بعد فرز 52% من الأصوات، تطابقت نتائج رسمية جمعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، اليوم الإثنين، مع ما نشرته وكالة "سيغما كونساي" لسبر الآراء (خاصة) من نتائج غير رسمية للانتخابات، استنادًا إلى استطلاع خروج المواطنين من اللجان؛ حيث كشفت عن تقدم الأكاديمي وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد ورجل المال والأعمال المثير للجدل نبيل القروي، ثم حل مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو ثالثًا، ثم وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي رابعًا، فيوسف الشاهد رئيس الحكومة خامسًا.

وأظهرت النتائج - التي نشرتها الهيئة على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" - أن المرشح المستقل سعيد حصل على 18.7% من الأصوات، يليه القروي مرشح حزب قلب تونس بـ15.5%، ثم مورو مرشح حركة النهضة بـ13.1%.

وأظهرت إحصاءات "سيغما كونساي" إجراء جولة إعادة بين المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي، في حين حلَّ عبد الفتاح مورو في المركز الثالث.

عمومًا، هناك نوع من الإقرار السياسي بهذه النتائج مع العمل على استخلاص الدروس المستفادة، خصوصًا أن ممثلي الأحزاب الكبرى واللوبيات المالية تعرضوا لهزيمة غير متوقعة.

ويقول عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عادل البرينصي - في تصريحات إعلامية -: إن نسبة الفرز وصلت إلى 60%، مشيرًا إلى أن توقعات استطلاعات الرأي متطابقة لحد الآن، وذكر أن المرتبتين الثانية والثالثة متقاربتان بشكل كبير.

بناءً على هذه النتائج إذا تواصلت حتى نهاية الفرز، فالمؤكد أن أيًّا من المرشحين لن يحوز على نسبة الفوز من الجولة الأولى (50%+1) ما يحتّم اللجوء إلى جولة إعادة بين المرشحين الأكثر حصولاً على الأصوات، وهما قيس سعيد ونبيل القروى، وفقًا للنتائج المعلنة الرسمية حتى الآن، ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أعلنت نتائج غير رسمية.

جولة الإعادة قد تكون يوم 29 سبتمبر حال لم يتم تقديم طعن أو في 6 أكتوبر المقبل في حالة وجود طعن واحد، وفي هذه الحال ستكون الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع التشريعية، وفي حالة وجود أكثر من طعن فستجرى الانتخابات يوم 13 أكتوبر المقبل.

صدمة في أوساط "النهضة"

من جانبه، عبّر القيادي في حركة النهضة زبير الشهودي - في تصريحات إعلامية - عن أسفه لعدم مرور عبد الفتاح مورو للدور الثاني، حسب المعطيات الأولية غير الرسمية، واصفًا ما حدث "بالصدمة" من حيث نسب التصويت، وحاز مورو - حسب ما نشرته "سيغما كونساي" من تقديرات أولية غير رسمية - على نسبة تصويت قدرت بـ11%، وقال الشهودي: إن فوز قيس سعيد فيه رسالة مضمونة الوصول للطبقة الحاكمة، داعيًا النخبة السياسية إلى تلقيها بروح المسئولية الوطنية، مطالبًا النهضة بإعادة النظر في وضعها وخياراتها.

وأشار إلى أن منح التونسيين أصواتهم هذا المرشح يمكن أن يوصف "بالثورة الجديدة" في وجه الفاسدين وكل من فشل في تحقيق أهداف الثورة ومطالب الشعب.

سر شركة "سيجما كونساي"

كان من اللافت فرحة أنصار سعيد والقروي بمجرد إعلان شركة "سيجما كونساي" عن تصدرهما ترتيب الجولة الأولى من الانتخابات، كما لو كانت نتائج رسمية وتم إعلان فوزهما بالفعل؛ فما أسباب هذه الفرحة ؟ ومن أين جاءت هذه الثقة في نتيجة سبر الآراء التي قامت بها الشركة؟

هذه الشركة هي إحدى أهم شركات سبر الآراء التونسية والتي أصبحت بعد الثورة مرجعًا يُعتد به في إعلان نتائج الانتخابات، حتى قبل الكشف عنها رسميًّا، ووفقًا لـ"سيجما كونساي"، فقد حلَّ المرشح قيس سعيد أولاً بنسبة 19% من الأصوات، يليه المرشح المعتقل نبيل القروي بـ15%.

وتعود ثقة التونسيين عمومًا خاصة السياسيين ووسائل الإعلام، في هذه الشركة، إلى صحة أرقامها التي أكدتها الانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014، إذ لم يتجاوز هامش الخطأ في أرقام "سيجماي كونساي" الـ1% في هذا الاستحقاق؛ حيث كانت قد أعلنت عن نتائج الدور الأول بتصدر الباجي قايد السبسي للسباق بحصد 40% من الأصوات، يليه المنصف المرزوقي في المركز الثاني بـ 33%، وهي النتائج التي أهّلتهما للدور الثاني من الانتخابات.

وبعد نحو 24 ساعة من نتائج الشركة، أعلنت هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية التي كانت متطابقة إلى حد كبير مع أرقام "سيغما كونساي"؛ إذ أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات آنذاك شفيق صرصار حصول السبسي على 39.46% من الأصوات، مقابل 33.43% للمرزوقي.

الثقة الكبيرة التي اكتسبها هذه الشركة منحت صاحبها ورئيسها حسن الزرقوني، هيبةً واحترامًا كبيرين، فأضحى الرجل مرجعًا لقياس توجهات رأي ومواقف التونسيين، وضيفًا على عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، التي تخصص جزءًا من وقتها لتحليل ما وراء الأرقام التي تعلنها الشركة.

"قيس سعيد" ابن الثورة

يمثل صعود قيس سعيد ونبيل القروي تحوّلاً كبيرًا، بل يعتبره البعض زلزالاً سياسيًّا يتوجب معه بحث أسباب الإخفاق بالنسبة للأحزاب السياسية الكبرى وعلى رأسها حركة النهضة ونداء تونس وتحيا تونس.

ويعدّ الأكاديمي قيس سعيد مفاجأة السباق، وظهر سعيد أساسًا في المنابر الإعلامية كرجل قانون متخصص بعد ثورة 2011 لشرح معضلات دستورية ولكن ذاع صيته بإتقانه المبهر للغة العربية في التواصل مستعينًا بصوته الجهوري.

كما أظهر الرجل انحيازا واضحا لمبادئ الثورة، معتبرًا أن رحيل رأس النظام لا يعني إسقاط النظام برمته، داعيا إلى تأسيس دولة قيامها العدل والسيادة الوطنية والحكم المحلي، وأعلن منذ أشهر تعففه عن السلطة والقصور والمآدب الفاخرة، مستدركا أنه لن يتردد في تلبية نداء الواجب وخوض الانتخابات الرئاسية ومواجهة المنظومة الحزبية من باب مسؤوليته تجاه الوطن.

ويتوقع خبراء ومراقبون أن يفوز سعيد بالجولة الثانية ومنصب الرئاسة؛ فموقعه الوسط بين الإسلاميين والعلمانيين يجعل منه اختيارا أفضل من منافسه نبيل القروي المتهم في قضايا فساد والذي "يمثل الرأسمالية المتوحشة ولوبي المال والإعلام الفاسد".