في ذكرى وفاته

ولد الشاعر وليد عبدالكريم إبراهيم الأعظمي سنة 1930م في "الأعظمية" المدينة التي أخذت اسمها من اسم الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وهو من قبيلة "العُبيد" العربية القحطانية الحميرية.

كما أن سكان الأعظمية، معظمهم من أبناء هذه القبيلة، وقد تعلم قراءة القرآن الكريم لدى الملا عميد الكردي.

وانتسب إلى مدرسة الأعظمية الابتدائية الأولى وأكمل الدراسة الابتدائية فيها.

وقد نشأ في بيئة دينية وأسرة محافظة على دينها، فكان محافظًا على الصلاة وهو صبي، وكان وأصحابه يقضون معظم أوقاتهم في جامع الإمام الأعظم؛ حيث الدفء والأنوار والجو الروحي العابق بالبخور والعطور، والزرابي المبثوثة والسجاد الوثير الفاخر.

كما كان يلعب مع أترابه في "مقبرة الخيزران" التاريخية القريبة من جامع الإمام الأعظم، وكانت تستهويه وتثير إعجابه تلك الخطوط الجميلة المحفورة بالمرمر على رقيم بعض قبور الولاة وبعض الموظفين الأتراك.

وكان الشاب وليد يحاول تقليد تلك الخطوط، كما كان يحفظ تلك الأشعار المخطوطة على رقيم تلك القبور، وفي هذه المقبرة ومنذ صباه تعلق بالخط العربي والشعر العربي.

مشايخه

كان في شبابه يحرص على حضور دروس العلامة الشيخ قاسم القيسي "مفتي بغداد" التي يلقيها على طلاب المدارس الدينية في "مسجد بشر الحنفي" في الأعظمية، وكذلك دروس العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي في "مسجد خطاب" بالأعظمية، ودروس العلامة الشيخ محمد القزلجي الكردي، ودروس الشيخ عبد القادر الخطيب، ومجلس العلامة الحاج حمدي الأعظمي في منزله، ودروس العلامة الشيخ أمجد الزهاوي في جامع الإمام الأعظم ومسجد الدهان.

بداياته الشعرية

بدأ نظم الشعر وهو ابن خمسة عشر عامًا، وكان قبل ذلك بقليل ينظم الزجل والشعر الشعبي بلغة العوام، وكان خاله الأديب مولود أحمد الصالح يوجهه ويرعاه ويصحح له بعض الأوزان ويبدل بعض الكلمات.

وفي سنة 1946م افتتحت جمعية الآداب الإسلامية فرعاً لها في الأعظمية فكان ينشر فيها بعض المقطوعات الشعرية بعد أن يراجعها ويصححها الأستاذ المصري الإخواني محمود يوسف المدرس في دار المعلمين بالأعظمية.

ثم انطلق بعدها إلى الشعر حيث أصدر عدة دواوين شعرية كان أولها "ديوان الشعاع" الذي أصدره سنة 1959م وتتابعت بعد ذلك دواوينه وكان آخرها "نفحات قلب" الذي أصدره عام1998م.

تلمح في الشاعر وليد الأعظمي هذا الحماس والعطاء المتدفق والعمل الدؤوب والغيرة الصادقة على الإسلام وحرماته، والحرص على جمع الشباب على منهج الإسلام والتصدي لقوى الإلحاد والطغيان والفساد والإفساد الذي يمارسه دعاة الشيوعية وأذناب الاستعمار وعملاء الكفرة الأعداء.

كانت بواكير شعره تنطلق من أعماق قلب مؤمن وكبد حرّى، كما كان حبه لإخوانه العاملين في حقل الدعوة الإسلامية السائرين في ركب كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة هو الطابع الغالب على أشعاره، وقد اشترك في المظاهرات الشعبية بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف ضد معاهدة "بورت سموث" حتى سقطت حكومة صالح جبر التي عقدتها وألغيت المعاهدة، وقد أولاه الأستاذ الصواف عناية كبيرة، فكان يشجعه ويقدمه في المحافل العامة لينشد الشعر الإسلامي وينشره في مجلة "الأخوة الإسلامية" كما كان يصحبه في زيارة المدن العراقية.

