمعها بذريعة مكافحة الإرهاب“.

لجنة تقصي حقائق

كما دعت 5 منظمات حقوقية الأمم المتحدة إلى “تشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على أوضاع حقوق الإنسان في دولة الانقلاب الدموى، والتحقيق في جرائم القتل خارج نطاق القانون، أو الإجراءات القضائية التي تفضي لصدور أحكام إعدام وفق إجراءات موجزة أو تعسفية، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم ومنع إفلاتهم من العقاب”.

جاء ذلك في تقرير مشترك لكل من: منظمة إفدي الدولية، ومؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس مونيتور .

وطالبت المنظمات الحقوقية المقرر الأممي الخاص المعني بالقتل خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، وكذا المقرر الخاص باستقلال السلطة القضائية، بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بضرورة التحرك لوقف تنفيذ أحكام الإعدام التى تصدرها سلطات الانقلاب.

كما طالبت دولة العسكر باحترام الدستور والقانون وتطبيقه، والالتزام بكافة المواثيق والعهود الدولية، خاصة ما صدقت عليها مصر، ووقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام الصادرة في قضايا سياسية من دوائر الإرهاب والمحاكم العسكرية وغيرها، ووقف محاكمة المدنيين أمام الدوائر الاستثنائية والقضاء العسكري.

وشدّدت على “ضرورة وقف جميع أعمال العنف والقتل تجاه الموطنين، وضرورة التحقيق في جميع جرائم القتل خارج نطاق القانون، وتقديم المسؤولين عن ارتكابها إلى المحاكمات العاجلة. 
وأشارت المنظمات إلى أهمية “تنفيذ كافة التوصيات الصادرة من الأمم المتحدة واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تُطالب بوقف تنفيذ أحكام الإعدام في القضايا السياسية”.

وذكرت أن “حقوق الإنسان في مصر فى عهد العسكر مُهدرة وضائعة ومُنتهكة، بشكل مُمنهج ومُتعمّد وواسع الانتشار.
ويأتي الاعتداء على الحق في الحياة، في مُقدمة تلك الحقوق التي لم تعد دولة الانقلاب تحترمها، رغم وجود نص دولي في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على: (لكل فرد الحقُّ في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه)”.

عقوبة الإعدام

وأوضحت المنظمات أنه “يتم إنزال عقوبة الإعدام في مصر بإجراءات سريعة وموجزة، تفتقد لضمانات المحاكمات العادلة، وتشكل خطورة وتهديد للحق في الحياة”.

وتابعت المنظمات:” تُعد محاكمة المتهمين أمام محاكم استثنائية غير مختصة، وذلك في القضايا السياسية منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، من أبرز الخروقات التي تتم بالمخالفة للدستور المصري والمواثيق الدولية المُصدق عليها من مصر، والتي تُلزم بأن حق التقاضي مكفول أمام القاضي الطبيعي والمحكمة المُختصة، ونصت تلك القواعد القانونية على عدم جواز إنشاء أية محاكم خاصة، إلا أن عكس ذلك يتم في دولة الانقلاب ، في إخلالٍ واضح بالقواعد القانونية والقضائية المُستقر عليها”.

وأشارت إلى أنه منذ عام 2013 وحتى نهاية عام 2018 صدر 1320 حكما بالإعدام، وتم تنفيذ حكم الإعدام في 52 مواطنا في ثلاثة عشرة قضية سياسية متفرقة.

ونوهت المنظمات إلى “صدور أحكام نهائية باتة واجبة النفاذ في حق 65 مواطنا مدنيا خلال الفترة من إبريل 2016 وحتى نهاية عام 2018، وبعد تنفيذ حكم الإعدام في خمسة عشرة مواطنا خلال فبراير 2019 أصبح عدد من ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام 50 مواطنا مدنيا رهن الإعدام في أي وقت من الآن”.

ورصد التقرير فقدان أحكام الإعدام للكثير من الضمانات، حيث تم حرمان المتهمين من المحاكمة أمام القاضي الطبيعي المستقل، منوها إلى “صدور أحكام الإعدام من محاكم غير مختصة يطلق عليها دوائر الإرهاب الاستثنائية، ومُشكلة بالمخالفة للدستور ولقانون السلطة القضائية”.

ولفت إلى صدور أحكام بالإعدام من القضاء العسكري الاستثنائي، وصدور الأحكام استنادا إلى محاضر تحريات ضباط الأمن الوطني التابعين لوزارة داخلية الانقلاب، في الوقت الذي لا يجوز فرض عقوبة الإعدام، إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومُقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع”. 

وأشار التقرير إلى “صدور أحكام إعدام على مواطنين أُكرِهوا على الاعتراف ضد أنفسهم تحت وطأة التعذيب، بالمخالفة لما جاء في نصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: (ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب)”.

وأكمل:” كما تم صدور أحكام على أفراد تعرضوا للاعتقال التعسفي ولجريمة الإخفاء القسري والتعذيب، وعلى أفراد حُرموا من حق حضور محام معهم، أثناء التحقيقات أمام النيابة العامة”، مشدّدا على أنه تم “الإخلال بحق الدفاع عن المتهمين في كثير من القضايا”.