لا، لن يكون، لن تنهض، وقد سبق وأقسمت على ذلك فى أول مقال لى بعد (3/7/2013م)، وقد برَّ الله قسمى، وأُعيد الحلف مرة أخرى؛ فوالله لن تنهض مصر بنظامها الحالى، ولن تقوم لها قائمة، واثقًا فى موعود الله الذى لا ينصر قتلة، ولا يصلح فسدة، ولا يحابى من أكل الحقد قلوبهم فانفلتوا يقتلون أولياء الله ويحاربون دينه، ولو نجح كاهنهم الأكبر "ناصر" لنجحوا، وهم يسيرون الآن على خطاه ويتبعون طريقته ومنهجه.

وإذا كان يوم (30/6/2013م) ثورة كما يدَّعون، لتحرّوا على إثرها العدل، وأنصفوا المظلوم، وحقنوا الدماء وسعوا بإخلاص إلى نهضة البلاد والعباد، لكنهم لم يفعلوا شيئًا من هذا، بل جرى العكس؛ إذ كان هدفهم استئصال فئة بعينها، والتمكين لأخرى، والذى لم يكن تمكينًا لمصلحة وطن، بل تمكينًا لأغراض شخصية، وتكريسًا لدوام التبعية.

وكيف تنهض مصر بهذا النظام وقد مر عليه سبع سنوات تراجعت خلالها البلاد نحو مائة سنة إلى الوراء، ولو كان ثمة إرهاص واحد للنهوض لظهر خلال هذه السنوات السبع؟ إن ما يقومون به ويوجهون له كل إمكاناتهم وطاقاتهم هو عدم عودة "الإخوان" إلى الساحة، وهو مطلب دولى تفرغ النظام لأدائه بإتقان صرفه عن أداء أى أدوار أخرى.

وإن نظرة واحدة لسلوك الانقلابيين فى فترة لا تتعدى الشهر، ما بين بيان الانقلاب فى (3/7) وحتى نهاية الشهر ذاته وقبل المذبحة الكبرى (فى رابعة والنهضة، 14/8)، تؤكد أنهم جاءوا ليُعْمِلوا آلة القتل فى هذا الخصم لا لينهضوا بالبلاد، لا يمنعهم من هذا التقتيل مانع محلى أو إقليمى أو أممى.. فما إن انتهى قائد الانقلاب من إلقاء بيانه حتى بدأ القتل فى مؤيدى الشرعية، وزادت الأعداد يوم الجمعة التالى (5/7/2013م) فسقط فى هذا اليوم (36) شهيدًا و(1404) مصابون. كما استُشهد (13) من إخوان الإسكندرية يوم السبت (6/7/2013م) أمام المنطقة الشمالية العسكرية. وصُدم الشعب المصرى والعالم يوم الإثنين (8/7/2013م) للمذبحة التى ارتكبتها قوات الجيش ضد آلاف المعتصمين السلميين أمام نادى الحرس الجمهورى وهم يؤدون صلاة الفجر، فى مشاهد بشعة بكل ما تعنيه الكلمة، وقد بلغ عدد شهداء المذبحة (84) ونحو (1000) مصاب..

وفى ليلة دامية شهدتها ميادين وشوارع مصر، مساء الإثنين (15/7/2013م) سقط عشرات الشهداء ومئات المصابين من مؤيدى الشرعية؛ ففى ميدان رمسيس ومحيط مسجد الفتح وأعلى كوبرى أكتوبر، استُشهد (7) مواطنين وأصيب (261) آخرين، وفى ميدان النهضة استُشهد (4) وأصيب (114)، وفى شارعى البحر الأعظم والمحطة بالجيزة استُشهد مواطن واحد وأصيب (8)، أما فى "رابعة" فقد أصيب (5) أفراد..
وبعد أقل من شهر على مجزرة مسجد "الجمعية الشرعية" التى جرت يوم الأربعاء (26/6/2013م) واستُشهد فيها أربعة من المتظاهرين السلميين، شهدت المنصورة مجزرة ثانية مساء الجمعة (19/7/2013م) استُشهد فيها (4) من أخوات الدقهلية اللاتى خرجن رافضات للانقلاب الدموى.
وبلغت حصيلة الشهداء الذين ارتقوا يوم الثلاثاء (23/7/2013م) نتيجة الاعتداء على المتظاهرين (7)، منهم (5) فى ميدان "النهضة"، واثنان أمام قسم شرطة "مدينة نصر"، كما بلغ عدد الإصابات بين صفوف معتصمى "النهضة" (43)، وبلغ عدد مصابى مسيرة المطار (55) مصابًا.

وأسقطت طائرة هليوكوبتر تابعة للداخلية، يوم الجمعة (26/7/2013م)، شهيدين وأكثر من "100" مصاب من مسيرة انطلقت من مدينة "أطفيح" جنوب الجيزة فى طريقها إلى ميدان "رابعة العدوية". كما ارتقى (6) شهداء فضلًا عن (300) مصاب، فى اليوم نفسه، أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، فى "جمعة كسر الانقلاب".
وسقط أكثر من (200) شهيد و(5000) مصاب، من مؤيدى الشرعية، برصاص الغدر، فى الساعات الأولى من صباح يوم السبت (27/7/2013م)؛ حيث قامت قوات الانقلاب بمعاونة البلطجية بالهجوم على اعتصام "رابعة"، من ناحية المنصة، بالغاز والخرطوش والرصاص الحى، وقد استشهد العديد عن طريق القنص وبذخائر تسببت فى تفجير جماجم الضحايا وتفتيت عظامهم.
غير مئات آخرين قضوا فى حوادث أخرى لا يتسع المقام لذكرها.
إن من اقترف كل هذه الجرائم لا تتوقعوا له سوى المزيد من الفشل والانهيار، والفوضى والاختلال، والضعف والعجز، وسيكون مهينًا حتى فى أعين الضعفاء، وسوف يتقزم إلى درجة عدم القدرة على اتخاذ القرار، وسوف تسقط هيبته ويفقد كرامته.. لكن كل هذا لن

يمنعه من الاشتداد فى ملاحقة الإخوان، وفرض مزيد من الاستبداد، والاسترسال فى الكذب والدجل والتزييف، فضلًا عن "كيد النسا" وحروب الكلام، والمبالغة فى الاحتفاء بـ"الزعامات" الخرقاء.
إن الأمم الناهضة هى التى تقودها زعامات وطنية مخلصة، تستعين فى إدارتها بالبطانة الصالحة، متفرغة للجهد والعمل، لا تعق مواطنيها ولا تفرِّق بينهم، همُّها صلاح البلاد والعباد.. فإن رأيتم شيئًا من ذلك فقد بدأت مصر طريق الإصلاح.