وقد ذاع صيته وانتشرت قصائده وأشعاره في العالم العربي كله، وكان الشباب المسلم يترنم بها في كل مكان وينشدها في المناسبات.

وأسهم بإلقاء الكثير من القصائد في البلدان التي زارها مثل: الكويت، وسورية، والأردن، وفلسطين، ومصر، والجزائر، والسعودية، والإمارات، واليمن وغيرها.

وتجد في كتابه "السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني" ما يزيل الغشاوة عن عينك، فقد أعجب البعض بكتاب "الأغاني"، واعتبروه من المراجع المعتمدة، حتى فضح عواره، وكشف عن خبيئته الأخ وليد الأعظمي، فسارعت في نقد الكتاب وبيان أغاليطه وأكاذيبه في مجلة المجتمع الكويتية الغراء، وحذَّرت الناس من الاغترار به.

وفي السنوات الأخيرة من 1998م وحتى تاريخ وفاته، أذن بطباعة أعماله الشعرية كاملة، وتم ذلك بحمد الله.

حياته العملية

عاش الأخ وليد الأعظمي داعية من دعاة الإخوان المسلمين، وشاعرًا من شعراء الإسلام المعاصرين، وسخر كل طاقاته وإمكاناته لخدمة الإسلام والمسلمين داخل العراق وخارجه، فكان يعيش قضايا الإسلام والمسلمين، ويتفاعل مع الأحداث، ويؤكد المعاني الإسلامية وروابط الأخوة بين المسلمين، وأنهم جسد واحد، وأن بلاد المسلمين واحدة، فكان لا يقيم وزنًا للحدود المصطنعة.

وكان يرى أن المسلمين أمة واحدة ربها واحد ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، وهدفها واحد، هو العمل لمرضاة الله وتحقيق معنى العبودية لله وحده.

وقد أسهم في كل ميدان من ميادين خدمة الإسلام والمسلمين على الصعيد الوطني والسياسي والاجتماعي، فشارك في مظاهرات 1948م التي أسقطت المعاهدة الاستعمارية، وأسهم في تأسيس "جمعية الأخوة الإسلامية" 1950م، وشارك في جميع أنشطتها من المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمخيمات والمعسكرات الكشفية، والتمثيليات والمسرحيات والأناشيد الإسلامية وغيرها.

وقد انتسب إلى معهد الفنون الجميلة ببغداد، قسم الخط العربي والزخرفة الإسلامية، وتخرج فيه، وتعلم فن التركيب في الخط العربي على يد الخطاط التركي الشهير ماجد بك الزهدي، كما رافق الخطاط النابغة هاشم محمد البغدادي عشرين عامًا، اغترف خلالها الكثير المفيد من فنه وفضله وأدبه.

والأستاذ وليد الأعظمي متزوج من ابنة عمه التي كانت له نعم الزوجة الصابرة ورُزق منها بثمانية من الأولاد أربعة من البنين وأربع من البنات، واستشهد أكبرهم وهو "خالد" في الحرب العراقية الإيرانية.

كما كان الأستاذ وليد الأعظمي رئيسًا لنادي التربية الرياضي بالأعظمية لمدة خمس سنوات، وفاز النادي ببطولة العراق في المصارعة.

كما حصل على إنجازات في فن الخط العربي من الخطاط المصري الشهير محمد إبراهيم البرنس ومن الخطاط محمد طاهر الكردي "خطاط مصحف مكة المكرمة" ومن الخطاط أمين البخاري "خطاط كسوة الكعبة المشرفة" وغيرهم.

وكان عضوا مؤسسا في الحزب الإسلامي العراقي سنة 1960م، وعضوا مؤسسا لجمعية المؤلفين والكتاب العراقيين، وعضوا مؤسسا لجمعية الخطاطين العراقيين، وعضوا مؤسسا لمنتدى الإمام أبي حنيفة في الأعظمية.

كما كان خبيرا في شئون المصاحف في وزارة الأوقاف العراقية، وخبيرا في فن الخط العربي وتاريخه وآدابه في وزارة الثقافة والإعلام العراقية، واشتغل خطاطا في المجمع العلمي العراقي، ومصححا في مطبعته لمدة عشرين سنة.

وقد نشرت له الكثير من القصائد والمقالات والبحوث في النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفن في عدد من المجلات منها: الوعي الإسلامي في الكويت، ومجلة المجتمع ببيروت، ومجلة المجمع العلمي العراقي، ومجلة الرسالة الإسلامية ببغداد، ومجلة التربية الإسلامية ببغداد، وبعض الصحف اليومية ببغداد مثل: الأيام، والبلد، والسجل، والجمهورية وغيرها.

كما قام بتزويق الكاشي المزجج بخطه الجميل في الكثير من محاريب المساجد وأروقتها وقبابها في بغداد. والأخ الشاعر وليد الأعظمي لم تزده الأحداث، ولا تعاقب الأيام إلا إصراراً على التمسك بالحق، والدعوة إلى الحق، والصبر على الأذى في سبيل الحق، واحتساب ذلك عند الله عز وجل.

وهو لم يتلون مع المتلونين، ولم يخضع للسلاطين، وظل شاهرا سيفه ينافح عن الإسلام دينا، والمسلمين أمة، في أي صقع من أصقاع الأرض وجدوا، تؤرقه مشكلاتهم، ويتألم لمعاناتهم، ويستنهض الهمم لنجدتهم والوقوف إلى جانبهم.

والأستاذ وليد الأعظمي عاش ويعيش قضايا أمته الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي كلها وليس مختصاً بقطر دون قطر، فالعراق والعالم العربي كله، والعالم الإسلامي برمته، هو شغله الشاغل، فهو يتحدث عن فلسطين وكشمير وقبرص والفلبين والشيشان والجزائر وزنجبار وسائر الأقطار الإسلامية التي نابتها النوب، وأرخى الظلم بسدوله عليها، والاستعمار قمة الظلم والظلام، حيث حل ويحل، وشاعرنا الأعظمي كان له بالمرصاد، فلم يهادن ظالماً، مستعمراً جاء من وراء البحار، أو جاء بأمر من الاستعمار من أبناء الوطن، فكان يتصدى له شاعرنا أبوخالد، ويسوطه بسياط من القول حداد شداد، ويلقي عليه حمم شعره، وشواظ نظمه.

لم يكن وليد الأعظمي شاعر الدعوة في العراق وحده، بل كان بشعره يتخطى الحدود، ليكون على ألسنة أبناء الحركة الإسلامية الذين أحبوه وأحبوا شعره، وكان الوقود الذي يشعل جذوة الإيمان في القلوب، ليهب ذووها إلى ميادين العز والفخار، وهم ينشدون مرة ويهتفون بها مرات.

أهم مؤلفاته

للأستاذ وليد الأعظمي دواوين كثيرة أهمها: ديوان الشعاع، ديوان الزوابع، ديوان أغاني المعركة، ديوان نفحات قلب، وقد جُمعت كلها في حياته في مجلد كبير، تحت عنوان (ديوان وليد الأعظمي).

وأما مؤلفاته النثرية، فهي: شاعر الإسلام حسان بن ثابت، المعجزات المحمدية، تراجم خطاطي بغداد المعاصرين، الرسول في قلوب أصحابه، مدرسة الإمام أبي حنيفة، تحقيق ديوان الأخرس، تحقيق ديوان العُشاري، الخمينية، السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني، هجرة الخطاطين البغداديين، شعراء الرسول، تاريخ الأعظمية، تحقيق ديوان عبدالرحمن السويدي، أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران، حسان بن ثابت الأنصاري، عبدالله بن رواحة الأنصاري، كعب بن مالك الأنصاري، عباد بن بشر الأنصاري، قتادة بن النعمان الأنصاري، أبولبابة الأنصاري، سعد بن معاذ الأنصاري، أسيد بن حضير الأنصاري، أبوطلحة الأنصاري، حارثة بن النعمان الأنصاري، عقبة بن عامر الأنصاري، أبودجانة الأنصاري، ذكريات ومواقف، رجال من قبيلة العبيد.

وله مقالات كثيرة منشورة في الصحف والمجلات العربية، تنتظر طلاب الدراسات العليا، ليجمعوها، ويكتبوا عنها وعن صاحبها دراساتهم التي تؤهلهم لنيل الماجستير والدكتوراه.

مقتطفات من شعره

إيه فلسطين

إيه فلسطين للتاريخ دورته

            وللحوادث إيراد وإصدار

نمنا زماناً، وكان الخصم منتبهاً

            من نام خاب ولم تسعفه أقدار

إنّا على موعد يا قدس فانتظر

            يأتيك عند طلوع الفجر جرار

جيش تدرّع بالإيمان يدفعه

            لنصرة الحق تأكيد وإصرار

آلى على نفسه ألا يبل صدى

            حتى تعود إلى أصحابها الدار

لا عذر للعرْب عند الله إن سكتوا

            وبات في القدس من صهيون ديّار

ذكر ونسيان

شريعة الله للإصلاح عنوان

            وكل شيء سوى الإسلام خسران

لما تركنا الهدى حلت بنا محن

            وهاج للظلم والإفساد طوفان

تاريخنا من رسول الله مبدؤه

            وما عداه فلا عز ولا شان

محمد أنقذ الدنيا بدعوته

            ومن هداه لنا روح وريحان

لا خير في العيش إن كانت مواطننا

            نهباً بأيدي الأعادي أينما كانوا

لا خير في العيش إن كانت عقيدتنا

            أضحى يزاحمها كفر وعصيان

ها قد تداعى علينا الكفر أجمعه

            كما تداعى على الأغنام ذؤبان

والمسلمون جماعات مفرقة

            "في كل ناحية ملك وسلطان"

في كل أفق على الإسلام دائرة

            ينهدّ من هولها "رضوى" و"ثهلان"

حرب صليبية شعواء سافرة

            كالشمس ما عازها قصد وبرهان

كل الحوادث نالتنا مصائبها

            ولم يزل عندنا عزم وإيمان

قرآننا مشعل يهدي إلى سبل

            من حاد عن نهجها لا شك خسران

قد ارتضيناه حكماً لا نبدله

            ما دام ينبض فينا منه شريان

ربيع تموز

من الخليج إلى تطوان ثوار

            شعب يزمجر في أحشائه الثار

طافت به ذكريات المجد فالتهبت

            طاقاته باندلاع دونه النار

تحركت فيه روح العزم ثانية

            فهبّ لم يثنه بطش وأخطار

سامته خسفاً لصوص بات يدفعها

            للغدر والظلم جاسوس ودولار

آمنت بالله أن الحق منتصر

            والظلم منتحر والكفر منهار

والشعب إن مازج الإيمان همته

            فإنه لقوى الإفساد دحّار

آمنت بالله إيماناً عرفت به

            أن الزمان على الباغين دوَّار

لا ينكر الله إلا جاهل نزق

            غرّ بليد سفيه الرأي ختار

يا هذه الدنيا

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي

            إنّا بغير محمد لا نقتدي

لا رأسمال الغرب ينفعنا ولا

            فوضى شيوعي أجير أبلد

وسطاً نعيش كما يريد إلهنا

            لا نستعير مبادئاً لا نجتدي

إسلامنا نور يضيء طريقنا

            إسلامنا نار على من يعتدي

قالوا عنه

يقول الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي:

"كانت فكرة جمع الأعمال الشعرية الكاملة للشعراء الإسلاميين تستهويني وتلح عليّ منذ ستينيات القرن الماضي، وقد بدأنا في حلب بجمع الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر الدعوة في حلب الأستاذ محمد منلا غزيل، وطبعت في ديوان في سورية عام 1978م ثم أعيد طبع الديوان في دار عمار في عمان عام 1983م.

وكنت وما زلت أحلم بجمع أشعار شعرائنا: جمال فوزي، وعبدالحكيم عابدين، والباقوري، ومحيي الدين عطية، والأميري، وضياء الدين الصابوني، ومحمد الحسناوي، وعبد الله عيسى السلامة، ومحمد المجذوب، وسواهم من شعراء الدعوة في سائر الأقطار.

وزارنا الأستاذ الأعظمي في عمان، والتقينا في ديوان الشيخ المستشار عبد الله العقيل، وذلك بعد سقوط بغداد، وعرضنا عليه الفكرة، فتهلل وجهه لها، وطرب لهذا الاقتراح، وفوضنا في جمعه وترتيبه، وسارعت إلى جمع الأعمال الكاملة وتصحيحها، وتحتوي أربعة دواوين مطبوعة "الشعاع، الزوابع، أغاني المعركة، ونفحات قلب"، وديواناً مخطوطاً "قصائد وبنود"، وآخر قصيدة نظمها وألقاها في الاحتفال الكبير بجامع الإمام الأعظم ببغداد، وهذا كل ما أخذنا من الشاعر وليد رحمه الله تعالى، نضدنا الديوان وأطلقنا عليه "ديوان وليد الأعظمي" الأعمال الشعرية الكاملة، واتفقنا على طبعة أولى 1300 نسخة مع صاحب دار القلم بدمشق.

وهاتفني الشيخ العقيل من الرياض وأخبرني أن شاعرنا أصيب بجلطة دماغية في بغداد، وألح على إيصال نسخة من الديوان المطبوع للشاعر قبل أن يحمّ القضاء.

وهاتفنا الطابع في بيروت، وطلبنا منه إرسال خمس نسخ بالبريد السريع وكان تجاوبه رائعاً فأرسل النسخ الخمس، وبادر الشيخ العقيل بإرسال نسختين إلى الشاعر مع رجلين صديقين كانا عائدين إلى مدينتهما بغداد.

وتلقى الشيخ العقيل رسالة من الشاعر الأعظمي يشكره فيها على جهوده المبرورة في إخراج الديوان بهذا الشكل الجميل ولم ينسنا من الدعاء والثناء على مقدمة العقيل للديوان، كان هذا قبل وفاة الشاعر بأسبوعين تقريباً، وحمدنا الله الذي أقرّ عيني شاعرنا الكبير، برؤية ديوانه مطبوعاً قبل وفاته.

ثم كانت الطبعة الثانية للديوان بعد شهرين (آذار 2004م) ثم جاءت الطبعة الثالثة بعد شهرين من الثانية، وكان مجموع نسخ الطبعات الثلاث، عشرة آلاف ومئة نسخة، بادر الناس إلى اقتنائها في العراق، ولبنان، والأردن، والسعودية، والمغرب، والسودان، والكويت، والإمارات، وقطر وسواها من سائر الأقطار ثم صدرت الطبعة الرابعة بعد أشهر من صدور الطبعة الثالثة".

ويقول الأستاذ الدكتور جابر قميحة:

"وليد الأعظمي شاعر عراقي باعتبار المولد، ولكنه شاعر عربي إسلامي باعتبار العقيدة والمنهج والسلوك والواقع الذي يعيشه، وأدائه الفني فكراً ولغة ووجداناً، فهو كما وصفه بحق الدكتور يوسف القرضاوي:

"شاعر الشعب يشدو له حين يفرح، ويبكي حين يأسى، ويزأر من أجله حين يُظلم، ويصرخ صراخ الحارس اليقظ إذا أهدرت حقوقه، أو ديس في حماه، وشعبه هم المسلمون في كل مكان، عرباً كانوا أم عجماً، بيضاً كانوا أو سوداً، رجالاً كانوا أم نساء، وهو أيضاً شاعر الإسلام، وكل شاعر حقيقي للشعب، لا بد أن يكون شاعراً للإسلام، فالإسلام هو دين الشعب ومنهجه الذي ارتضاه الله له، وارتضاه هو لنفسه بمقتضى عقد الإيمان".

وكأنما هو الناطق بقول الشاعر:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

            كإذا افتخروا بقيس أو تميم

فلا عجب أن يقف قلمه وشاعريته لقضايا المسلمين على حد سواء، والشواهد أكثر من أن تحصى في هذا المقام، وبهذه النظرة الرحيبة الشاملة يتصدى للأدعياء في الغرب الذين يزعمون أنهم حريصون بل يعملون على "تمتيع" شعوب العالم الثالث بالسلام والاستقرار.

إنه يحمل هموم الوطن العربي والإسلامي، فكل شبر من الأرض فيه مسلم موحد يعد وطناً لكل مسلم.

وشعر وليد الأعظمي ينهل من معين أصيل زاخر بالثقافات الإسلامية والعربية، والمعطيات التراثية عقيدة وفكراً وتاريخاً، ومن يقرأ سيرة الشاعر ويعش مسيرته الفنية الشعرية يكتشف بسهولة أن "مسيرة حياته" هي "مسيرة شعره" وأن شعره مرآة جلية لواقع أمته ونبض عقيدته، ومشاعره الصادقة التي لا يشوبها زيف ولا كذب ولا رياء، فهو شخصية متناسقة الملامح والتوجهات والطوابع، بمعنى أن أعماله المنظومة وأعماله المكتوبة عاشت انعكاساً أميناً صادقاً لنسيج شخصيته في أبعادها العقلية والنفسية والعقدية والخلقية، لأنه ينطلق من الإيمان العميق برسالته الأدبية، مرتكزاً على إيمان بالله ورسوله ومبادئ الإسلام وقواعده، وهذا الاتساق الإيماني يعني أنه لا تنافر بأية حال بين الجزئيات المكونة لعطائه الفكري والأدبي، بل تأخذ كل جزئية منها مكانها الطبيعي في هذا النسق الممتد، كما أنه لا تنافر بأية حال بين هذا التشكيل في هيئته الكلية وطبيعة شخصيته في سلوكياتها وتفاعلها وتوجهاتها.

ووليد الأعظمي كما تنطق سيرة حياته ومسيرته الفنية كان واحداً من دعاة الإسلام الرساليين الذين منحهم الله من فضله وآلائه، موهبة الخط الآسر الأخاذ، وموهبة الشاعرية القوية الأصيلة، وموهبة البحث والكتابة والقول والإلقاء المبين".

ويقول الأستاذ د.بهجت الحديثي:

"كثير من شباب فلسطين المجاهدين يحفظون قصائد وليد الأعظمي، واتخذوا أبياته شعارات جهادية، وكتبوها على الجدران واللافتات، وكذلك في سورية واليمن والجزائر والمغرب وباكستان وإندونيسيا...".

وقال عنه الشيخ يونس إبراهيم السامرائي:

"هو الأديب الشاعر الأستاذ وليد بن عبدالكريم بن إبراهيم كاكا بن مهدي بن صالح بن صافي بن عزو العطار العبيدي الأعظمي، ولد في الأعظمية في محلة الشيوخ في أول 1930م وله عشرة إخوة هو أكبرهم، ووالده مثقل بالعيال فاضطر للعمل في حرف ومهن متعددة، وكان يصدر نشرة جدارية باسم "المشكاة" وبدأ نظم الشعر في سن مبكرة، كما كان يحب الخط العربي ويحب حلقات الذكر ويحرص على حضورها، وانتسب إلى جمعية الآداب ثم جمعية الأخوة الإسلامية، وساهم في تأسيس الحزب الإسلامي العراقي وهو عضو بجمعية المؤلفين والكتاب العراقيين، وعضو جمعية الخطاطين العراقيين، وساهم في إنشاء عدد من المساجد وله آثار فنية في جامع الدهان وجامع الأزبك، ومكتبة الحاج حمدي الأعظمي وجامع الشهيدين، وجامع الصديق وجامع الوزير وجامع القبانجي وجامع الخويلص وجامع الصحابة".

ويقول الأستاذ شمس الدين درمش:

"نعم أيها الشاعر الأعظمي، للتاريخ دورته، وإنك إذ رحلت ودورة التاريخ مازالت علينا، ومازالت رحى التاريخ تطحننا طحناً أليماً، تدور بشدة على إخواننا في فلسطين في الأرض المباركة في القدس وأكنافها وهم صامدون صابرون عطشى، يأبون أن يرتووا من ماء النهر.. ها قد رحلت عنا بعد خمسين عاماً من قصائدك "الزوابع"، والزوابع تلفنا فتكاد تقتلع قلوبنا من صدورنا.. ها قد رحلت عنا وقد دخل أحفاد السبي البابلي إلى بغداد تحت رايات الصليب من كل حدب وصوب تداعت على قصعة المسلمين ينهشونها دون رحمة.. ها قد رحلت والمغاوير من أحفاد حيدرة يقاومون الغزاة في بغداد وليس في القدس فقط.. فرحلت عنا بصمت مع رحيل العام الهجري 1424هـ، فلك منا الدعاء ومن الله الرحمة والرضوان".

ويقول الدكتور عبدالرزاق محيي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي:

"يطيب لي أن أحيي الأستاذ الأخ وليد الأعظمي تحية تقدير وحب، ويعزّ علي أن تكون هذه التحية بمناسبة مغادرته المجمع العلمي العراقي الذي كان له ولي شرف التعاون وتبادل الرأي في كثير مما نشر المجمع من كتب علمية وأدبية خلال اشتغاله بالعمل المجمعي.

أيها الإخوان: في الناس من يكبر بالوظيفة، وفي الناس من تكبر به الوظيفة، ولكن هناك أفذاذ تكبر وظائفهم ويتجاوزونها إلى وظائف وخدمات يقل أن يصلح لها موظف من الموظفين وإن كان كبيراً، والحاج وليد الأعظمي من هؤلاء الأفذاذ الذين تجاوزوا وظائفهم وإن كَبُرَت بهم، وفي المثل "المعروف على قدر المعرفة"، وقد أتاح الله لي من المعرفة ما جعلني على بيِّنة من قيمة هذا الرجل في سمو مواهبه الأدبية.

أصغي إلى رأيه وأنتفع به في مجالات مختلفة من مجالات اللغة وفهم النصوص العالية، ولن أكتم أن المجمع لن يستغني عن مثله، مهما سمت منزلة موظفيه وأعضائه العلميين والأدبيين، وأنه كان عوناً لي وعيناً لي على تلمس طريقي إلى تحرير بعض النصوص، إنه على جانب من فهم علوم العربية، لغتها ونحوها وعروضها وإملائها، وعلى جانب من فهم آي القرآن الكريم وحديث الرسول {".
وفاته

وفي مساء يوم السبت الأول من محرم 1425ه الموافق 22 من فبراير سنة 2004م انطفأ سراج وليد الأعظمي الذي طالما أثار الدنيا من حوله عن عمر يناهز أربعة وسبعين عاماً، وذلك بعد صراع مع المرض استمر أكثر من شهر عقب إصابته بجلطة، وصُلي عليه بمسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بالأعظمية.

طبت حياً وميتاً يا أبا خالد وتقبلك الله في الصالحين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رثاؤه

أخفي لـواعج شـوق زاد من كربي .... وأسـكـن القلب في صرح من اللهب

تفنى الـملوك مدى الأزمـان لاهية .... وســادة الفكر في الأكوان كالشـهب

يسـمو الهمام على الأفلاك في شمم .... وسـاسـة القوم تعلي الزيف بالصخب

عذرا ولــيـد إذا ما كنت راثيكم .... فـمـا لمـثـلـك إلا أنـت في الكرب

نشــأت ندا لأهل البــغي قاطبة .... فـكـنـت حقا أمـير الشـعر والأدب

وصغت من نسـمة الأسحار أغنية .... ناخت لها الأذن الصــماء في طرب

قد جئتك اليوم أبغي الوصل منتشيا .... فصــدني من لهـيب الهجر والحجب

هزهزت في قريــض الوجد أندبه .... فأحجم الحرف يبكي أســـطر الكتب

يســائل الشوق مني كل شاخصة .... فـهـمهم العجم والأســياد لم تجب

وعدت أبحث في الواشــين علهم .... يدغــدغ الـصد منها أي ملـتـهب

وســقت خيلا على الأيام أرجفها .... فأجـهـض العزم منـها غاية النصب

يا رافعا من نفـيـس القول رايتنا .... وعفت كــل بغيــض غير منتسب

ســارت بشعركم الركبان حادية .... وبـات مـغنى ذوي الأقلام والـخطب

لئـن قلا منكم الأهلون شـخصكم .... فـطـيـفـكم دام للأرواح كالـضرب

أعلنتم يوم صمت الناس شـدوكم .... فـوق المـنابر من تـغريدك الرطب

شـعاعكم في طريق البغي زوبعة .... غـنـت معاركها الأجـيال في طـرب

وكنت للجـيـل غيـثا أينما نزلوا .... ألبســـت قفرهم ثوبا من القـشـب

وكنت للصـيد في البيداء حاديهم .... فـصـرت تنعى مع الأطلال والـكثب

علمتنا نـنـظم الأشـعار مؤمنة .... فـحـزت أجرك أضــعـافا بلا تعب

يا حاملا دعوة الإســلام صادقة .... تبلى الجســـوم وتـبقى عالي الرتب

لا يخجل الموت فالآجـال تحكمه .... وحســـبه مدحك المخـتار والنـجب

يا قـبر هلا عرفت اليوم ضيفكمُ .... فارفق بأضــلاعه المــفناة بالنوب

وافتح له روضة الجـنات ناضرة .... تســــارع الحور والولدان بالطلب

من صارع الظلم بالتوحـيد يعلنه .... ســــيفا يجز رقاب المكر والكذب

أفنى الحياة بدين الحق يشـدو وقد .... شــابت ليالي الأسى والقلب لم يشب

لا تنحني الهام فالـمـختار قائدها .... يـبـني رجال التقى بالـمنهج العذب

غاياتنا في رضى الرحمن دائـرة .... وفي هدى المصطفى نسمو على السحب

يرصــع الكون منا كل داعـية .... نجما علا ســائر الأفــلاك والنـخب

يا دعوة النور ما هبت نسـيمتكم .... إلا زها الروض في طيب وفي رغـب

مدي ذراع الهدى فالصدق شيمتنا .... والصــبر عـدتنا والظـن لم يـخب

سينهض الجيل ما لانت عزيمتهم .... ويبــزغ الفجر للإســـلام والعرب

فإن مضى الأعظــمي لله خالقه .... فـكـلـنـا لو صدقنا العـهد للطلب